المقدمة:
إن الإنسان وعبر صيرورته الحياتية يمر بالعديد من المراحل التي تتميز بالتطور والتجدد, ومن أهم هذه المراحل هي مرحلة الطفولة التي تتسم بأنها حجر الأساس لبناء الإنسان. ونظرا لأهمية هذه المرحلة لابد من الإشارة إلى أهم الأخطار التي تتعرض لها الطفولة وما تخلـّفه من آثار سلبية على المجتمع.
مع تطور العلوم النفسية والإنسانية باتت من المسلـّمات معرفة مدى انتشار ظواهر سلبية في المجتمع كالعنف مثلا موضوع دراستنا على الرغم أن البحوث المنهجية لم تتحقق لغاية الآن عن آثار تعرض الطفل لهذه الظاهرة.
فالعنف مشكلة وجودية منتشرة في جميع أنحاء العالم, وخاصة في البلدان النامية نظراً لغياب الحريات الفكرية والديمقراطية وغياب القانون على الرغم من الجهود المبذولة لمؤسسات المجتمع المدني ولجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان للتعريف بحقوق الطفل وفضح ممارسات العنف في المجتمع , ووضع آليات تربوية للحد من انتشار هذه الظاهرة.
إلا أن هذه الجهود تصطدم بالكثير من المعوقات كالافتقار إلى مراكز أبحاث تهتم بهذه الظاهرة وعدم توفــّر الغطاء القانوني لعمل اللجان الحقوقية من قبل أجهزة السلطة.
وعلى الرغم من تكتـّم بعض السلطات والأسر عن حالات ممارسة العنف فإنه واستنادا ً إلى الإحصاءات العالمية المستمدة من التقرير الذي قدمه الخبير ( باولو سيرجيو بنهيرو ) إلى الأمم المتحدة بناءا ًعلى طلب أمينها العام مؤكدا مدى تعرض الأطفال للعنف والذي جاء فيه:
- تقدّر منظمة الصحة العالمية أن (53000) طفل قد توفي في عام 2002 نتيجة للقتل .
- إن ما يتراوح بين ( 80 - 98 ) % من الأطفال يتعرضون للعنف المنزلي.
- إن ( 20 - 65 ) % من الأطفال يتعرضون للعنف المدرسي.
- تقدر الصحة العالمية أن ( 150 ) مليون فتاة و ( 73 ) مليون صبي تحت سن الثامنة عشر تعرضوا للعنف الجنسي.
- تشير تقديرات منظمة العمل الدولية أن ( 218 ) مليون طفل في عام 2004 قد دخلوا مجال عمل الأطفال , منهم ( 126 ) مليون طفل في الأعمال الخطرة .
- تشير تقديرات عام 2000 أن ( 5,7 ) مليون طفل كانوا يعملون في عمل قسري , و ( 1,8 ) مليون في البغاء والإباحة و (1,2 ) مليون كانوا ضحايا الاتجار.
( باولو سيرجيو بنهيرو , التقرير المقدم للأمم المتحدة ص 10- 11 )
إن هذه الأرقام الكبيرة تؤكد أن العنف مشكلة وجودية تباينت مستوياتها بين الشعوب والأفراد , مما أدى إلى تباين المستويات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الشعوب. انظر الشكل رقم (1 )
الشكل ( 1 ) تبين مدى تعرض الطفل للإهمال
أولا ً : التعريف بالمصطلحات:
أ - التعريف حسب التقرير الدولي :
- الطفل: كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر 0
- العنف : هو الاستخدام المتعمد للقوة أو الطاقة البدنية , المهدد بها أو الفعلية ضد أي فرد من قبل فرد أو جماعة تؤدي إلى ضرر فعلي أو محتمل لصحة الفرد أو بقاؤه على قيد الحياة أو نموه أو كرامته0
- الذات : هو كل الاستعدادات والنزاعات والميول والغرائز والقوى البيولوجية الفطرية والموروثة والمكتسبة في الفرد.
ب- التعريف الإجرائي:
- الطفل: هو كل فرد لم يبلغ قدراته العقلية والمعرفية والإدراكية والحركية مرحلة النضج.
- العنف: هو أي عمل هيجاني فيه بصمات عدوانية يهدف إلى إلحاق أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة
- مفهوم الذات: هي مجموعة الاتجاهات والسلوكيات والمعتقدات العقلية والشخصية لدى الفرد.
ثانيا ً: أنماط ممارسة العنف ضد الأطفال:
في العقدين الماضيين من الزمن هناك إدراك متزايد من تفشي وباء العنف في مجتمعاتنا ,ونظرا ً لتعدد جوانب العنف واتساعه وأبعاده فقد تم الاختلاف على تصنيف العنف , فالبعض منهم صنف العنف حسب طريقة الممارسة وبعضهم الآخر حسب درجة تأثيره على الذات وآخرون حسب مكان ممارسة العنف0
سنتناول في دراستنا هذه تصنيف العنف حسب طريقة الممارسة , على الرغم من تعدد جوانبه , وارتباطها الوثيق مع بعضها البعض ( جسدي - جنسي - لفظي - إعلامي - سياسي - نفسي - اقتصادي .....الخ ) وسوف نخصّ الحديث عن أهمها والتي تشمل: (عنف جسدي - عنف سياسي - عنف جنسي - عنف عاطفي )
1- العنف الجسدي :
هو أي سلوك ينطوي على الاستخدام المتعمد للقوة ضد جسد آخر تسبب له إصابات بدنية أو ألم , و تشمل ( الضرب - الخنق- اللكم - الرفس - الجرح ......الخ ) وينتج عنه إصابات بدنية "رضوض - جروح - كسور - وغيرها من الإصابات " , قد يكون العنف الجسدي ناتج عن أساليب تربوية قاسية أو عقوبة بدنية صارمة غير ناجمة عن رغبة متعمدة في إلحاق الأذى بالطفل.
إذ يرى بعض الأساتذة التربويون صلاحية استخدام العنف كما ذكر في مجلة عربيات عن( الدكتور مصطفى عويس ) أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعي والجنائية الذي يرى أنها أحد الوسائل التربوية شريطة ألا يترك أثرا ً نفسيا ً أو جسديا ً.
إلا أن دراسة ( الدكتور عدلي السمري ) أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية في مصر يرى بأن ضرب الأطفال وتعنيفهم يربّي لديهم عقد نفسية إذ أنها تتحول إلى سلوك شاذ يصعب السيطرة عليها.
