غض النظر عن أهداف دراسات التناقض فإنها قد ساعدت على إثراء كنز المعطيات الاثنولوجية في العالم، كما أسهمت في ظهور الكثير من الأفكار النظرية. كذلك أوضحت أن درجة التغير في مجال الثقافة المادية أسرع بكثير من مجالات الثقافة غير المادية. وفي الوقت نفسه أوضحت هذه الدراسات أن العناصر الثقافية الجديدة لا تجد تقبلاً متشابهاً في مجموعها عند الجماعات المختلفة وذلك بفضل تأثير المدى الواسع للاختيار عند المجتمعات الإنسانية.
التطورية الجديدة
يمثل الاتجاه التطوري، كما أوضحنا، أحد أقدم المحاولات وأكثرها انتشارا لتفسير تطور الثقافة. ونعنى بالاتجاه التطوري تلك الفلسفة الاجتماعية التى تمتد جذورها إلى منظري القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من أمثال فيكو، وسبنسر، والتي وجدت تطبيقاً لها في الأنثروبولوجيا على يديّ مورغان وتايلور. ولا شك أن مناهج الاتجاه التطوري ونظريته الأنثروبولوجية لم تظل جامدة منغلقة منذ بزوغها إذ تعرضت لتعديلات عديدة. وعلى الرغم من أن القليل من علماء الأنثروبولوجيا منْ يصنف نفسه تطورياً فإنه يلاحظ أن أفكار هذا الاتجاه تمثل عناصر ذات ثقل معلوم في كل المحاولات اللاحقة والحالية لتفسير تطور الثقافة.
بدأت عملية إحياء النظرية التطورية الأنثروبولوجية مجدداً في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين المنصرم على يديَّ ليسلى هوايت (1900-1975). وبرزت التعبيرات الأكثر تجلياً واتساعا للتطورية الجديدة في أعمال تلامذته بخاصة سيرفيس وسالينس. تأثر هوايت كثيراً بكتابات مورغان داعياً إلى عدم استخدام النظم الأوروبية أساساً لقياس التطور، وضرورة محكات أخرى يمكن قياسها وتقليل الأحكام التقديرية بشأنها. أكدَّ هوايت في كتابه "علم الثقافة" الذى نشره عام 1949 أنه من المهم ألا تقتصر النظرية التطورية على تعيين مراحل معينة لتسلسل نمو الثقافة وإنما لا بدَّ من إبراز العوامل التى تحدد هذا النمو وفي رأيه أن عامل "الطاقة" هو الذى يمثل المحك الرئيس لتقدم الشعوب. ويمكن تحديد أبرز العناصر الرئيسة للاتجاه التطوري الثقافوى الجديد التى عبر عنها ليسلى هوايت في النقاط التالية:
1- الالتزام بمبدأ الحتمية المادية.
2- الثقة في إمكانية صياغة قوانين ثقافية.
3- استخدام بعض مفاهيم نظريَّة التطور الداروينية.
يعتمد دعاة التطوريَّة الجديدة في تحليل تطور الثقافة على أشكال مختلفة من "التناظر الوظيفي العضوي". إنهم ينظرون إلى المجتمعات الإنسانية، مثلها مثل كافة الكائنات البيولوجية ، بحسبانها منتجة للتنوع، لكنه التنوع الثقافي الذى يظل فاعلاً على مدى الأجيال وفق الكفاءة الديناميكية الحرارية التفاضلية للمجموعات الثقافية المتنافسة بعضها مع البعض الآخر. هنا يتضح بجلاء استخدام التطور وفقاً للمفاهيم الداروينية. كان داروين قد شرح في كتابه "أصل الأنواع" الصادر في عام 1859 مفهومه للتطور، وهو مفهوم يمكن اختزاله في الخمس النقاط التالية:
1- إن كل الأنواع قادرة على إنتاج نسل بصورة أسرع مما هو عليه الحال بالنسبة للزيادات في إنتاج الموارد.
2- تظهر كل الكائنات الحية تنوعات، فليس من فردين للنوع الواحد متشابهين تماماً.
3- بما أن عدد الأفراد الموجودين أكثر مما يفترض بقاءه فإن صراعاً مريراً ينشأ تكون الغلبة فيه لأولئك الأفراد الذين يؤلفون نوعاً إيجابياً كماً، وقوة، ومقدرة على الجري أو أية خصائص أخرى ضرورية للبقاء.
