من طرف conciliateur22 2011-01-25, 11:52
الصفحة 2 من بحث المالية العامة
المبحث الثالث: الإيرادات السيادية
الإيرادات السيادية هي تلك الإيرادات التي تحصل عليها الدولة جيرا من الأفراد بما لها من حق السيادة وتشمل الضرائب، والرسوم ومقابل التحسين (الأثاوة) والغرامات المالية، والتعويضات، والقرض الإجباري وسوف نقتصر على دراسة النوعين الأول والثاني وبالتالي يقسم هذا المبحث إلى:
أولا: الرسوم
ثانيا : الضرائب
ثالثا: الآثار الاقتصادية للضرائب
المطلب الاول الرسوم:
تعتبر الرسوم من الإيرادات العامة التي تدخل خزانة الدولة بصفة تكاد تكون دورية ومنتظمة، والتي تستخدم حصيلتها في تمويل النشاط المالي وتحقيق المنافع العامة، وتحصل الدولة على إيراداتها من الرسوم كمقابل للخدمات التي تؤديها مرافقها العامة للأفراد من خلال النشاط العام الذي خلف المرفق العام أصلا من أجل القيام به.
الفرع الاول: تعريف الرسم:
الرسم هو عبارة عن مبلغ من النقود يدفعه الفرد جبرا إلى الدولة مقابل انتفاعه بخدمة معينة تؤديها له بترتب عليها نفع خاص له إلى جانب نفع عام.
يتضح من هذا التعريف أن الرسم يتميز بأربع خصائص هامة وهي:
1- الرسم مبلغ نقدي يدفعه الفرد مقابل الحصول على خدمة خاصة من نشاط إحدى إدارات أو مرافق الدولة، واشتراط الصورة النقدية للرسم جاء ليساير التطور الحديث في مالية الدولة من حيث اتخاذ نفقاتها وإيراداتها الصورة النقدية.
2- الرسم يدفع جبرا من الأفراد للدولة: فالرسم يدفع جبرا بواسطة الفرد مقابل الحصول على الخدمة الخاصة التي يتلقاها من جانب إحدى الإدارات والمرافق العامة، وتفرض الرسوم بقواعد قانونية لها صفة الإلزام تجبر الفرد على دفعها إذا ما تقوم بطلب لأحدى الإدارات والهيئات العامة، وتحدد قيمة الرسوم بمقتضى هذه القواعد القانونية، معيرا عن إرادة الدولة، ولا سبيل أمام الفرد إلا الخضوع لمضمون تلك الإرادة.
ويمكن التفرقة فيما يتعلق بعنصر الجبر أو الإكراه، بين الإكراه القانوني والإكراه المعنوي، ويقصد بالأول حالة ما إذا كان الفرد مجبرا قانونا على تلقي خدمة معينة ودفع الرسم المفروض على أدائها كما في حالة رسوم التعليم الإجباري بالنسبة للمرحلة الأولى من مراحل التعليم ورسوم التطعيم الإجباري، لكن الغالب أن يكون الإكراه معنويا أي أن الفرد يطلب من تلقاء ذاته خدمة معينة تقدمها الدولة دون أن يلزمه القانون بهذا ومن الأمثلة على ذلك، حالة دفع الرسم المقرر على استخراج رخصة القيادة أو الحصول على جواز السفر أو تأشيرة دخول إحدى الدول، فالجبر أو الإكراه المقصور هنا إنما يعني إلزام الفرد يدفع الرسم المقرر للخدمة معينة في حالة الاستفادة منها أي الانتفاع بها.
3- عنصر المقابل في دفع الرسم: فالرسم يدفعه الفرد مقابل خدمة خاصة يحصل عليها من جانب الدولة، وقد تكون هذه الخدمة عمل تتولاه إحدى الهيئات العامة لصالح الفرد كالفصل في المنازعات (الرسوم القضائية)أو توثيق العقود وشهرها (رسوم التوثيق)، أو استعمال الفرد لبعض المرافق العامة استعمالا يترتب عليه في الغالب تيسير مباشرة مهنته كاستعمال الموانئ والمطارات (رسوم الموانئ) و بعض الطرق العامة البرية والنهرية (رسوم الطرق).
4- تحقيق النفع الخاص إلى جانب النفع العام: ويعني ذلك أن الغرد الذي يدفع الرسم إنما يحصل على نفع خاص به لا يشاركه فيه غيره من الأفراد يتمثل في الخدمة المعينة التي تؤديها له الهيئات العامة في الدولة، كما أنه يعني أن هذه الخدمة تمثل إلى جانب النفع الخاص نفعا عاما يعود على المجتمع ككل أو على الاقتصاد القومي في مجموعة، فالرسوم القضائية التي يدفعها المتقاضون مقابل الحصول على خدمة مرفق القضاء يترتب عليها تحقيق نفع خاص يتمثل في حصول كل منهم على حقه وضمان عدم منازعة أحد فيه بعد ذلك، وفي آن واحد يستفيد المجتمع من نشاط القضاء الذي يعطي الحقوق لا صحابها ويضمن لهم الطمأنينة والأمن والاستقرار وهذا نفع عام كما هو واضح.
الفرع الثاني: تقدير الرسم:
تستقل الدولة بتحديد قيمة الرسم الواجب دفعه على بعض أوجه النشاط العام، والواقع يشير إلى أنه ليس من السهل تحديد قاعدة عامة تلتزمها الدولة وهي بصدد تقدير الرسم، بل هناك أكثر من قاعدة تدخل في الاعتبار عند إجراء هذا التقدير، حيث يعتبر الرسم المفروض نتيجة تفاعل هذه القواعد كلها، ويمكن إجمال القواعد الرئيسية في ثلاثة قواعد أساسية:
القاعدة الأولى: تأخذ بعين الاعتبار التناسب بين نفقة الخدمة المؤذاة وبين الرسم المقابل لها، ولا يستلزم أن يتحقق هذا التناسب بالنسبة إلى كل فرد يستفيد من الخدمة على حدة، بل يكفي أن تتناسب تكاليف المرفق القائم بالخدمة مع حصيلة الرسوم المفروضة على الانتفاع بها، وتستند هذه القاعدة إلى أن الغرض الأساسي من إنشاء المرافق العامة ليس تحقيق الربح ومن ثم فإنه لا يتحتم أ، يترتب على مباشرة هذه المرافق لنشاطها أن تزيد إيراداتها عن نفقاتها.
والقاعدة الثانية: هي جعل مبلغ الرسم أقل من نفقة إنتاج الخدمة المقابلة له وذلك بالنسبة إلى خدمات معينة كالتعليم العام والجامعي والخدمات الصحية، وتستند هذه القاعدة إما إلى أن مثل هذه الخدمات يترتب عليها نفع عام يعود على المجتمع إلى جانب النفع الخاص الذي يعود على دافع الرسم ومن ثم فإن قواعد العدالة تقضي توزيع نفقات المرافق القائمة بأداء هذه الخدمات بين الأفراد المنتفعين بها عن طريق دفع الرسوم وبين المجتمع ككل عن طريق فرض الضرائب بأنواعها المختلفة، وإما الرغبة في تشجيع الأفراد على طلب مثل هذه الخدمات لضرورتها أو لنفعها وذلك عن طريق عدم تحصيل مبالغ كبيرة في صورة رسوم قد تقف عقبة في سبيل طلب الأفراد لها كما هي الحال بالنسبة إلى بعض الخدمات الصحية، وفي بعض الحالات تقرر السلطة العامة عدم تحصيل الرسوم إطلاقا عن الخدمة المؤذاة كما هي الحال بالنسبة إلى التطعيم ضد بعض الأمراض.