2- العنف السياسي:
هي الأفعال والممارسات التي تنتهجها الأنظمة والحكومات السياسية اتجاه الأفراد أو الجماعات. و العنف السياسي هو من أشد وأخطر أنواع العنف الممارس على البشرية كونه يكون موجه ومدروس وغير خاضع للمحاسبة القانونية وغير متكافئ إذ أنه يمارس من جهات لديها القوة والدعم المادي وتشمل كل مجالات الحياة. وعلى الرغم من توقيع الدول للمعاهدات الدولية التي تنص على حقوق الطفل إلا أن الكثير منها لم تصدق على هذه المعاهدات ( الشكل 2 ) وتستمر في ممارسة جميع أشكال العنف السياسي والتي منها ما يكون مباشرا على شخصية الفرد والآخر لها آثارا مستقبلية غير مباشر .
- العنف المباشر:
هو كل فعل سياسي عنيف له آثارا واضحة ومباشرة على الفرد والتي تتمثل في ( القتل – الضرب – الاعتقال - سحب المواطنة - الترهيب..........الخ).
والعنف السياسي المباشر إما أن يكون خارجي ممارس من قبل دولة ضد دولة ( كالعنف الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ) في المجازر التي ارتكبتها والتي لا تزال ترتكبها إلى يومنا هذا. وإما أن يكون داخلي ممارس من حكومة دولة ضد مواطنيها أو بالعكس (كالعنف الذي مارسه النظام العراقي المخلوع ضد شعبه في الأنفال مثلا) أو التي تمارسها التنظيمات الإرهابية ضد الأطفال العراقيين في يومنا هذا.
إن لهذا النوع من العنف انعكاسات واضحة تؤثر على المجتمع بأكمله والأطفال بشكل خاص موضوع دراستنا. إذ تشير الإحصاءات حسب ما نسمعه في وسائل الأعلام إن متوسط قتلى الأطفال في العراق وفلسطين هو بمعدل طفل كل يوم. ناهيك عن الصدمة النفسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية المباشرة الذي تخلقه هذه الممارسات على الطفل.
فمثلا فقدان الأمن في كل من العراق وفلسطين ودارفور وغيرها من الدول الفاقدة للأمن تكون سببا مباشرا للتغيـّب عن المدرسة وبالتالي انتشار نسبة التخلف في البلاد عدا عن الآثار البعيدة مثل الاضطرابات الذهنية والفكرية والنفسية بالإضافة إلى تفاقم الوضع الصحي و المعاشي لهؤلاء الأطفال.
- العنف السياسي الغير مباشر:
هي مجمل الممارسات التي لها وقعا عنيفا وأثار لا تظهر على الفرد مباشرة والتي تتمثل في إهمال الخدمات الاجتماعية والاقتصادية وخلق جو يسوده التوتر والمشاحنات والضغوط النفسية ومحاولة خلق نوع من التميز العرقي والطائفي و غضّ النظر عن الآفات الاجتماعية كالبطالة والفقر الذي يكون سببا في تشجيع العمالة والدعارة والإدمان.
إن مجمل ممارسات العنف الغير المباشر لها بصمة واضحة في حياة الفرد وتأثيرا مستقبليا على ممارساته إذ أنها تخلق فجوة في تبادل الثقافات بين القوميات والطوائف , بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى فقدان الثقة بين الذي يمارس العنف والممارَس عليه العنف ناهيك عن شعور الفرد باللا انتماء إلى الوطن الذي يعيش فيه نتيجة لحرمانه من الحقوق المدنية والثقافية والعقاندية والفكرية وغيرها من الحقوق كالأكراد المجردين من الجنسية في سوريا هؤلاء الأطفال الذين يكبرون ليجدوا أبواب الحياة موصدة في وجههم عدا أنهم محرومون من أقدس شيء لدى الإنسان وهو حق الانتماء إلى وطن يعتزون به.
3- العنف الجنسي:
هو أي نوع من الاتصال الجنسي أو أي سلوك يحدث دون موافقة صريحة من الجهة المستفيدة من النشاط الجنسي غير المرغوب فيه.
وتتدرج تحت هذا التعريف ( الاعتداء الجنسي - التحرش- الاغتصاب - سفاح القربى - الإشباع الناقص أو الملاطفة ....الخ )
الاعتداء الجنسي: هو أي اتصال جنسي غير مرغوب فيه , أجبرت على الفرد ارضاءاً لرغبات جنسية عند البالغ دون وعي أو إدراك الطفل.
التحرش: هو انتهاك جنسي يقوم به شخص مع اختراق أو بدونه.
الاغتصاب: هو أي اتصال تناسلي قسري بين الجاني ( المغتصـِب) والضحية (المغتصـَب)
سفاح القربى: هو انتهاك جنسي يقوم به أحد الأقرباء ( والد - شقيق- قريب حميم ) ويتضمن جماعا.
الإشباع الناقص (الملاطفة): يوصف بأنه مداعبة أو تقبيلا لأعضاء الضحية.
حتى أوائل العقد السابع من القرن العشرين كان يعتقد بأن الاعتداء الجنسي نادر في مجتمعاتنا ، وتركزت في أوساط الفقراء , وامتدت هذه الظاهرة إلى يومنا هذا وأصبحت موجودة في جميع الطبقات والفئات الاقتصادية والاجتماعية . فقد تبين من التقرير المقدم للأمم المتحدة في دراسة أجريت على /21 / بلدا أن ( 37 % ) من النساء و (29% ) من الرجال قد وقعوا ضحية للاعتداء الجنسي أثناء مرحلة الطفولة, وأن نسبة التعرض إلى الانتهاك لدى الفتيات أكثر منها لدى الفتيان.
(باولو سيرجيو بنهيرو - تقرير للأمم المتحدة ص 16)
رغم هذه الإحصاءات نادرا ما نسمع عن حوادث العنف الجنسي في مجتمعاتنا , علما أن مجتمعاتنا هي من أكثر المجتمعات تعرضا لهذا النوع من العنف نظرا لحالة الكبت الجنسي وانعدام الثقافة الجنسية لدى أبناء مجتمعاتنا.