4- تنتقل تلك التنوعات الإيجابية بالوراثة إلى الجيل اللاحق (وهذه فرضية خاطئة تقبلها داروين عن لامارك).
5- تنتج تلك الأنواع الناجحة، على مدى فترات من الزمن الجيولوجي، اختلافات تؤدى إلى ظهور أنواع جديدة.
كذلك يؤكد بعض التطوريين الجدد على جدوى تطبيق مفهوم "الارتقاء" على التاريخ الثقافي حيث يرى سيرفيس وسالينس أن "التطور يرادف الارتقاء: الأشكال الأعلى تنمو من الأشكال الأدنى وتقضى عليها". كذلك نجد أنهما يقولان بإمكانية قياس الارتقاء موضوعياً عبر "المصطلحات الوظيفية والبنيوية التى تمَّ تمثُلها في التنظيم الأعلى". وقد لخصا هذه العلاقة في ما أطلقا عليه تسمية "قانون السيادة الثقافية" الذى ينص على أن "النظام الثقافي الذى يستغل مصادر الطاقة المتوفرة في محيطه بكفاءة أعلى سيظهر قدرته على الانتشار في ذلك المحيط على حساب الأنظمة الأقل كفاءة … وأن النظام الثقافي يُظهر ميلاً للنشوء تحديداً في تلك البيئات التى تمكنه من تحقيق عائد طاقة أعلى لوحدة العمل أكثر من أية أنظمة بديلة أخرى". وكان ليسلى هوايت قد افترض بأن الثقافات تتطور عندما تزداد كمية الطاقة التى تستخدمها، أى وبمعنى آخر فإن المضمون التقني في ثقافة ما يحدد الكيان الاجتماعي، واتجاهاته الأيديولوجية، فمثلاً نجد أنه في المجتمعات التى يستخدم أفرادها قدراً محدداً من الطاقة تنشأ عندهم نظم دينية وسياسية واقتصادية أقل تعقيداً من تلك التى تتكون في مجتمعات تكثر فيها وتتنوع استخدامات الطاقة والإمكانيات التقنية.
وجه نقد للاتجاه التطوري الجديد لإهماله المنجزات التى حققتها نظرية التطور البيولوجية الحديثة. وقد رأى البعض أن الاتجاه التطوري الجديد هو اتجاه لاماركى في جوهره وذلك من حيث أن التطوريين الجدد لا يعيرون سوى قليل اهتمام إلى الأصول الأولى للتنوع الثقافي، بل يقترحون أن التنوع هو في الأساس، تواتر احتياجات مدركة بالحواس، بوعي أو بدون وعى، وهو ما يعنى النظر إلى اتجاه التغير الثقافي كوظيفة للتنوع الأولى أكثر منه نتاجاً للاصطفاء الطبيعي. يكون الناس من منطلق مثل هذا الفهم في حالة سعى للتكيف أكثر من كونهم كائنات متكيفة. وقد أشار دنل وفينيك إلى أن "البيئة في التطور العلمي تكون فاعلة من خلال الاصطفاء الطبيعي أو من خلال التنوع غير محدد الاتجاه لإنتاج التوجه الظاهر للتغير في مستويات أعلى. لكنه ووفق الاتجاه التطوري الجديد فإن البيئة تتحكم مباشرة في خلق التنوع".
هكذا يركز الاتجاه التطوري الجديد اهتمامه على صياغة تيبولوجيات أكثر من تركيزه على اختبار التنوع الإمبيريقى، وكذلك فإنه يهمل مفهوم الاصطفاء الطبيعي بافتراضه مساراً محدد الاتجاه للسجل التطوري. لكل ذلك أظهر الاتجاه التطوري الجديد عجزاً في إنتاج قوانين أو قواعد للتعاقب يمكن عن طريقها تفسير تطور الثقافة. لكنه رغم الإخفاقات فإن عناصر الاتجاه التطوري الجديد وجدت انعكاسا لها في المعالجات المطروحة لتطور الثقافة ونشوئها، بخاصة المعالجة الايكولوجية الثقافوية ونظيرتها المادية الثقافوية تحديداً في استخدام المعالجتين لمفهوم "التكيف" بديلاً لمفهوم "الاصطفاء الطبيعي".