و القاعدة الثالثة: و هي التي يكون مبلغ الرسم أكبر من نفقة الخدمة المقابلة له و ذلك بالنسبة إلى خدمات محددة (بعينها)، و تستند هذه القاعدة إما إلى الرغبة في التقليل من إقبال الأفراد على طلب الخدمة موضوع الرسم كما هو الحال بالنسبة إلى رسوم الاستحمام في بعض الشواطئ المعينة، و إما إلى الرغبة في الحصول على إيرادات للخزانة العامة كرسوم التوثيق و الشهر إذا زادت عن نفقة المرفق القائم بأداء هذه الخدمة زيادة ملموسة.
إلا أن هذه القواعد كلها لا تمنع من أنه يمكن القول بصفة عامة، أن الغرض الأساسي من اقتضاء الرسوم مقابل خدمات بعض المرافق العامة هو غرض مالي، فهدف الدولة من فرض الرسم هو الحصول على إيرادات للخزانة العامة تسد بها جزءا من النفقات العامة، و يتفق أغلب علماء المالية العامة على أنه في حالة زيادة مبلغ الرسم عن نفقة الخدمة المقابلة له، فإن هذا الجزء الزائد يعتبر في الواقع ضريبة مستترة أو مقنعة.
الفرع الثالث: أساس فرض الرسم:
يترتب على الطابع الإجباري للرسوم ضرورة وضع أساس تستمد منه الدولة سلطتها في تقرير الرسوم ضمانا لسلامة مالية الدولة والمواطنين، و قد استتبع هذا في الدول ذات الدساتير الديمقراطية وجوب موافقة السلطة التشريعية (البرلمان أو غيره من المجالس النيابية) على فرض الرسوم، ونظرا لتعدد أنواع الرسوم و تنوع القواعد التي تتبع في تقديريها، فإن السلطة التنفيذية تكون هي الأقدر على إجراء هذا التقدير، و من ثم تكفي القرارات الإدراية في فرض الرسوم، لكن يتعين دائما أن تستند هذه القرارات إلى قوانين تخول لها هذا الفرض، وذلك ضمانا لعدم إساءة استعمال الحق والحيلولة دون مغالاة الإدارة، و إلا كانت القرارات باطلة من الناحية الدستورية. و غالبا ما يتضمن القانون الصادر يقرض الرسوم أو بإجازة فرضها بواسطة السلطة التنفيذية إعفاء طوائف معينة من المواطنين، من ذوي الدخول المنخفضة، من دفع هذه الرسوم أو تخفيضها بالنسبة إليهم، و في هذه الحالة يحدد القانون الشروط الواجب توافرها في الشخص حتى يتسع بهذه الميزة.
المطلب الثاني: التفرقة بين الرسم و بعض الإيرادات العامة الأخرى:
الفرع الاول: الرسم و الثمن العام:
- يتشابه الرسم مع الثمن العام في أن كلا منهما يدفع في سبيل حصول الفرد على نفع خاص له يتمثل في الخدمة التي يقدمها المرفق العام في حالة الرسم و في الحصول على سلعة أو خدمة معينة من منتجات المشروعات العامة الصناعية و التجارية، كما يتشابهان في أن كلا منهما قد يكون مساويا لتكاليف الخدمة المستهلكة أو أكبر أو أقل منها و أن الاعتبارات التي تدعو الدولة إلى جعل الرسم أكبر أو أقل من نفقة الخدمة المؤذاة هي ذاتها التي تدفعها إلى جعل ثمن منتجات الدومين الصناعي و التجاري أكبر أو أقل من نفقة إنتاجها. و يتشابه الرسم مع الثمن العام أخيرا في أن كلا منهما يتضمن ضريبة مستترة أو مقنعة في حالة زيادة كبيرة عن تكلفة الخدمة أو السلعة المقابلة.
- أما أوجه الاختلاف بين الثمن العام و الرسم: هنا أوجه متعددة نذكر منها:
• طبيعة المقابل: فالثمن العام يدفع مقابل النفع الخاص الذي يحصل عليه الفرد من السلعة التي تبيعها له المشروعات العامة الصناعية و التجارية، بينما يدفع الرسم مقابل نفع خاص مقترن بالنفع العام الذي يؤديه المرفق للمجتمع ككل.
• يتحدد الرسم بناء على القانون أو القرار الإداري، و بالتالي فإن السلطة العامة هي التي تستقل بتحديد قيمة دون تدخل من جانب الأفراد، أما الثمن العام فإنه يتحدد وفقا لقوانين العرض والطلب في ظل قيام المنافسة الكاملة بين مشروعات الدولة و مشروعات الأفراد الصناعية و التجارية، أو طبقا لقوانين الاحتكارات و قواعدها إذا ما تعلق الأمر بوجود حالة من حالات الاحتكار المالي للدولة.
• يدفع الرسم جبرا عن الأفراد عن الأفراد، بينما يدفع الثمن العام اختيارا بواسطة مشتري السلعة التي ينتجها المشروع الصناعي أو يتجر فيها المشروع التجاري و لا تتمتع الدولة في سبيل اقتضائه بحق امتياز على أموال المشتري.
• تناقص أهمية الرسوم كمصدر للإيرادات العامة، و العكس بالنسبة للثمن العام الذي تتزايد أهميته نظرا للاتجاه الحديث في الدول المختلفة إلى التدخل في الحياة الاقتصادية و إنشاء الكثير من المشروعات الصناعية و التجارية التي كانت من قبل وفقا على النشاط الخاص.
الفرع الثاني: الرسم و مقابل التحسين أو الإتاوة:
تعرف الأتاوة بأنها عبارة عن مبلغ من المال تفرضه الدولة جبرا على ملاك العقارات بنسبة المنفعة العامة التي عادت عليهم من وراء قيامها ببعض الأشغال العامة، و من أمثلة هذه الأعمال: شق الطرق و تعبيدها، و توصيل الكهرباء، أو حفر القنوات و المصارف المسهلة لري وصرف الأراضي الزراعية..الخ.
تتشابه الأتاوة إلى حد كبير مع الرسم مما أدى بالبعض إلى النظر إليها على أنها نوع من الرسوم، و مع ذلك فإن الأوجه التي يختلفان فيها كثيرة و على جانب كبير من الأهمية، فدرجة الإجبار تختلف في الأتاوة عنها في الرسم، فقي حالة الإثارة نجد أنه لا مفر للمالك العقاري من دفعها طالما أن عقاره قد استفاد من أشغال عامة، أما في الرسم فإنه يمكن عدم دفع المقابل النقدي فيه بالامتناع عن الاستفادة من الخدمة التي قرر هذا الرسم في مقابلها في الحالات التي لا يتحقق فيها الإكراه القانوني.