إن هذه الظاهرة تعد طيّ الكتمان في مجتمعاتنا ذلك لأن الأهل يحاولون التستـّر عليها خوفا من الفضيحة. وعلى الرغم من ذلك فان جرائم الشرف والاغتصاب الكثيرة في مجتمعاتنا هي خير دليل على تفشي هذه الظاهرة. وكما أسلفنا من قبل سوء التربية الجنسية يعد عاملا محوريا لذلك بالإضافة إلى العيش بعيدا عن الأم أثناء الطفولة وسوء الأحوال الاقتصادية و العادات والتقاليد الطائفية والعرقية المجتمعة يعد من العوامل الرئيسية لهذه الظاهرة.
4- العنف العاطفي:
هو أي سلوك انفعالي له انعكاسات على الصحة النفسية والعاطفية للطفل وتشمل:
( التهديد - العزل - الاعتداء اللفظي - الإذلال - الاحتقار - التجاهل - البرود - القسوة.......الخ )
إن البيئة الاجتماعية المبنية على الذم والاحتقار وعدم احترام المشاعر النفسية للطفل وسواها من الممارسات كفيلة بأن تخلق حالة من التمرد والعصيان وإثارة الروح العدوانية والكراهية والحقد.
كما أن هذه الظاهرة تزداد وتنقص باختلاف المتغيرات البيئية والاجتماعية المتعلقة بكل أسرة , حيث أن الطريقة التربوية العاطفية تؤثر في اضطراب الصحة النفسية والجسدية للطفل والتي تسببها عوامل عديدة كالحرمان من حنان الأم والصرامة الزائدة عن الحد للآباء والاتجاهات المتقاربة للأبويين وسواها من العوامل التي تؤثر على مشاعر الطفل.
ثالثا ً- البيئات التي يمارس فيها العنف:
1- العنف في المنزل:
يعتبر المنزل أحد أهم أركان المجتمع ، إذ أنها تشكل البيئة الطبيعية والصحية لنمو الطفل. فقد كشفت مجموعة متنامية من البحوث عن الكثير من الأطفال المتضررين من العنف المنزلي. وقد ازداد الاهتمام إلى هذه القضية من جانب الرأي العام نظرا لأهميته , وأدى العمل المشترك إلى تعريف العنف الذي يتعرض له الطفولة في المنزل على أنها مشكلة اجتماعية مدمّرة وأنها شكلا من أشكال إساءة معاملة الأطفال.
حيث يقدر عدد الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري سنويا على نطاق العالم بما يتراوح بين (133 - 275 ) مليون طفل, علما أن (2000 - 5000 ) طفل يقتلون سنويا من قبل آبائهم .
انه من المؤسف أن يكون المنزل مكانا يتسم بالعنف بالنسبة لبعض الأطفال وان كان في بعض الأحيان يأخذ الشكل التأديبي. إذ أن هذه الممارسات تثبت فشل الآباء في إيجاد وسائل تربوية بديلة للعنف. غالبا ما يكون العنف المنزلي مؤثرا على نمو الطفل الجسدي والنفسي وبخاصة إذا كانت هذه الممارسات تأتي من شخصية جديرة بالاحترام كأحد الوالدين.
2- العنف في المدارس والأوساط التعليمة:
العنف في المدارس هو أحد أهم المواضيع التي لها تأثير مباشر على جميع أفراد المجتمع إذ أن التربية أساس بناء المجتمع ورقيه وتقدمه , وبصرف النظر عن التدخل في عملية التعليم فإن العنف المدرسي له آثار بعيدة المدى تؤثر على الفرد.
إن العنف الممارس في المدارس تشمل جميع الممارسات عدا أنها لا تسبب الموت أو أذى جسدي نوعا ما، حيث أنها تكتفي بالعقوبة النفسية القاسية والعنف الجسدي البسيط والعنف الجنسي , وعلى الرغم أن ( 102 ) بلدا قد حظـّرت هذه الممارسات العنيفة في المدارس حسب التقرير المقدم للأمم المتحدة إلا أنها تمارس العنف ولكن بنسب متفاوتة. فعلى سبيل المثال يذّكر أحد الباحثين العنف الذي يمارسه المدرسون في المؤسسات التعليمية ومدى تأثر الطفل به. حيث يقول الباحث حدّثني طالبا عن الأثر السيئ الذي تركته لطمة معلم على وجهه:
"إني مازلت اذكر ذاك الحادث بألم وحسرة رغم بلوغي سن الشباب، لم أذكر أثر اللطمة المادي، بل أذكر بمرارة الأثر المعنوي الذي عشش في نفسي. كيف لا أحقد على معلمي و هو الذي حطم بلطمته أقدس مكان فيّ, حطـّم معارفي وإنسانيتي وآمالي. فإذا كنت ناقما على الناس فنقمتي منصّبة على شخص معلمي الجاهل الذي لا يفرق بين التأديب و التوجيه. إني وسواي من الحاقدين لا نلام على اقتراف أعمال التخريب، فنحن نحاول رد اللطمة لطمتين."
( كامل بنقسلي وخالد قوطرش ص 49 )
أما الأطفال الذين يعانون صعوبة في التعليم فان المدرسين يتـّبعون معهم أبشع الأساليب التربوية بتوجيه الإهانات والشتائم والضرب لهؤلاء الأطفال دون أن تستوعب إمكاناتهم أو دون وجود أي جهة تحاسب المعلم المعتدي. بالإضافة إلى ذلك فإن ممارسات العنف ضد الأطفال في المدارس تتفاوت في درجة الممارسة حسب الجنس والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والفكري لهذا الطفل، فكثيرا ما تكون أعمال المضايقة سواء من قبل التلاميذ أو العاملين في المؤسسات التعليمة مرتبطة بالتميز ضد التلاميذ الذين ينحدرون من اسر فقيرة أو المجموعات المهمّشة أو ذوي الاحتياجات الخاصة. كما أن العنف الموجّه ضد الفتيات من جانب المدرسين والزملاء يأخذ الطابع الجنسي في أغلب الأحيان.