الاتجاه الثقافوي المادي
يكاد أن يكون أي تفسير معاصر للتطور الثقافي مدين بقدر كبير من عناصره للفكر الماركسي. ويلاحظ وجود ثلاث مدارس رئيسة في الأنثروبولوجيا المعاصرة تدعى كلها الارتواء من نبع الإيحاء الماركسي: المادية الثقافوية، والبنيوية الماركسية، والمادية الجدلية. وتؤلف المدارس الثلاثة في جماعها جزءاً كبيراً من البنية النظرية للتحليل المعاصر للتطور الثقافي وهو ما يفرض علينا تناولها بالشرح والتوضيح وبالتحليل. نرى أن نبدأ عرضها بتناول المعالجة المادية الثقافوية وذلك لأنها تشكل تبسيطاً للمعالجتين الأخرتين . ورغم الاختلافات العديدة في مجال المصطلحات والفرضيَّات والمنهج، فإنَّ الاتجاه المادي الثقافوى يتميز ببنية منطقية تعكس الكثير من أوجه الشبه بالبنية المنطقية للاتجاه الايكولوجي الثقافوى فالاتجاه الأخير يفسر التباين بين الثقافات المختلفة للشعوب في إطار التنوع البيئي كما يهتم بالكشف عن الكيفية التى تؤثر فيها الثقافة على تكيف الأفراد مع ما قد يحدث في البيئة من تغيرات جذرية. ولا تقتصر البيئة لدى دعاة الاتجاه الايكولوجي الثقافوى على المحيط المادي فقط وإنما تشتمل أيضاً على كل ما يحيط بالإنسان من كائنات حية، سواء من نوعه أو مختلفة عنه وتترابط جميعها في نسق متكامل، أطلقوا عليه مصطلح "النسق الايكولوجي" الذى أصبح مجالاً لدراساتهم المركزة. ويعطى الايكولوجيون الثقافويون أهمية خاصة لمناهج تصميم البحوث ووسائل جمع المادة، والاستعانة بمفاهيم العلوم ذات اللغة ومناهجها (مثل علم الأحياء، والتغذية، والطب والسكان، والعلوم الزراعية)، وذلك بقصد تشكيل تصور عن أنماط التفاعل بين البيئة والكائنات الحية. نتيجة ذلك أصبح هذا الاتجاه مشابهاً لنظرية التطور الحيوي الذى قد يفسر عمليَّة التكيف ولكنه يعجز عن التنبؤ أو تحديد منشأ التغير أو أسبابه. وبما أن معالجتنا للاتجاه المادي الثقافوى تنطبق أساسياتها على الاتجاه الايكولوجي الثقافوى فإننا سنكتفي بالتعرض لتحليل الأول فقط.
يفترض الاتجاه المادي الثقافوى كما يفسره أحد أكثر دعاته حماساً، مارفن هاريس "أن تكون الأسبقيَّة المنهجيَّة موجهة للبحث عن قوانين للتاريخ في علم الإنسان" ، وذلك على أرضية تناول منهجي ابستمولوجى منطقي وضعي، مع إدراك هاريس للنقد الموجه إلى بعض جوانب الوضعية المنطقية. وينحصر دين هاريس لهذه الابستمولوجيا المركبة في التركيز على "الأحداث، والوحدات، والعلاقات التى يمكن إدراكها عبر عمليات إمبيريقية منطقية واستقرائية استدلالية، وقابلة للقياس، وخاضعة للتجربة عن طريق ملاحظين مستقلين".
ينتحل هاريس في تفسيره للتطور الثقافي تقسيم كارل ماركس الثلاثي للمجتمع الإنساني: القاعدة، والبنية، والبنية الفوقية. ويرى هاريس أنَّ كل تغير ثقافي وكل المجتمعات يمكن تحليلها من خلال أنماط الإنتاج (أي النظم الاقتصادية وتقنيات الإعاشة)، وأنماط إعادة الإنتاج (أي أنماط التزاوج وأساليب التحكم في السكان)، والاقتصاد السياسي (أي الطبقة والطائفة والحرب)، والبنية الفوقية (أي الفن والدين). تتمفصل تلك الوحدات في البنية التحتية لتكون أنماط الإنتاج وإعادة الإنتاج، والبنية التى تشمل الاقتصاد المنزلي والسياسي، والبنية الفوقية. ويرى هاريس أن الأساس الذى يربط تلك الوحدات هو أن أنماط الإنتاج وإعادة الإنتاج تعمل "محتماً احتماليا" للاقتصاد المنزلي وللاقتصاد السياسي الذين يعملان بدوريهما "محتماً احتماليا" للبنية الفوقية.