- ومن جهة أخرى فإن الأثاروة تقوم يدفعها فئة معينة من الأشخاص، وهم الملاك العقاريون لعقارات زادت قيمتها نتيجة لأعمال عامة، أما الرسم يدفع مقابلة أي شخص أراد الانتفاع من خدمات معينة. ويقصد بالأثاوة عادة تغطية بعض نفقات المشروعات المترتبة على الأعمال العامة أو ما يتبقى من هذه النفقات، أما صيانة تلك المشروعات وما تحتاجه من نفقات دورية فإنها تغطى من حصيلة الضرائب، ويرجع هذا إلى أن الملاك العقاريين ليسوا المنتفعين بهذه المشروعات السابقة وحدهم.
- والأثاوة لا تدفع إلا مرة واحدة، أما الرسم فيدفعه المستفيد في كل مرة يحصل فيها على الخدمة.
الفرع الثالث: دور الرسوم في المالية العامة الحديثة:
كان للرسوم فيما مضى وخاصة في القرون الوسطى والعصور التي تلتها دور كبير في المالية العامة جهلها أكثر موارد الدولة بعد الدومين الناتج أساسا من ريم أملاك الدولة الخاصة وذلك لكون الرسوم وبأنواعها لم تكن تتطلب موافقة النواب المكلفين بها (ممثلي الشعب) كما في الضرائب مما جعل الدول تفضل اللجوء إليها، غير أن التطور أدى إلى تغير مفهوم قيام الدولة بالتدخل لتحقيق الصالح العام، فأصبحت تؤدي دورها بناء على مسؤوليتها عن إشباع الحاجات العامة في مختلف المجالات دون أن يقترن هذا الدور بفرض الرسوم على خدمات الدولة وتمول هذه الخدمات العامة من الميزانية العامة.
وكنتيجة لما سبق، فقد تضاءلت أهمية الرسوم كمورد مالي في مالية الدول الحديثة، مما أدى إلى اتجاه معظم البلدان إلى الحد منها بإلغائها أو تحويلها إلى ضرائب يرفع سعرها ويرجع ذلك إلى انتشار فكرة مجانية الخدمات التي تقدم بها الدولة وهو ما أدى إلى اللجوء لسد تكاليفها إلى الاستعانة بالضرائب التي احتكت المقام الأول بين موارد الدولة. بالإضافة إلى أ، المبدأ الحديث الذي يقضي بضرورة موافقة البرلمان على فرض الرسوم قد سلب من الرسم ما كان له من ميزة في سهولة الالتجاء إلية عن الضريبة.
المبحث الرابع: الضرائب:
تمثل الضرائب في العصر الحديث أهم أنواع الإيرادات العامة التي تعتمد عليها الدولة لتغطية نفقاتها العامة، وتجبر الدولة الأفراد بالمساهمة في إعيائها العامة عن طريق فرض الضرائب عليهم وفقا لنظام فني معين يقوم على مجموعة من القواعد والمبادئ التي تحكم سلوك الدولة والتزام الأفراد بأداء الضريبة، وترجع أهمية الضرائب إلى الدور الذي تلعبه في تحقيق أهداف السياسة المالية، ولما تثيره من مشكلات فنية واقتصادية، وما ينتج عنها من آثار اقتصادية واجتماعية. لذلك فإن دراسة الضرائب تتناول جوانب متعددة ومتشعبة ينبغي الإلمام بها جميعا لاكتمال الإحاطة بهذا الفرع من المعرفة، غير أن ذلك يجاوز آفاق هذه الدروس المحدودة والمقتصرة على بعض الموضوعات الجوهرية دون غيرها.
المطلب الاول: ماهية الضريبة وخصائصها:
الفرع الاول: تعريف الضريبة: هي عبارة عن فريضة نقدية يدفعها الفرد جبرا إلى الدولة أو لإحدى الهيئات العامة المحلية بصفة نهائية منه في تحمل التكاليف والأعباء العامة دون أن يعود عليه نفع خاص مقابل دفع الضريبة.
المطلبالثاني: خصائص الضريبة: ومن التعريف أعلاه يتضح أن الضريبة تتميز بالخصائص التالية:
الفرع الاول: الضريبة فريضة نقدية: تدفع الضريبة في العصر الحديث في صورة نقود تمشيا مع مقتضيات النظام الاقتصادي ككل، لكون أن المعاملات كلها أصبحت تقوم على استخدام النقود، سواء في القطاعات العامة أو الخاصة، وبما أن النفقات العامة تتم في صورة نقدية، فإن الإيرادات بما في ذلك الضرائب لابد وأن تحصل كذلك بالنقود.
الفرع الثاني: الضريبة تدفع جبرا: ويعني ذلك أن الفرد ليس حرا في دفع الضريبة بل هو مجبر على دفعها إلى الدولة، والجبر هنا قانون لا معنوي، بالنظر إلى أن قانون الضريبة هو تعبير عن القوة الإلزامية للقاعدة القانونية التي تفرض على الممول النزول أو الخضوع لها من كافة زواياها، ويبدو عنصر الإكراه في الضريبة واضحا من استقلال الدولة بوضع نظامها القانوني من حيث تحديد وعائها وسعرها وكيفية تحصيلها، دون أن ترجع في ذلك إلى الأفراد المكلفين يدفعها.
الفرع الثلث: الضريبة تدفع بصفة نهائية: ويقصد بهذه الخاصية أن الفرد الذي يلتزم يدفع الضريبة، إنما يدفعها للدولة بصفة نهائية، فلا تلتزم الدولة يرد قيمتها إليه بعد ذلك.
الفرع الرابع: الضريبة تدفع بدون مقابل: وتعني هذه الخصية أن الممول دافع هذه الضريبة لا يتمتع بمقابل مباشرا وبمنفعة خاصة من جانب الدولة حين دفعه لها، وأن كان هذا لا ينفي أن الفرد قد يستفيد من الخدمات التي تقدمها الدولة بواسطة المرافق العامة المختلفة باعتباره فردا في الجماعة، وليس باعتباره ممولا للضرائب.
الفرع الخامس: الضريبة تمكن الدولة من تحقيق نفع عام: أن الدولة لا تلزم بتقديم خدمة معينة أو نفع خاص إلى المكلف بدفع الضريبة، بل أنها تحصل على حصيلة الضرائب لتمويل نفقاتها العامة في مختلف القطاعات: كالصحة، التعليم، الأمن، القضاء، السياسة، الاقتصاد، الاجتماع..... الخ محققة بذلك منافع عامة للمجتمع، بالإضافة إلى ذلك فقد أصبحت الضريبة تستخدم لتحقيق أغراض اقتصادية واجتماعية، مثل استخدام الضريبة التصاعدية كوسيلة لإعادة توزيع الدخل والحد من التفاوت بين الطبقات، كما تفرض الضريبة الجمركية على الواردات لحماية الصناعية الوطنية، وقد تفرض الضرائب للحد من الاستهلاك وتشجيع الادخار لتعبئة الفائض لإغراض التنمية الاقتصادية.