إن هذه الممارسات تثبت عدم جدارة الأساتذة في تربية الطفل وعدم استيعاب وتفهم حاجات الطالب الأمر الذي يؤدي إلى إهمال الطالب للدراسة ويكون سببا للهروب من المدرسة وبالتالي الاتجاه إلى الشوارع والملاهي وغيرها من الأماكن التي تصدّر الآفات إلى المجتمع. انظر الشكل ( 3 )
الشكل ( 3 )
3- العنف في أماكن العمل :
إن سوء الأوضاع الاقتصادية الناتج عن فشل الحكومات في التخطيط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية للبلاد هو السبب الرئيسي الذي جعل الأطفال يتسرّبون من المدارس نحو أسواق العمل والذي شجّعه التجار وأصحاب العمل وذلك لرخص يدهم العاملة وسهولة السيطرة عليهم. إذ تشير تقديرات عام 2004 للأمم المتحدة أن أكثر من (200 ) مليون طفل يعملون في ظروف مرعبة فهم يجبرون على الدخول في عالم العبودية و الاسترقاق أو على الانخراط في براثن الدعارة والإباحة أو المشاركة في النزاعات المسلحة أو الأنشطة غير المشروعة الأخرى، علما أن غالبية هؤلاء الأطفال لم يبلغوا السن القانوني لهذه الأعمال. الشكل ( 4 ) .
كما وتشير التقديرات إلى أن مليون طفل يدخلون قطاع العمل كل عام . إن في هذا النوع من الممارسات لا يستطيع الطفل أن يحمي نفسه من أصحاب العمل الذين يحاولون استغلالهم بدافع المادة أو التهديد.
الشكل ( 4 ) استغلال الأطفال في الأعمال المختلفة
4- العنف في مراكز الرعاية والمؤسسات الحكومية والقانونية:
يقصد بمراكز الرعاية : روض الأطفال ومراكز رعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة , أما المؤسسات الحكومية والقانونية فيقصد بها السجون والمراكز الإصلاحية.
يعيش الملايين من الأطفال في مؤسسات رعاية الأيتام ( الشكل 5 ) بالإضافة السجون و المدارس الإصلاحية . وهم يتعرضون إلى العنف من قبل المشرفين والمسؤولين عن هذه المراكز ولهذا السبب هناك تكتـّم شديد على هذه الممارسات ولا توجد إحصاءات دقيقة عن هؤلاء الأطفال إذ أن القائمين على حماية الأطفال هم أنفسهم الذين يمارسون العنف معهم وبالتالي لا يسمحون لأجهزة الرقابة والتفتيش بممارسة عملها على أكمل وجه حيث أنهم يتعرضون للمضايقات ناهيك عن تهديد الأطفال بالضرب إن أفشوا سرّ الممارسات العنيفة ضدهم.
ويشمل العنف في هذه المراكز كل أنواع ( الضرب باليد والعصي و الإهانات وعزلهم في غرف خاصة ناهيك عن التعذيب الجسدي الذي يتعرض له الأطفال في مراكز الشرطة والأجهزة الأمنية . إن لهذه الممارسات انعكاسات سلبية ملحوظة على الفرد الذي يؤثر بدوره على المحيط الذي يعيش فيه والذي سندرسها لاحقا.
الشكل ( 5 )
5 - العنف في المجتمع:
إن صور مختلفة قد تدنوا إلى ذهننا عندما نتكلم عن مصطلح مجتمع العنف , ومن هذه الصور إطلاق النار على عصابة في الشارع أو حالة حرب طائفية .
إن مجتمع العنف يمكن تعريفه بأنه مجمل أعمال العنف التي يرتكبها أفراد ضد أشخاص ليس لهم أية علاقة اتصال مع الضحية مثل ( العصابات - الانقسامات العرقية والطائفية - المخدرات - دعارة - استغلال - فوضى ..... الخ ).
إن هذا الشكل من العنف ينتشر في المجتمعات بشكل فظيع وخاصة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض والمجتمعات التي تسودها التخلف نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تشكل بيئة الطفل . حيث إن العنف في هذه المجتمعات يستمد جذوره من القضايا المرتبطة بنوع الجنس والاستعباد وعدم وجود الرعاية الأولية والمعايير المجتمعية التي لا تحترم حقوق الطفل مثل البطالة والإدمان والجريمة والهروب من العقوبة والقانون وثقافة الصمت.
رابعا ً - العوامل المسببة لإساءة الأطفال:
إن انتشار ظاهرة العنف ضد الأطفال أصبحت حقيقة ولا يمكن تجاوزها فالعنف الجسدي والجنسي والنفسي , علاوة عن الإهمال المتعمد من قبل الأبوين أصبحت ظاهرة خطيرة , لأنها تؤدي إلى حدوث أضرار تمتد آثارها إلى المستقبل القريب.
لذلك لابد من التعرف على ماهية العوامل المسببة للعنف , إذ أن هذه العوامل متعددة ومتشابكة ومنها:
1- العوامل الأسرية:
قد لا يصدق أن هناك آباء أو أمهات يربـّون العنف في أطفالهم , ولكنها حقيقة لا يمكن تجاهلها. إن حرمان الأطفال من رعاية وحنان الأبوين وانخفاض مستوى الوعي لدى الأبوين والتمسك بالعادات والتقاليد الأسرية والخلافات الأسرية أو المعاملة التمييزية ضمن الأسرى بالإضافة إلى الوضع المعاشي للأسرى وغيرها من العوامل تكون سببا وجيها لتنشئة العنف في نفس كل فرد من أفراد الأسرة.
2 - عوامل اجتماعية:
إن الضغوط الاجتماعية على الأطفال وعلاقة أفراد المجتمع لها آثارها الواضحة على الأفراد وان كانت هذه الآثار اقل وضوحا عن الأسرية , فإن فشل الأطفال عن إنشاء صداقات مع أقرانهم تؤثر سلبا على مهاراتهم الاجتماعية والمعرفية واللغوية وتقلل من ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين وتنمّي مشاعر العنف في نفوسهم.
3 - عوامل قانونية:
إن انعدام السلطة والقانون في المجتمع يكون سببا لانتشار الفوضى والفساد وبالتالي انعدام الأمن والاستقرار والعيش في غابة يملؤها الوحوش , فيها القوي يستغل الضعيف والغني يستعبد الفقير.
4 - عوامل اقتصادية:
إن سوء الأوضاع الاقتصادية تحول دون الوصول إلى الرغبات المراد الوصول إليها , وبالتالي تخلق اليأس في النفوس وبالتالي اللجوء إلى كل الوسائل المباحة والغير مباحة في سبيل الوصول إلى هذه الرغبات سعيا لحياة أفضل مليئة بالأمل.
5 - عوامل فكرية:
إن ازدياد نسبة الأمية والتخلف في المجتمع وسلب الآراء وكبح الحريات تحد من التفكير السليم لدى الطفل وبالتالي اكتساب ثقافة العنف.