لا يشكل هذا المبدأ بالنسبة لهاريس وللماديين الثقافويين قانوناً وفق مفهوم قانون نيوتن، لكنه يشكل في الغالب إستراتيجية للبحث يمكنها أن توفر إمكانية للوصول إلى فهم يقوم على نواميس الطبيعة والمنطق مثل مبدأ الاصطفاء الطبيعي في نظرية داروين. ويقول هاريس أنه بترجمة هذا المبدأ بحسبانه إستراتيجية للبحث فإن "مبدأ الحتمية التقنية-البيئية هذا يفترض أن تكون الأولوية لدراسة الشروط المادية للحياة بالقدر نفسه الذى يفترض فيه مبدأ الاصطفاء الطبيعي أن تكون الأولوية لدراسة النجاح التفاضلي النهائي في إعادة الإنتاج".
ومن ثم ينصب اهتمام هاريس في تفسيره للتطور الثقافي على رصد التغيرات وتفسيرها، أي التغيرات في أنماط الإنتاج وأنماط إعادة الإنتاج والتي يمكنها، وفق شروط معينة، أن تنتج تحولات في البنية والبنية التحتية. ويتم التعبير عن تلك التحولات، في رأى هاريس، عبر ظهور المجتمعات القائمة على أساس التراتب الطبقي والتي يكون فيها الاستحواذ غير المتساوي على الثروات والسلطة هو السمة المميزة، وعبر ظهور ديانات رسمية، واقتصاديات الاعتماد الدولي، والحروب المتكررة. ويصر هاريس على التأكيد بأنه لا يدعو إلى إنشاء ربط آلي أو ثابت وغير متغير بين كل من البنية التحتية والبنية الفوقية يمكن من خلاله التكهن بالظواهر الثقافية كما هو الحال في الميكانيكا الحرارية. ويتمسك هاريس بأن عناصر البنية والبنية التحتية بإمكانها أن تنجز، بل وتنجز بالفعل ، بعض مقاييس السببية المستقلة بحيث تبدو العلاقة بين البنية التحتية والبنية الفوقية في أي مجتمع – لأغراض التحليل – علاقة تغذية متبادلة (راجعة) يمكن ترجمتها وفق نظرية الأنظمة.
لدى تفسيره لنشوء الأشكال الأولى للتكوينات الزعامية القبلية (المشيخات) والدول يؤكد هاريس على التداخل يبن البيئات الطبيعية وإمكانيات بنى الإنسان على إعادة الإنتاج. ويلاحظ أن هاريس يحدد الأشكال الاجتماعية وفقاً للتركيبات المعيارية التطورية الثقافوية. ويرى هاريس بأن تواتر الأحداث والعلاقات التى تؤدى إلى إنتاج كل المجتمعات المعقدة المبكرة تبدو كالتالي:
أدت التحولات المناخية التى شهدها عصر البليستوسين المتأخر مع تزايد الكثافة السكانية وسط أفراد بنى الإنسان إلى استنزاف الموارد النباتية والحيوانية بحيث تُظهر نسبة التكلفة / الفائدة المرتبطة بنشاط الصيد وجمع الغذاء تحولاً لمصلحة النشاط المرتبط بالزراعة وتربية الحيوانات. أدت تلك الظروف الناشئة إلى "اصطفاء" الاقتصاديات الزراعية والتجمعات المستقرة بما مكن المجموعات التى خاضت التجارب لتبنى الاقتصاديات الزراعية واقتصاديات الرعي من التكيف وإنجاز عملية إعادة إنتاج نفسها على حساب مجموعات الصيد وجمع الغذاء المتنقلة وغير المستقرة.