المطلب الثالث: مقارنة بين الضريبة والرسم:
الفرع الاول: أوجه الشبه: يتشابه الرسم والضريبة في أن كلا منهما:
1- مبلغ من النقود يدفع الفرد جبرا.
2- كلا منهما يدفع للدولة بصفة نهائية، وتستعين بحصيلتها لتغطية النفقات العامة.
3- تتمتع الدولة في سبيل إقتصائهما بامتياز على أموال المدين، ولا يد من صدور أداة تشريعية يفرض كل منهما.
الفرع الثاني:أوجه الاختلاف ورغم وجوه التشابه هذه فإنه توجد اختلافات كبيرة بين الرسم والضريبة نذكر منها:
1)- تدفع الضريبة دون مقابل خدمة معينة خاصة يدافعها، بينما الرسم يدفع في مقابل حصول الفرد على خدمة معينة.
2)- تفرض الضريبة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية شتى إلى جانب الغرض المالي، أما الرسم فهدفه الأساسي حصول الدولة على إيراد مالي للخزانة العامة.
3)- تفرض الضريبة ويحدد سعرها بقانون خاص، لكن الرسم يفرض بقانون ويترك للسلطة التنفيذية تحديد سعره.
4)- تفرض الضريبة على أساس الطاقة المالية للفرد ومدى قدرته على تحمل الأعباء العامة، أما الرسم يفرض على أساس تغطيته نفقات المرفق الذي يقدم النفع الخاص إلى دافع الرسم.
5)- تزايد أهمية الضرائب كمورد للإيرادات العامة في العصر الحديث وتضاؤل أهمية الرسوم كمورد مالي.
المطلب الرابع:: أساس الضريبة: ( المصدر الذي تستمد منه الدولة سلطتها في فرض وجباية الضرائب) ما هو الأساس القانوني الذي تستند إليه الدولة في فرض الضريبة ؟
أن معرفة الأساس القانوني لفرض الضريبة يعتبر من الأهمية بمكان لكونه يترتب عنه نتائج بالغة الأهمية فيما يتعلق بنظرتنا للضريبة كأداة مالية، ولقد سادت في القرنية الثامن عشر والتاسع عشر مجموعة من النظريات في تأسيس حق الدولة في فرض الضرائب تختلف عن تلك السائدة في العصر الحديث.
وتنظر المجموعة الأولى من النظريات – المعروفة بنظريات المنفعة والعقد_ إلى الضريبة يوصفها عقد مالي بين الفرد والدولة وتستند في ذلك على نظرية العقد الاجتماعي، ونظرية أخرى تنظر إلى الضريبة كأداة من أدوات ممارسة الدولة لسيادتها وتستند إلى فكرة التضامن الاجتماعي (أو القومي).
الفرع الاول: نظريات المنفعة والعقد: يعتمد أنصار هذه النظريات أن الفرد يدفع الضريبة إلى الدولة في مقابل المنفعة التي تعود عليه من خدمات المرافق العامة المختلفة، وأنه لولا انتفاعه بهذه الخدمات لما أصبح هناك سند لدفع الضريبة، ويؤيد هؤلاء المفكرون وجهة نظرهم بالقول أن الفرد يرتبط مع الدولة بعقد ضمني ذي طبيعة مالية مؤداه التزامه يدفع الضريبة نظير قيام الدولة بخدمات يترتب عليها نفع خاص له.
- وقد اختلف أنصار هذا الاتجاه في طبيعة العقد، فاعتبره البعض كآدم سميت عقد بيع خدمات، فالدولة تبيع خدماتها للأفراد مقابل التزامهم كمشترين يدفع ثمن هذه الخدمات في صورة ضرائب.
- وصور البعض الآخر مثل تيير Thiers العقد الضمني على أنه عقد شركة، فالدولة شركة إنتاج كبرى تتكون من شركاء، لكل منهم عمل معين يقوم به، ويتحمل في سبيل هذا نفقات خاصة، وإلى جانب هذه النفقات الخاصة نفقات عامة يقوم بها مجلس إدارة هذه الشركة، أي الحكومة، تعود منفعتها على جميع الشركاء، كالدفاع، وإنشاء الطرق، وإقامة المستشفيات......الخ، ومن ثم يتعين على الشركاء المساهمة في تمويلها، وتتمثل هذه المساهمة في الضرائب التي تفرضها الدولة عليهم.
- وأخيرا فقد تصور آخرون مثل مونتسكيو وجود عقد تأمين تقوم الدولة بمقتضاه بتأمين المواطنين عن مختلف الأخطار التي يتعرضون لها، مقابل سدادهم للضريبة باعتبارها قسط بأمين.
- ولقد تعرضت هذه الآراء القائمة على فكرة وجود عقد بين الدولة ومواطنيها للعديد من أوجه النقد: مثل صعوبة تقدير المنفعة التي تعود كل كل دافع ضرائب من خدمات الدولة خاصة الخدمات غير القابلة للتجزئة كالأمن الخارجي والأمن الداخلي والتمثيل السياسي...... الخ، إلى جانب كون الدولة لا تمثل مجموعة مشتركة من المصالح المادية بل تمثل المصالح المعنوية أيضا، ثم إن وظيفة الدولة لا تقتصر على حفظ الأمن فقط فهذا غير صحيح خاصة في العصر الحديث حيث تدخلت الدولة في مختلف نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومنه فإن التزام الدولة بتقديم خدماتها للأفراد ليس من طبيعة الالتزامات المبنية على العقد. ومن جهة أخرى فإن الواقع إن نظريات المنفعة والعقد المستندة على فكرة العقد، فضلا عن كون الفرد يلتزم بدفع الضريبة حتى لو لم يقم بأي دور في الموافقة على فرضها.
الفرع الثاني: نظرية التضامن الاجتماعي(أو القومي):
اتجه الفكر الحديث إلى تأسيس حق الدولة في فرض وجباية الضرائب على فكرة التضامن الاجتماعي الموجود بين كافة المواطنين في الدولة والتي تقضي بوجوب تضافر الأفراد جميعهم كل بحسب طاقته في مواجهة أعباء التكاليف العامة حتى تتمكن الدولة، باعتبارها ضرورة اجتماعية أعباء التكاليف العامة حتى تتمكن الدولة، باعتبارها ضرورة اجتماعية، عن القيام بوظائفها الكبرى في حماية المجتمع ككل، وفي توفير أنواع من الخدمات العامة لكافة المواطنين بدون استثناء وبعض النظر عن مدى مساهمتهم الفردية في تحمل هذه الأعباء العامة، وبما أنه من غير الممكن ترك الأمر إلى الأفراد لتقرير مقدار مساهمتهم في تحمل التكاليف العامة، فإن الدولة بمالها من سيادة قانونية على المواطنين تقوم بإلزام أو إجبار كل منهم بدفع نصيب بحسب درجة مقدرته المالية,
ويترتب على هذه النظرية عدة نتائج أساسية منها:
- إن الضريبة فكرة سيادية وأداة من أدوات ممارسة الدولة لسيادتها.