إن الإنسان وعبر صيرورته الحياتية يمر بالعديد من المراحل التي تتميز بالتطور والتجدد, ومن أهم هذه المراحل هي مرحلة الطفولة التي تتسم بأنها حجر الأساس لبناء الإنسان. ونظرا لأهمية هذه المرحلة لابد من الإشارة إلى أهم الأخطار التي تتعرض لها الطفولة وما تخلـّفه من آثار سلبية على المجتمع.
مع تطور العلوم النفسية والإنسانية باتت من المسلـّمات معرفة مدى انتشار ظواهر سلبية في المجتمع كالعنف مثلا موضوع دراستنا على الرغم أن البحوث المنهجية لم تتحقق لغاية الآن عن آثار تعرض الطفل لهذه الظاهرة.
فالعنف مشكلة وجودية منتشرة في جميع أنحاء العالم, وخاصة في البلدان النامية نظراً لغياب الحريات الفكرية والديمقراطية وغياب القانون على الرغم من الجهود المبذولة لمؤسسات المجتمع المدني ولجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان للتعريف بحقوق الطفل وفضح ممارسات العنف في المجتمع , ووضع آليات تربوية للحد من انتشار هذه الظاهرة.
إلا أن هذه الجهود تصطدم بالكثير من المعوقات كالافتقار إلى مراكز أبحاث تهتم بهذه الظاهرة وعدم توفــّر الغطاء القانوني لعمل اللجان الحقوقية من قبل أجهزة السلطة.
وعلى الرغم من تكتـّم بعض السلطات والأسر عن حالات ممارسة العنف فإنه واستنادا ً إلى الإحصاءات العالمية المستمدة من التقرير الذي قدمه الخبير ( باولو سيرجيو بنهيرو ) إلى الأمم المتحدة بناءا ًعلى طلب أمينها العام مؤكدا مدى تعرض الأطفال للعنف والذي جاء فيه:
- تقدّر منظمة الصحة العالمية أن (53000) طفل قد توفي في عام 2002 نتيجة للقتل .
- إن ما يتراوح بين ( 80 - 98 ) % من الأطفال يتعرضون للعنف المنزلي.
- إن ( 20 - 65 ) % من الأطفال يتعرضون للعنف المدرسي.
- تقدر الصحة العالمية أن ( 150 ) مليون فتاة و ( 73 ) مليون صبي تحت سن الثامنة عشر تعرضوا للعنف الجنسي.
- تشير تقديرات منظمة العمل الدولية أن ( 218 ) مليون طفل في عام 2004 قد دخلوا مجال عمل الأطفال , منهم ( 126 ) مليون طفل في الأعمال الخطرة .
- تشير تقديرات عام 2000 أن ( 5,7 ) مليون طفل كانوا يعملون في عمل قسري , و ( 1,8 ) مليون في البغاء والإباحة و (1,2 ) مليون كانوا ضحايا الاتجار.
( باولو سيرجيو بنهيرو , التقرير المقدم للأمم المتحدة ص 10- 11 )
إن هذه الأرقام الكبيرة تؤكد أن العنف مشكلة وجودية تباينت مستوياتها بين الشعوب والأفراد , مما أدى إلى تباين المستويات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية لهذه الشعوب. انظر الشكل رقم (1 )
الشكل ( 1 ) تبين مدى تعرض الطفل للإهمال
أولا ً : التعريف بالمصطلحات:
أ - التعريف حسب التقرير الدولي :
- الطفل: كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر 0
- العنف : هو الاستخدام المتعمد للقوة أو الطاقة البدنية , المهدد بها أو الفعلية ضد أي فرد من قبل فرد أو جماعة تؤدي إلى ضرر فعلي أو محتمل لصحة الفرد أو بقاؤه على قيد الحياة أو نموه أو كرامته0
- الذات : هو كل الاستعدادات والنزاعات والميول والغرائز والقوى البيولوجية الفطرية والموروثة والمكتسبة في الفرد.
ب- التعريف الإجرائي:
- الطفل: هو كل فرد لم يبلغ قدراته العقلية والمعرفية والإدراكية والحركية مرحلة النضج.
- العنف: هو أي عمل هيجاني فيه بصمات عدوانية يهدف إلى إلحاق أضرار مادية أو معنوية أو نفسية لفرد أو جماعة
- مفهوم الذات: هي مجموعة الاتجاهات والسلوكيات والمعتقدات العقلية والشخصية لدى الفرد.
ثانيا ً: أنماط ممارسة العنف ضد الأطفال:
في العقدين الماضيين من الزمن هناك إدراك متزايد من تفشي وباء العنف في مجتمعاتنا ,ونظرا ً لتعدد جوانب العنف واتساعه وأبعاده فقد تم الاختلاف على تصنيف العنف , فالبعض منهم صنف العنف حسب طريقة الممارسة وبعضهم الآخر حسب درجة تأثيره على الذات وآخرون حسب مكان ممارسة العنف0
سنتناول في دراستنا هذه تصنيف العنف حسب طريقة الممارسة , على الرغم من تعدد جوانبه , وارتباطها الوثيق مع بعضها البعض ( جسدي - جنسي - لفظي - إعلامي - سياسي - نفسي - اقتصادي .....الخ ) وسوف نخصّ الحديث عن أهمها والتي تشمل: (عنف جسدي - عنف سياسي - عنف جنسي - عنف عاطفي )
1- العنف الجسدي :
هو أي سلوك ينطوي على الاستخدام المتعمد للقوة ضد جسد آخر تسبب له إصابات بدنية أو ألم , و تشمل ( الضرب - الخنق- اللكم - الرفس - الجرح ......الخ ) وينتج عنه إصابات بدنية "رضوض - جروح - كسور - وغيرها من الإصابات " , قد يكون العنف الجسدي ناتج عن أساليب تربوية قاسية أو عقوبة بدنية صارمة غير ناجمة عن رغبة متعمدة في إلحاق الأذى بالطفل.
إذ يرى بعض الأساتذة التربويون صلاحية استخدام العنف كما ذكر في مجلة عربيات عن( الدكتور مصطفى عويس ) أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعي والجنائية الذي يرى أنها أحد الوسائل التربوية شريطة ألا يترك أثرا ً نفسيا ً أو جسديا ً.
إلا أن دراسة ( الدكتور عدلي السمري ) أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية و الجنائية في مصر يرى بأن ضرب الأطفال وتعنيفهم يربّي لديهم عقد نفسية إذ أنها تتحول إلى سلوك شاذ يصعب السيطرة عليها.