ويستثنى هاريس البيرو وبعض المناطق الأخرى التى شهدت نشوء أنماط حياة مستقرة مع تزايد في الكثافة السكانية رغم عدم ظهور اقتصاديات زراعية. يرى هاريس أن الظهور اللاحق للثقافات المعقدة قد جاء نتاجاً لتلك المجتمعات الزراعية المبكرة التى نشأت في بيئات ايكولوجية واجتماعية سمحت بإنجاز نمو طبيعي تحول من خلاله فرد واحد إلى زعيم مسئول عن اتخاذ قرارات حيوية تتعلق بتكثيف الإنتاج، وإعادة توزيع الموارد، وإدارة شئون الحرب والتجارة. بمجرد ظهور هذا النوع من الفرد "الإداري" يندفع المجتمع، تحت ضغوط التنافس مع المجتمعات المجاورة، وتحت ضغط النمو السكاني إلى درجات أعلى فأعلى للإنتاج المكثف والتراتب الاجتماعي. يكتب هاريس " تُظهر مثل تلك الأنظمة نزعة للتحرك من الأشكال المتساوقة لإعادة الإنتاج إلى أشكال غير متساوقة يحتفظ فيها الموزعون بالمزيد من المنتوج لفترات أطول فأطول … تتوقف الإسهامات في نسب إعادة التوزيع الاقتصادي تدريجياً عن أن تكون طبيعية … سريعاً ما تتحول إلى ضرائب في تلك اللحظة تصبح المشيخات على عتبة التحول إلى دول".
ويطرح هاريس فرضية تقول بأن الكثير من الدول المبكرة استخدمت الحرب والتوسع العسكري أدواتاً رئيسة للتحكم في النمو السكاني إذ بمجرد أن تتكون الدول فإنها تستمر في النمو بسرعة طالما أن المجتمعات المجاورة الأقل تعقيداً لا تملك سوى واحد من خيارين: إما أن تستسلم أو أن تتطور في الاتجاه نفسه.
ويفسر هاريس المسارات التطورية المختلفة للدول المبكرة، إلى حد كبير، باللجوء إلى استخدام عناصر النمو الايكولوجي الزراعي مثل المقدرات الأعلى على تكثيف إنتاج الحبوب وتطوير إستراتيجيات الرعي في جنوب شبه الجزيرة العربية مقارنة بالمحاصيل الجذرية والخنازير البرية، بمعنى توضيح الحدود الايكولوجية لنشوء المجتمعات الزراعية المبكرة بدقة إذ أنه بمجرد الوصول إلى كثافة سكانية معينة يصبح لدى الناس حافز قوى إما لتكثيف المنتوج تجنباً للمجاعة، أو إلى الهجرة إلى مناطق ذات كثافة سكانية أقل نسبة لمحدودية إمكانياتها الزراعية، بالتالي إلى مستوى معيشي أدنى.
إذا انتزعنا بعض المصطلحات الماركسية الكامنة في تفسير هاريس للتطور الثقافي فإن تفسيره سيبدو مشابهاً للتحليلات المعُبر عنها في المعالجات الايكولوجية الثقافوية من حيث التركيز على المحتم التقني البيئي، وعلى أهمية الضغوط السكانية، وبوجه عام نظرة للتطور الثقافي كما انعكست في العديد من الحلول المتعاقبة لإشكالات الموارد المتناقصة والكثافة السكانية المتزايدة والتنافس. ومن ثم نرى أن الانتشار الواسع لمثل هذه الأفكار يفرض علينا إجراء مراجعة نقدية دقيقة لمنطق المادية الثقافوية والمعالجات اللصيقة الأخرى.