- تفرض الضريبة على كافة المواطنين ويتحقق بذلك مبدأ عمومية الضريبة.
- تفرض الضريبة على الأفراد بعض النظر عن النفع الذي يعود عليهم وإنما تبعا لمقدرة الفرد المالية.
- التضامن بين الأجيال المتعاقبة كأن تتحمل أجيال معينة بأعباء قروض عامة أنفقت لتحقيق منافع لأجيال سابقة عليها.
- التضامن بين الأجيال المتعاقبة كأن تتحمل أجيال معينة بأعباء قروض عامة أنفقت لتحقيق منافع لأجيال سابقة عليها.
-
المطلب الخامس:قواعد الضريبة:
يقصد بقواعد الضريبة: المبادئ التي يتعين على المشروع المالي أن يستر شد بها وهو بصدد تقرير النظام الضريبي في الدولة، وتهدف هذه القواعد إلى التوفيق بين مصلحة الممول ومصلحة الخزانة العامة، ويعتبر الاقتصادي آدم سميت أول من صاغ مجموعة متماسكة من القواعد الضريبية وهي: العدالة، اليقين، الملاءة والاقتصاد في النفقات، ولا تزال إلى الآن كمبادئ عامة صحيحة يحسن الاسترشاد بها في هذا المجال.
الفرع الاول": قاعدة العدالة:(أو المساواة):
وتعني هذه القاعدة أنه يجب عند فرض الضرائب على المواطنين مراعاة تحقيق العدالة في توزيع الأعباء العامة بين الأفراد.
وقد خضع مضمون هذه القاعدة في الواقع إلى تطور كبير تبعا للتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي حدث منذ أواخر القرن الثامن عشر.
وذهب علماء المالية العامة أول الأمر إلى تصور العدالة على أنها وجوب الأخذ بنسبة الضريبة، أي أن تكون النسبة المقتطعة من المادة الخاضعة للضريبة (دخلا أو ثروة)واحدة وذلك مهما بلغ مقدار هذه المادة.
أما في العصر الحديث فقد اتجه علماء المالية العامة إلى فكرة أخرى وهي: تصاعدية الضريبة رغبة في تحقيق عدالة أكثر بالتمييز بين الأفراد بحسب مقدرتهم التكليفية.
الفرع الثاني:قاعدة اليقين: ويقصد بها أن تكون الضريبة معلومة وواضحة بالنسبة للممول بشكل يقيني لا غموض فيه ولا تحكم، وذلك في كل ما يتعلق بها من أحكام كالسعر وطريقة تحديد الوعاء، وميعاد الوفاء وطريقة الدفع، وتؤدي مراعاة هذه القاعدة إلى علم الممول بالضبط بالتزامات قبل الدولة، ومن ثم يستطيع الدفاع عن حقوقه ضد أي تعسف أو سوء استعمال للسلطة من جانبها، وتستمد قاعدة اليمين أهميتها من قاعدة العدالة.
الفرع الثالث: قاعدة الملائمة في الدفع: وتعني هذه القاعدة أن تكون مواعيد جباية الضريبة وطريقة تحصيلها ملائمة لظروف الممول تفاديا لثقل عبء الضريبة عليه.
الفرع الرابع: قاعدة الاقتصاد في التحصيل: تقضي هذه القاعدة بأنه يجب على الدولة أن تختار طريقة الجباية التي تكلفها أقل النفقات، حتى يكون الفرق بين ما يدفع الممول وبين ما يدخل خزانة الدولة أقل ما يمكن، أي أن مراعاة مبدأ الاقتصاد في نفقات التحصيل هو الذي يضمن للضرائب فعاليتها كمورد هام تعتمد عليه الدولة دون أن تضيع جزءا كبيرا منه في سبيل الحصول عليه.
المطلب السادس: أهداف الضريبة:
فقي ظل الدولة الحارسة (التقليدية) اقتصر هدف الضريبة في الحصول على الأموال اللازمة لتمويل النفقات العامة، دون أن يكون لهذه الأموال غرض معين كتوجيه الاقتصاد أو الاستثمار مثلا بمعنى أن المالية العامة حيادية، ولتحقيق الغرض المالي يجب توافر عدة شروط تتلخص في: الإنتاجية- الثبات-المرونة والحياد.
الفرع الاول : الضريبةالإنتاجية: هي أن تأتي الضريبة بأكبر حصيلة صافية (أي بعد خصم نفقات التحصيل من الإيرادات).
الفرع الثاني:الضريبة الثابتة: هي تلك التي لا تتأثر حصيلتها بالتغيرات التي تحدث في مستوى النشاط الاقتصادي، خاصة في فترات الكساد.
الفرع الثالث: الضريبة المرنة: هي التي لا يؤدي زيادة سعرها إلى انكماش وعائها، فتزيد حصيلتها نتيجة لزيادة سعرها.
الفرع الرابع : الضريبةالحياد: هو أن يكون غرض الضريبة مقتصرا على الغرض المالي البحث دون أن تؤثر على الأفراد أو الممولين ودون التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
- عند المحدثين: الضريبة الوظيفية:
أصبحت الدولة في العصر الحديث تتدخل في الحياة الاقتصادية وبالتالي أصبح للضريبة إلى جانب الغرض المالي، أغراضا اجتماعية واقتصادية وسياسية.
*ومن الأغراض الاجتماعية للضريبة ما يلي:
- تشجيع النسل أو الحد منه، إعادة توزيع الدخل والثروة بهدف تقليل الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، تشجيع استهلاك السلم المرغوب فيها اجتماعيا، أو محاربة استهلاك بعض السلم الضارة...... الخ.
*أما الأغراض الاقتصادية التي يمكن للدولة تحقيقها باستخدام الضرائب منها:
- تشجيع أو محاربة بعض أشكال المشروعات عن طريق التمييز في المعاملة الضريبية، تشجيع الادخار والتكوين الرأسمالي عن طريق تقرير بعض الإعفاءات تبعا لنوع السلعة، حماية الإنتاج الوطني ومعالجة العجز في ميزان المدفوعات، التخفيف من حدة التقلبات الاقتصادية عن طريق السياسة الضريبية........ الخ.
أما أغراض الضريبية في البلدان النامية فتتحدد، يشكل رئيسي في تعبئة الموارد الاقتصادية وتوجيهها لخدمة أهداف التنمية الاقتصادية.
كما تستخدم الضرائب لتحقيق أهداف سياسية لحساب طبقة على حساب طبقة أخرى، أو لتسهيل التجارة مع بعض البلدان أو للحد منها بواسطة رفع أو خفض الضرائب الجمركية على الواردات.