2- العنف السياسي:
هي الأفعال والممارسات التي تنتهجها الأنظمة والحكومات السياسية اتجاه الأفراد أو الجماعات. و العنف السياسي هو من أشد وأخطر أنواع العنف الممارس على البشرية كونه يكون موجه ومدروس وغير خاضع للمحاسبة القانونية وغير متكافئ إذ أنه يمارس من جهات لديها القوة والدعم المادي وتشمل كل مجالات الحياة. وعلى الرغم من توقيع الدول للمعاهدات الدولية التي تنص على حقوق الطفل إلا أن الكثير منها لم تصدق على هذه المعاهدات ( الشكل 2 ) وتستمر في ممارسة جميع أشكال العنف السياسي والتي منها ما يكون مباشرا على شخصية الفرد والآخر لها آثارا مستقبلية غير مباشر .
- العنف المباشر:
هو كل فعل سياسي عنيف له آثارا واضحة ومباشرة على الفرد والتي تتمثل في ( القتل – الضرب – الاعتقال - سحب المواطنة - الترهيب..........الخ).
والعنف السياسي المباشر إما أن يكون خارجي ممارس من قبل دولة ضد دولة ( كالعنف الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني ) في المجازر التي ارتكبتها والتي لا تزال ترتكبها إلى يومنا هذا. وإما أن يكون داخلي ممارس من حكومة دولة ضد مواطنيها أو بالعكس (كالعنف الذي مارسه النظام العراقي المخلوع ضد شعبه في الأنفال مثلا) أو التي تمارسها التنظيمات الإرهابية ضد الأطفال العراقيين في يومنا هذا.
إن لهذا النوع من العنف انعكاسات واضحة تؤثر على المجتمع بأكمله والأطفال بشكل خاص موضوع دراستنا. إذ تشير الإحصاءات حسب ما نسمعه في وسائل الأعلام إن متوسط قتلى الأطفال في العراق وفلسطين هو بمعدل طفل كل يوم. ناهيك عن الصدمة النفسية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية المباشرة الذي تخلقه هذه الممارسات على الطفل.
فمثلا فقدان الأمن في كل من العراق وفلسطين ودارفور وغيرها من الدول الفاقدة للأمن تكون سببا مباشرا للتغيـّب عن المدرسة وبالتالي انتشار نسبة التخلف في البلاد عدا عن الآثار البعيدة مثل الاضطرابات الذهنية والفكرية والنفسية بالإضافة إلى تفاقم الوضع الصحي و المعاشي لهؤلاء الأطفال.
- العنف السياسي الغير مباشر:
هي مجمل الممارسات التي لها وقعا عنيفا وأثار لا تظهر على الفرد مباشرة والتي تتمثل في إهمال الخدمات الاجتماعية والاقتصادية وخلق جو يسوده التوتر والمشاحنات والضغوط النفسية ومحاولة خلق نوع من التميز العرقي والطائفي و غضّ النظر عن الآفات الاجتماعية كالبطالة والفقر الذي يكون سببا في تشجيع العمالة والدعارة والإدمان.
إن مجمل ممارسات العنف الغير المباشر لها بصمة واضحة في حياة الفرد وتأثيرا مستقبليا على ممارساته إذ أنها تخلق فجوة في تبادل الثقافات بين القوميات والطوائف , بالإضافة إلى أنها تؤدي إلى فقدان الثقة بين الذي يمارس العنف والممارَس عليه العنف ناهيك عن شعور الفرد باللا انتماء إلى الوطن الذي يعيش فيه نتيجة لحرمانه من الحقوق المدنية والثقافية والعقاندية والفكرية وغيرها من الحقوق كالأكراد المجردين من الجنسية في سوريا هؤلاء الأطفال الذين يكبرون ليجدوا أبواب الحياة موصدة في وجههم عدا أنهم محرومون من أقدس شيء لدى الإنسان وهو حق الانتماء إلى وطن يعتزون به.
3- العنف الجنسي:
هو أي نوع من الاتصال الجنسي أو أي سلوك يحدث دون موافقة صريحة من الجهة المستفيدة من النشاط الجنسي غير المرغوب فيه.
وتتدرج تحت هذا التعريف ( الاعتداء الجنسي - التحرش- الاغتصاب - سفاح القربى - الإشباع الناقص أو الملاطفة ....الخ )
الاعتداء الجنسي: هو أي اتصال جنسي غير مرغوب فيه , أجبرت على الفرد ارضاءاً لرغبات جنسية عند البالغ دون وعي أو إدراك الطفل.
التحرش: هو انتهاك جنسي يقوم به شخص مع اختراق أو بدونه.
الاغتصاب: هو أي اتصال تناسلي قسري بين الجاني ( المغتصـِب) والضحية (المغتصـَب)
سفاح القربى: هو انتهاك جنسي يقوم به أحد الأقرباء ( والد - شقيق- قريب حميم ) ويتضمن جماعا.
الإشباع الناقص (الملاطفة): يوصف بأنه مداعبة أو تقبيلا لأعضاء الضحية.
حتى أوائل العقد السابع من القرن العشرين كان يعتقد بأن الاعتداء الجنسي نادر في مجتمعاتنا ، وتركزت في أوساط الفقراء , وامتدت هذه الظاهرة إلى يومنا هذا وأصبحت موجودة في جميع الطبقات والفئات الاقتصادية والاجتماعية . فقد تبين من التقرير المقدم للأمم المتحدة في دراسة أجريت على /21 / بلدا أن ( 37 % ) من النساء و (29% ) من الرجال قد وقعوا ضحية للاعتداء الجنسي أثناء مرحلة الطفولة, وأن نسبة التعرض إلى الانتهاك لدى الفتيات أكثر منها لدى الفتيان.
(باولو سيرجيو بنهيرو - تقرير للأمم المتحدة ص 16)
رغم هذه الإحصاءات نادرا ما نسمع عن حوادث العنف الجنسي في مجتمعاتنا , علما أن مجتمعاتنا هي من أكثر المجتمعات تعرضا لهذا النوع من العنف نظرا لحالة الكبت الجنسي وانعدام الثقافة الجنسية لدى أبناء مجتمعاتنا.