المطلب السابع: التنظيم الفني للضرائب:
يقصد بالتنظيم الفني للضرائب الإجراءات الفنية المتعلقة بفرض الضرائب وتحصيلها، وبالتالي فهو ينصرف إلى تحديد العناصر الخاضعة للضريبة والتي تشكل وعاءها، وتقدير قيمة هذه العناصر أي تحديد الوعاء إلى ربط الضريبة وتحصيلها.
الفرع الاول: وعاء الضريبة: ويقصد بوعاء الضريبة المادة الخاضعة للضريبة أو الموضوع الذي تفرض عليه الضريبة، وعند تحديد الوعاء يجب التمييز بين:
أ- الضرائب على الأشخاص والضرائب على الأموال.
ب-الضريبة الواحدة والضرائب المتعددة.
ج-الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة.
أ-الضرائب على الأشخاص والضرائب على الأموال:
ويقصد بالضرائب على الأشخاص، تلك الضرائب التي تتخذ من الوجود الآدمي أو الإنساني للفرد داخل الدولة محلا لفرض الضريبة، وقد عرض التاريخ المالي للعديد من المجتمعات أنواعا كثيرة من هذه الضرائب، ومن الأمثلة على ذلك، الضرائب الغردة أو ضريبة الرؤوس وهي تنقسم إلى نوعين أساسيين: الأولى: ضرائب الفرده البسيطة أو الموحدة وهي التي كانت تفرض بسعر واحد (مبلغ معين) على جميع الأشخاص دون النظر إلى الثروات التي يملكونها أو الدخول التي يحققونها، والثانية ضرائب الغردة المدرجة وهي تفرض بأسعار متعددة تبعا لتعدد الطبقات ولقد انتشر استخدام ضريبة الرؤوس منذ العصور القديمة عند العرب والرومان وحتى أواخر القرن التاسع عشر وذلك لسهولة إداراتها وتحصيلها، إلا أنها كانت تتميز بعدم عدالتها لكونها نفرض دون اعتداد بالمقدرة التكليفية للأفراد، بالإضافة إلى أنها تتنافي مع اعتبارات الكرامة الإنسانية، وهذا ما يفسر اختفاءها من النظم المالية للمجتمعات الحديثة, لتحل محلها الضرائب على الأموال باعتبار الأموال أكثر ترجمة للمقدرة التكليفية للمكلفين.
-أما الضريبة على الأموال، فيكون المال ذات، سواء ثروة أو دخلا أو مظهرا من مظاهر الغنى هو المادة الخاضعة للضريبة أو وعاؤها.
وبذلك أصبحت الأموال في المجتمعات المعاصرة هي أساس فرض الضريبة.
ب-الضريبة الواحدة والضرائب المتعددة:
يقصد بنظام الضريبة الواحدة أن تعتمد الدولة في إيراداتها على ضريبة واحدة، إذ تقوم الدولة بفرض ضريبة رئيسية تمثل الأهمية النسبية الكبرى لحصيلة إيراداتها بالضريبة المفروضة على ناتج الأرض أو الثروة. وقديما نادى الطبيعيين (الفيزيوقراط) خلال القرن الثامن عشر يفرض ضريبة واحدة على الناتج الصافي من الزراعية، باعتبار الأرض هي المصدر الوحيد للثروات.
وفي مرحلة لاحقة خلال القرن التاسع عشر، كتب الاقتصادي الأمريكي هنري جورج كتابه عن الفقر والتقدم على 1879 نادى فيه بفكرة الضريبة الواحدة وحبذ أن يكون الريم العقاري وعاء لها.
أما نظام الضرائب المتعددة وهو ما تأخذ به النظم الضريبية الحديثة فهو يقوم على تنوع الضريبة وتعدد الأوعية الضريبية بحيث يضم الوعاء الضريبي كل أوجه النشاط الاقتصادي مثل خلق الدخول وتوزيعها واستخدامها وتكوين الثروات وتداولها، ومن أمثلة الضرائب التي يتكون منها النظام الضريبي الحديث: الضرائب على كل من: دخول الأفراد، دخول الأعمال، الإنفاق، الإنتاج، المبيعات، الرسوم الجمركية، والضرائب على خدمات بعض السلم الرأسمالية...... الخ.
ويعتبر نظام الضرائب المتعددة أكبر عدالة من نظام الضريبة الواحدة، وبالتالي فهو النظام الأقدر على تحقيق الأهداف المتعددة للسياسة المالية.
ح- الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة:
يمكن رد كافة الضرائب الموجودة في النظم الضريبية المقارنة إلى قسمين رئيسيين هما: الضرائب المباشرة، والضرائب غير المباشرة، ويكاد السراح في هذا المجال يجمعون على اعتبار الضرائب على الدخول وراس المال من الضرائب المباشرة، والضرائب على الإنفاق (أو الاستهلاك) والتداول من الضرائب غير المباشرة، ورغم هذه التفرقة الشائعة بين علماء المالية العامة، فإنه لا يوجد حتى الآن معيار دقيق ومنضبط يكفى وحده للتمييز بين هذين النوعين من الضرائب، ومع ذلك يقترح الفكر المالي مجموعة من المعايير تساعد على التمييز بين الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
- المعيار الإداري: ويعتمد هذا المعيار في التفرقة بين نوعي الضرائب على طريقة التحصيل وأسلوب الاتصال بين الممول والإدارة المالية عند دفع الضريبة، أي يمكن اعتبار الضريبة مباشرة إذا كانت تحصل بمقتضى جداول اسمية يدون فيها اسم الممول ومقدار المادة الخاضعة للضريبة والمبلغ الواجب تحصيله، وتعتبر الضريبة غير مباشرة إذا لم تحصل الضريبة مباشرة من الممول.
- معيار نقل عبء الضريبة: أو معيار الرجعية:
وحسب هذا المعيار فإن الضريبة تعتبر مباشرة إذا تحمل بعبئها من يقوم بدفعها إلى الخزانة العامة وتعتبر غير مباشرة إذا ما كان المكلف بدفعها يستطيع نقل عبئها إلى شخص آخر (كالمستورد الذي ينقل عبء الضرائب الجمركية لمشتري السلعة).
- معيار ثبات المادة الخاضعة للضريبة:
تعتبر الضريبة مباشرة حسب هذا المعيار إذا كانت مفروضة على مادة تتميز بالثبات والاستمرار النسبيين كالضريبة العقارية المفروضة على الملكية والضريبة غير مباشرة إذا كانت مفروضة على وقائع أو تصرفات عرضية تتميز بالتقطع وعدم الثبات كعمليات تصدير السلم أو استيرادها، وعمليات التداول أ, نقل الملكية..... الخ وهي مجرد وقائع عرضية تفرض الضريبة غير المباشرة لمجرد حدوثها.
الفرع الثاني: مقارنة بين الضرائب المباشرة والضرائب غير المباشرة:
لكل من الضرائب المباشرة وغير المباشرة مزايا وعيوب نذكر أهمها فيما يلي:
1)- تتميز الضرائب المباشرة بثبات حصيلتها نسبيا كلونها تفرض على الثروات والدخول وهي تتصق باستقرار نسبي وذلك بعكس الضرائب غير المباشرة التي تفرض على أفعال وتصرفات متقطعة قد يقوم بها الأفراد وقد لا يقومون بها.