إن هذه الظاهرة تعد طيّ الكتمان في مجتمعاتنا ذلك لأن الأهل يحاولون التستـّر عليها خوفا من الفضيحة. وعلى الرغم من ذلك فان جرائم الشرف والاغتصاب الكثيرة في مجتمعاتنا هي خير دليل على تفشي هذه الظاهرة. وكما أسلفنا من قبل سوء التربية الجنسية يعد عاملا محوريا لذلك بالإضافة إلى العيش بعيدا عن الأم أثناء الطفولة وسوء الأحوال الاقتصادية و العادات والتقاليد الطائفية والعرقية المجتمعة يعد من العوامل الرئيسية لهذه الظاهرة.
4- العنف العاطفي:
هو أي سلوك انفعالي له انعكاسات على الصحة النفسية والعاطفية للطفل وتشمل:
( التهديد - العزل - الاعتداء اللفظي - الإذلال - الاحتقار - التجاهل - البرود - القسوة.......الخ )
إن البيئة الاجتماعية المبنية على الذم والاحتقار وعدم احترام المشاعر النفسية للطفل وسواها من الممارسات كفيلة بأن تخلق حالة من التمرد والعصيان وإثارة الروح العدوانية والكراهية والحقد.
كما أن هذه الظاهرة تزداد وتنقص باختلاف المتغيرات البيئية والاجتماعية المتعلقة بكل أسرة , حيث أن الطريقة التربوية العاطفية تؤثر في اضطراب الصحة النفسية والجسدية للطفل والتي تسببها عوامل عديدة كالحرمان من حنان الأم والصرامة الزائدة عن الحد للآباء والاتجاهات المتقاربة للأبويين وسواها من العوامل التي تؤثر على مشاعر الطفل.
ثالثا ً- البيئات التي يمارس فيها العنف:
1- العنف في المنزل:
يعتبر المنزل أحد أهم أركان المجتمع ، إذ أنها تشكل البيئة الطبيعية والصحية لنمو الطفل. فقد كشفت مجموعة متنامية من البحوث عن الكثير من الأطفال المتضررين من العنف المنزلي. وقد ازداد الاهتمام إلى هذه القضية من جانب الرأي العام نظرا لأهميته , وأدى العمل المشترك إلى تعريف العنف الذي يتعرض له الطفولة في المنزل على أنها مشكلة اجتماعية مدمّرة وأنها شكلا من أشكال إساءة معاملة الأطفال.
حيث يقدر عدد الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري سنويا على نطاق العالم بما يتراوح بين (133 - 275 ) مليون طفل, علما أن (2000 - 5000 ) طفل يقتلون سنويا من قبل آبائهم .
انه من المؤسف أن يكون المنزل مكانا يتسم بالعنف بالنسبة لبعض الأطفال وان كان في بعض الأحيان يأخذ الشكل التأديبي. إذ أن هذه الممارسات تثبت فشل الآباء في إيجاد وسائل تربوية بديلة للعنف. غالبا ما يكون العنف المنزلي مؤثرا على نمو الطفل الجسدي والنفسي وبخاصة إذا كانت هذه الممارسات تأتي من شخصية جديرة بالاحترام كأحد الوالدين.
2- العنف في المدارس والأوساط التعليمة:
العنف في المدارس هو أحد أهم المواضيع التي لها تأثير مباشر على جميع أفراد المجتمع إذ أن التربية أساس بناء المجتمع ورقيه وتقدمه , وبصرف النظر عن التدخل في عملية التعليم فإن العنف المدرسي له آثار بعيدة المدى تؤثر على الفرد.
إن العنف الممارس في المدارس تشمل جميع الممارسات عدا أنها لا تسبب الموت أو أذى جسدي نوعا ما، حيث أنها تكتفي بالعقوبة النفسية القاسية والعنف الجسدي البسيط والعنف الجنسي , وعلى الرغم أن ( 102 ) بلدا قد حظـّرت هذه الممارسات العنيفة في المدارس حسب التقرير المقدم للأمم المتحدة إلا أنها تمارس العنف ولكن بنسب متفاوتة. فعلى سبيل المثال يذّكر أحد الباحثين العنف الذي يمارسه المدرسون في المؤسسات التعليمية ومدى تأثر الطفل به. حيث يقول الباحث حدّثني طالبا عن الأثر السيئ الذي تركته لطمة معلم على وجهه:
"إني مازلت اذكر ذاك الحادث بألم وحسرة رغم بلوغي سن الشباب، لم أذكر أثر اللطمة المادي، بل أذكر بمرارة الأثر المعنوي الذي عشش في نفسي. كيف لا أحقد على معلمي و هو الذي حطم بلطمته أقدس مكان فيّ, حطـّم معارفي وإنسانيتي وآمالي. فإذا كنت ناقما على الناس فنقمتي منصّبة على شخص معلمي الجاهل الذي لا يفرق بين التأديب و التوجيه. إني وسواي من الحاقدين لا نلام على اقتراف أعمال التخريب، فنحن نحاول رد اللطمة لطمتين."
( كامل بنقسلي وخالد قوطرش ص 49 )
أما الأطفال الذين يعانون صعوبة في التعليم فان المدرسين يتـّبعون معهم أبشع الأساليب التربوية بتوجيه الإهانات والشتائم والضرب لهؤلاء الأطفال دون أن تستوعب إمكاناتهم أو دون وجود أي جهة تحاسب المعلم المعتدي. بالإضافة إلى ذلك فإن ممارسات العنف ضد الأطفال في المدارس تتفاوت في درجة الممارسة حسب الجنس والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والفكري لهذا الطفل، فكثيرا ما تكون أعمال المضايقة سواء من قبل التلاميذ أو العاملين في المؤسسات التعليمة مرتبطة بالتميز ضد التلاميذ الذين ينحدرون من اسر فقيرة أو المجموعات المهمّشة أو ذوي الاحتياجات الخاصة. كما أن العنف الموجّه ضد الفتيات من جانب المدرسين والزملاء يأخذ الطابع الجنسي في أغلب الأحيان.