2)- تعتبر الضرائب المباشرة أكثر تحقيقا للعدالة من الضرائب غير المباشرة لأنها تفرض على رأس المال والدخل وهي عناصر واضحة الدلالة على مقدرة الممول التكليفية، وتدريج سعرها حسب هذه المقدرة، بينما لا يمكن ذلك في الضرائب غير المباشرة لأن الممول فيها معروف للإدارة المالية.
3)- تتميز الضرائب المباشرة بإمكانية تطبيق قاعدة الملاءمة عليها نظر المعرفة الإدارة المالية للمكلفين بدفعها شخصيا، بينما الممول في الضرائب غير المباشرة مجهول عن الإدارة المالية وبالتالي لا يمكن تحقيق مبدأ الملاءمة.
4)- الوعي الضريبي إذ يشعر الممولون يدفع الضرائب المباشرة بمدى التضحية التي يقومون بها نحو الدولة، في حين تتميز الضرائب غير المباشرة بعدم شعور الأفراد بعبئها لأنها تدفع بواسطة المنتجين والمستوردين ثم يتحملها المستهلك.
5)- تتميز الضرائب غير المباشرة نظرا لمرونتها بازدياد حصيلتها تلقائيا في أوقات الرخاء نظرا لازدياد النشاط الإنتاجي والاستهلاكي وتداول الأموال بين الأفراد دون الحاجة إلى رفع سعرها، أما الضرائب المباشرة فهي اقل مرونة من الضرائب غير المباشرة.
6)- تستخدم الضرائب المباشرة أحيانا لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية متعددة كتشجيع النسل أو تقييده، وتخفيف حدة التفاوت في مستويات الدخول وتشجيع بعض فروع الإنتاج الصناعي..... الخ كما تستخدم الضرائب غير المباشرة لتحقيق أغراض اجتماعية متنوعة أهمها مكافحة استهلاك بعض السلم الضارة كالمواد التحويلية.
وبشكل عام يمكن القوم أن كلا النوعين يكملان بعضيهما و يحققان بوجود هما معا نظاما للضرائب أفضل من نظام يعتمد يعتمد على أحدهما فقط وهذا هو ما تسير عليه فعلا كافة التشريعات الضريبية، بحيث أن مزايا الضرائب المباشرة تصحيح عيوب الضرائب غير المباشرة والعكس صحيح.
الفرع الثالث: طرق تقدير الوعاء الضريبي:
إن تحديد مقدار الضريبة يتطلب الوصول إلى تقدير حقيقي للمادة الخاضعة للضريبة، ويميز في هذا المجال طريقتين أساسيتين لتقدير وعاء الضريبة: الطريقة غير المباشرة والطريقة المباشرة.
أ-الطريقة غير المباشرة: وهذه تعتمد إما على طريقة المظاهر الخارجية أو طريقة التقدير الجزافي.
1-طريقة المظاهر الخارجية: وطبقا لها يتم تقديم قيمة المادة الخاضعة للضريبة بالاعتماد على بعض العلامات و المظاهر الخارجية المعبرة عن ثروة الممول مثل عدد الخدم، إيجار المنزل، عدد السيارات... الخ. بالرغم من وضوح وبساطة هذه الطريقة إلا أنها قد لا تعبر عن القدرة التكليفية للأشخاص.
2-طريقة التقدير الجزافي: تقدر قيمة المادة الخاضعة للضريبة تقديرا جزافيا على أساس الاعتماد على بعض الدلائل أو القرائن التي يحددها المشرع الضريبي المعبرة على مقدار دخل المكلف كقيمة إيجار المصنع وعدد العمال، وهذه الطريقة لا تعبر عن المقدرة الحقيقية للممول.
ب- الطريقة المباشرة: وهي تعتمد على طريقة الإقرار أو على طريقة التحديد الإداري.
1- أسلوب الإقرار: يجر المكلفة بأداء الضريبة بتقدير إقرار يبين فيه مقدار وعاء الضريبة بصورة مفصلة، وتقوم الإدارة المالية بالتأكد من صحة ما يحتويه الإقرار من المعلومات بالإطلاع على سجلات المكلف، ودفاتره التجارية أو أية أوراق أخرى تمكن من الوصول إلى الحقيقة وتفاديا لأي غش.
2- أسلوب التحديد الإداري المباشر: تتبع الإدارة المالية هذه الطريقة لتحديد وعاء الضريبة في حالة امتناع الممول تقديم الإقرار المطلوب منه في الوقت المحدد وبذلك يصبح للإدارة المالية الحرية الواسعة في التقدير وهي لا تلجأ إلى هذه الطريقة إلا في الحالات الاستثنائية (في حالة عدم تقديم الإقرار).
الفرع الرابع:سعر الضريبة:
يقصد بسعر الضريبة النسبة بين مقدار مبلغ الضريبة ومقدار المادة الخاضعة لها، وقد يترك المشرع سعر الضريبة دون تحديد مكتفيا بتحديد المبلغ الإجمالي الواجب تحصيله كضريبة، وأن كان في الغالب يحدد سعر الضريبة في بادئ الأمر، وتكون الضريبة في الحالة الأولى توزيعية، وفي الحالة الثانية تكون الضريبة قياسية أو تحديدية وبالنسبة للضريبة القياسية قد يكون السعر نسبيا لا يتغير مهما تغير مقدار المادة الخاضعة للضريبة، وقد يكون هذا السعر تصاعديا يتغير بالزيادة كلما ازدادت قيمة المادة الخاضعة للضريبة، وتكون الضريبة نسبية في الحالة الأولى وتكون الضريبة تصاعدية في الحالة الثانية.
أ-الضريبة التوزيعية: فقي ظل نظام الضرائب التوزيعية يقوم المشروع بتحديد مبلغ الحصيلة الإجمالية الواجب الحصول عليها من الممولين، ثم يقوم بتوزيع هذه الحصيلة على الأفراد بمختلف المناطق أو الجهات من البلد (الولايات، الدوائر، البلديات).
وتمتاز الضريبة التوزيعية ب:
- معرفة الخزانة العامة لمبلغ حصيلة الضريبة الذي ستحصل عليه بشكل يقيني.
- ضمان تحصيل المبلغ المحدد كضريبة.
- لكل ممول مصلحة شخصية ومباشرة في عدم تهرب أحد الممولين من دفع الضريبة ورغم هذه المزايا فإن الضريبة التوزيعية تتصف ببعض العيوب مما جعل الدول تتخلف عنها في العصر الحديث فهي:-غير عادلة- وغير مرنة إذ أنها لا تتابع التطور المستمر في الحياة الاقتصادية وزيادة قيمة المادة الخاضعة للضريبة.
- عدم معرفة كل ممول مقدما للمبلغ الذي يتعين عليه دفعه.