إن هذه الممارسات تثبت عدم جدارة الأساتذة في تربية الطفل وعدم استيعاب وتفهم حاجات الطالب الأمر الذي يؤدي إلى إهمال الطالب للدراسة ويكون سببا للهروب من المدرسة وبالتالي الاتجاه إلى الشوارع والملاهي وغيرها من الأماكن التي تصدّر الآفات إلى المجتمع. انظر الشكل ( 3 )
الشكل ( 3 )
3- العنف في أماكن العمل :
إن سوء الأوضاع الاقتصادية الناتج عن فشل الحكومات في التخطيط الاقتصادي والتنمية الاقتصادية للبلاد هو السبب الرئيسي الذي جعل الأطفال يتسرّبون من المدارس نحو أسواق العمل والذي شجّعه التجار وأصحاب العمل وذلك لرخص يدهم العاملة وسهولة السيطرة عليهم. إذ تشير تقديرات عام 2004 للأمم المتحدة أن أكثر من (200 ) مليون طفل يعملون في ظروف مرعبة فهم يجبرون على الدخول في عالم العبودية و الاسترقاق أو على الانخراط في براثن الدعارة والإباحة أو المشاركة في النزاعات المسلحة أو الأنشطة غير المشروعة الأخرى، علما أن غالبية هؤلاء الأطفال لم يبلغوا السن القانوني لهذه الأعمال. الشكل ( 4 ) .
كما وتشير التقديرات إلى أن مليون طفل يدخلون قطاع العمل كل عام . إن في هذا النوع من الممارسات لا يستطيع الطفل أن يحمي نفسه من أصحاب العمل الذين يحاولون استغلالهم بدافع المادة أو التهديد.
الشكل ( 4 ) استغلال الأطفال في الأعمال المختلفة
4- العنف في مراكز الرعاية والمؤسسات الحكومية والقانونية:
يقصد بمراكز الرعاية : روض الأطفال ومراكز رعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة , أما المؤسسات الحكومية والقانونية فيقصد بها السجون والمراكز الإصلاحية.
يعيش الملايين من الأطفال في مؤسسات رعاية الأيتام ( الشكل 5 ) بالإضافة السجون و المدارس الإصلاحية . وهم يتعرضون إلى العنف من قبل المشرفين والمسؤولين عن هذه المراكز ولهذا السبب هناك تكتـّم شديد على هذه الممارسات ولا توجد إحصاءات دقيقة عن هؤلاء الأطفال إذ أن القائمين على حماية الأطفال هم أنفسهم الذين يمارسون العنف معهم وبالتالي لا يسمحون لأجهزة الرقابة والتفتيش بممارسة عملها على أكمل وجه حيث أنهم يتعرضون للمضايقات ناهيك عن تهديد الأطفال بالضرب إن أفشوا سرّ الممارسات العنيفة ضدهم.
ويشمل العنف في هذه المراكز كل أنواع ( الضرب باليد والعصي و الإهانات وعزلهم في غرف خاصة ناهيك عن التعذيب الجسدي الذي يتعرض له الأطفال في مراكز الشرطة والأجهزة الأمنية . إن لهذه الممارسات انعكاسات سلبية ملحوظة على الفرد الذي يؤثر بدوره على المحيط الذي يعيش فيه والذي سندرسها لاحقا.
الشكل ( 5 )
5 - العنف في المجتمع:
إن صور مختلفة قد تدنوا إلى ذهننا عندما نتكلم عن مصطلح مجتمع العنف , ومن هذه الصور إطلاق النار على عصابة في الشارع أو حالة حرب طائفية .
إن مجتمع العنف يمكن تعريفه بأنه مجمل أعمال العنف التي يرتكبها أفراد ضد أشخاص ليس لهم أية علاقة اتصال مع الضحية مثل ( العصابات - الانقسامات العرقية والطائفية - المخدرات - دعارة - استغلال - فوضى ..... الخ ).
إن هذا الشكل من العنف ينتشر في المجتمعات بشكل فظيع وخاصة في المجتمعات ذات الدخل المنخفض والمجتمعات التي تسودها التخلف نتيجة للظروف الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تشكل بيئة الطفل . حيث إن العنف في هذه المجتمعات يستمد جذوره من القضايا المرتبطة بنوع الجنس والاستعباد وعدم وجود الرعاية الأولية والمعايير المجتمعية التي لا تحترم حقوق الطفل مثل البطالة والإدمان والجريمة والهروب من العقوبة والقانون وثقافة الصمت.
رابعا ً - العوامل المسببة لإساءة الأطفال:
إن انتشار ظاهرة العنف ضد الأطفال أصبحت حقيقة ولا يمكن تجاوزها فالعنف الجسدي والجنسي والنفسي , علاوة عن الإهمال المتعمد من قبل الأبوين أصبحت ظاهرة خطيرة , لأنها تؤدي إلى حدوث أضرار تمتد آثارها إلى المستقبل القريب.
لذلك لابد من التعرف على ماهية العوامل المسببة للعنف , إذ أن هذه العوامل متعددة ومتشابكة ومنها:
1- العوامل الأسرية:
قد لا يصدق أن هناك آباء أو أمهات يربـّون العنف في أطفالهم , ولكنها حقيقة لا يمكن تجاهلها. إن حرمان الأطفال من رعاية وحنان الأبوين وانخفاض مستوى الوعي لدى الأبوين والتمسك بالعادات والتقاليد الأسرية والخلافات الأسرية أو المعاملة التمييزية ضمن الأسرى بالإضافة إلى الوضع المعاشي للأسرى وغيرها من العوامل تكون سببا وجيها لتنشئة العنف في نفس كل فرد من أفراد الأسرة.
2 - عوامل اجتماعية:
إن الضغوط الاجتماعية على الأطفال وعلاقة أفراد المجتمع لها آثارها الواضحة على الأفراد وان كانت هذه الآثار اقل وضوحا عن الأسرية , فإن فشل الأطفال عن إنشاء صداقات مع أقرانهم تؤثر سلبا على مهاراتهم الاجتماعية والمعرفية واللغوية وتقلل من ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين وتنمّي مشاعر العنف في نفوسهم.
3 - عوامل قانونية:
إن انعدام السلطة والقانون في المجتمع يكون سببا لانتشار الفوضى والفساد وبالتالي انعدام الأمن والاستقرار والعيش في غابة يملؤها الوحوش , فيها القوي يستغل الضعيف والغني يستعبد الفقير.
4 - عوامل اقتصادية:
إن سوء الأوضاع الاقتصادية تحول دون الوصول إلى الرغبات المراد الوصول إليها , وبالتالي تخلق اليأس في النفوس وبالتالي اللجوء إلى كل الوسائل المباحة والغير مباحة في سبيل الوصول إلى هذه الرغبات سعيا لحياة أفضل مليئة بالأمل.
5 - عوامل فكرية:
إن ازدياد نسبة الأمية والتخلف في المجتمع وسلب الآراء وكبح الحريات تحد من التفكير السليم لدى الطفل وبالتالي اكتساب ثقافة العنف.