ب-الضريبة القياسية أو التحديدية: ويقصد بالضريبة التحديدية تلك التي يحدد المشرع سعرها مقدما دون أن يحدد حصيلتها تاركا أمر هذه الحصيلة للسعر الذي حدده وللظروف الاقتصادية، ويمتاز هذا النوع من الضرائب: عدم معرفة الخزانة العامة مقدما وعلى وجه اليقين المبلغ الذي ستحصل عليه.
الفرع الخامس:الضريبة النسبية والضريبة التصاعدية:
1)- تكون الضريبة نسيبة إذا ما تحدد سعرها بنسبة مئوية ثابتة لا تتغير بتغير قيمة المادة الخاضعة للضريبة.
2)- أما الضريبة التصاعدية فهي تلك التي تفرض بأسعار مختلفة تبعا لاختلاف قيمة المادة الخاضعة للضريبة.
ويمكن تحقيق التصاعد في الضريبة بطرق متعددة أهمها.
أ- التصاعد الإجمالي: (أو بالطبقات): وتتلخص هذه الطريقة في تقسيم الدخول إلى عدة طبقات تبدأ كل منها من صفر وتنتهي عند حد معين يزداد كلما انتقلنا من طبقة إلى أخرى ويفرض على كل طبقة سعر خاص بها.
التصاعد بالشرائح: وبحسب هذه الطريقة تقسم المادة الخاضعة للضريبة إلى شرائح يخضع كل منها لسعر معين يرتفع كلها انتقلنا إلى شريحة أعلى.
مثال: افتراضي (الوحدة د.ج)
تصاعد بالطبقات تصاعد بالشرائح
الطبقة فئة الدخل سعر الضريبة فئة الدخل سعر الضريبة الشريحة
الأولى أقل من 1000 صفر 1000 دج الأولى صفر الأولى
الثانية 1000- 5% 1000دج الثانية 5% الثانية
الثالثة 2000- 10% 1000دج الثالثة 10% الثالثة
الرابعة3000- 20% 1000دج الرابعة 20% الرابعة
لو نفترض أن أحد الأفراد دخله 3500 دج فعلى حسب نظام التصاعد بالطبقات سوف يخصم الدخل كله لسعر واحد حسب الفئة التي ينتمي إليها الدخل، وتكون الضريبة في هذه الحالة، أما في ظل نظام التصاعد بالشرائح حيث تخضع كل شريحة من الدخل الواحد لسعر مختلف، فسوف تكون الضريبة 250 دج (50 دج عن الشريحة الثانية و 100 دج عن الشريحة الثالثة و 100 دج عن 500 دج من الشريحة الرابعة).
ج- التصاعد عن طريق التنازل (أو الضريبة التنازلية):
حسب هذه الطريقة تفرض الضريبة بسعر نسبي عام ينطبق على كافة الدخول أصلا مع تحديد سعر آخر أقل منه ينطبق على الدخول الصغيرة التي لا تزيد عن حد معين.
الفرع السادس: الضرائب المباشرة وغير المباشرة:
1-الضرائب المباشرة: تتميز هذه الضرائب بالثبات النسبي في الحصيلة لكونها تفرض على أوعية مستقرة وثابتة، وتنقسم الضرائب المباشرة إلى نوعين رئيسيين و هما: الضرائب على الدخل و الضرائب على رأس المال.
أ
أ-الضرائب على الدخل:
للضرائب على الدخل في الأنظمة الضريبية الحديثة أهمية كبرى، و يرهم سبب ذلك إلى ما تتمتع به هذه الضريبة من قدرة على استيعاب جميع أوجه النشاط الاقتصادي المختلفة ( الدخل من العمل، الدخل من العمل و رأس المال، الدخل من رأس المال فقط)، كما أنها تعتبر من أهم الضرائب التي تمكن من التعرف على حالة الفرد الحقيقية من حيث قدرته التكليفية و قياس طاقته الضريبية بحيث تقتطع من الدخل تتماشى مع ظروفه الشخصية و بالتالي فهي تطبق مبدأ العدالة الضريبية، بالإضافة إلى أن ما يدفع إلى الأخذ بهذه الضريبية هو فكرة تجدد الدخل و كونه مصدر دائم.
ب- ماهية الضرائب على الدخل: ضرائب الدخل هي تلك الضرائب التي تتخذ من الدخل و عادة لها، و يثير مفهوم الدخل بعض الجدل في الفكر و الواقع الماليين و عليه يمكن تقسيم الآراء في تحديد الدخل من الناحية الضريبية إلى نظريتين: نظرية المنبع، و نظرية الإثراء (زيادة القيمة الإيجابية).
1) نظرية المنبع (المصدر): و تعريف الدخل الضريبي على أنه القيمة النقدية القابلة للتقدير بالنقود و التي تتحقق بصفة دورية من مصدر يتمتع بدرجة معينة من الثياب و الاستقرار النسبي خلال فترة معينة من الزمن.
2) نظرية الإثراء:(زيادة القيمة الإيجابية): يتحدد الدخل وفقا لهذه النظرية بكونه مقدار الزيادة الإيجابية التي تطرأ على ذمة الشخص الطبيعي أو المعنوي خلال فترة معينة من الزمن، فما يحصل عليه الفرد خلال فترة معينة من نقود أو منافع و خدمات يمكن تقويمها بالنقود، يعتبر دخلا سواء تم ذلك بصورة دورية و منتظمة أو بصفة عرضية بحتة.
تحديد قيمة الدخل الخاضع للضريبة:
يمكن التعرف على نوعين من الدخل: الدخل الإجمالي والدخل الصافي.
1) – الدخل الإجمالي: هو مجموع القيم النقدية التي يحصل عليها الممول نتيجة لنشاطه الاقتصادي خلال فترة معينة.
2) الدخل الصافي: هو عبارة عن الدخل الإجمالي مخصوما منه التكاليف التي يكون الممول قد أنفقها في سبيل الحصول عليه.
- و من العدالة أن تفرض الضريبة على الدخل الصافي إلا أن بعض التشريعات الضريبية قد تخضع الدخول الإجمالية إلى الضرائب مثل الضريبة المفروضة على القيم المنقولة في حين أن الضرائب في الحالات الأخرى تفرض على الدخل الصافي.
- و للحصول على الدخل الصافي قد استقر الفكر المالي على خصم التكاليف التالية:
1 – تكاليف الصيانة: و يقصد بها نفقات الإصلاح، استبدال قطع الغيار، الكشف الدوري على الآلات.
2 - تكاليف الاستغلال: و هي ما ينفقه الممول لتسيير مشروعه، من شراء المواد الأولية و الوقود، دفع إيجار العقار، أجور العمال و أقسام التأمين.
3 – تكاليف الاهتلاك: و هي المبالغ التي تحجز سنويا من الدخل لمواجهة ما يطرأ على الأجهزة أو بمعنى آخر مقابل النقص فيما يمتلكه الممول من أصول إنتاجه. كالآلات نتيجة الاستعمال المادي بهدف الحفاظ على قيمة رأسماله.
- و تعد هذه التكاليف واجبة الخصم من الإيراد الإجمالي الذي تفرض عليه الضريبة.
الصفحة 2