مثلاً فإن البينة الآثارية المتوفرة حالياً تتعارض مع بعض الاستنتاجات التى توصل إليها هاريس بشأن انقراض الصيد (الحيوانات الضخمة) في عصر البليستوسين. كذلك تشكك البعض من الباحثين في أهمية الضغوط السكانية بالنسبة لنشوء الثقافات المبكرة, إنَّ التفسيرات الوظيفية هي حجج تشير إلى وجود بعض عناصر / أو مركب عناصر في نظام بعينه تسهم في التنافس التكيفي لذلك النظام. من هذا المنطلق يفسر هاريس ظهور الزعماء في المجتمعات المعقدة المبكرة على ضوء المهام الإدارية التى يتم إنجازها من خلال هذه "الزعامة". ويواجه هذا النوع من التفسير قدراً من المحدوديَّة التى تتمثل في مشكلة الغائية المتساوية إذ أنه وبالنسبة لكل إشكالية تكيفية تطرحها بيئة ثقافية أو أية بيئة أخرى غيرها فإنه يمكن تصور بدائل وظيفية محتملة حلاً لتلك الإشكالية. فلماذا، على سبيل المثال، لم تطبق المجتمعات الزراعيَّة المبكرة تحكماً سكانياً أكثر صرامة، أو أن تنشئ مؤسسات تعاونية أو ديمقراطية أو مساواتية للتعامل مع مشكلاتها بدلاُ عن إنتاج "حل" تمثل في الزعماء؟ يقدم الماديون الثقافويون عادة إجابة يعتمدون فيها على تحليل النزعات النفسية، أو على تحليل التكلفة / الفائدة بالنسبة للاحتمالات الممكنة المختلفة ليدللوا على أن الزعماء (أو أية عناصر أخرى) هي الأكثر كفاءة. إن هذا الدفع يحتوى، في تقديرنا، على ما أسماه ليونتين في نقده الذى وجهه إلى البيولوجيا الاجتماعية بالفكرة الخاطئة القائلة بأن "المتقدم لهذا الغرض بالذات هو الفاعلية المكتملة".
يكون هذا "الخطأ المنطقي" أكثر وضوحاً عادة في العلوم البيولوجية في حالة العديد من التجارب التى يتم من خلالها عزل جانب من تاريخ حياة الكائن الحي بحسبان أن ذلك الجانب يؤلف إشكالية تستوجب حلاً. ومن ثم، وبطريقة نموذجية، يتم تحديد ما قد يكون حلاً أمثلاً للإشكالية عبر التحليل الهندسي في حالة محددات بيئية معينة. ويقاس الكائن الحي لتحديد مدى توافق السمة المعينة مع الحل الأمثل. في حالة النتيجة إيجاباً تصاغ حجة مقبولة توضيحاً لكون ظهور السمة إنما هو استجابة للإشكالية. أما في حالة النتيجة سلباً، أي بمعنى وجود تباين بين السمة من جانب والحل الأمثل من جانب ثان، فإنه يتم البحث عادة عن إشكالية ثانية … وثالثة سعياً لمعرفة ما إذا كان جزء من السمة يُظهر توافقاً مع إشكاليات عديدة، أو أن يكون، احتمالا، استجابة لمركب طاقة مختلف جداً. ويرى ليونتين، أنه في حالة توقر قدر من البراعة والمجهود الكافيين، سيكون ممكناً بهذه الطريقة مطابقة أية سمة لإشكالية تكيفية بحيث تكون النتيجة الحقيقية في نهاية المطاف عدم اختبار أي شئ.
يشكل هذا "الخطأ المنطقي" عنصراً مركباً في العديد من التحليلات المادية الثقافوية والايكولوجية الثقافوية. عادة ما يلجأ الايكولوجيون الثقافويون إلى وصف البيئات الطبيعية والثقافية القديمة لاستقراء الإشكاليات التكيفية التى يفترضون حلاً لها في الزعماء والحروب وما إلى ذلك.
الاتجاه البنيوي الماركسي
يقف البنيويون الماركسيون في مقدمة ركب الناقدين للاتجاهين المادي الثقافوى والإيكولوجى والثقافوى. تلجأ التفسيرات البنيوية الماركسية للتطور الثقافي إلى استعارة الكثير من المفاهيم التى أسسها كارل ماركس وفردريك إنجلز مثل مفهومي نمط الإنتاج والطبيعة الجدلية للتاريخ ويشمل مفهوم نمط الإنتاج بالنسبة لماركس كل من قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج. ويرى ماركس أنه على أساس قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج تنشأ عناصر البنية وعناصر البنية الفوقية بحيث يصبح ممكناً تفسير التاريخ والتطور الثقافي من خلال تحليل أنماط الإنتاج المتبدلة. ومع أنَّ العديد من أنصار الاتجاهين المادي والثقافوى البنيوي الماركسي يظهرون قدراً من الاتفاق بشأن تعريف لقوى الإنتاج انطلاقا من مصطلحات تقنية بيئية أساسية (على سبيل المثال المناخ، والأنظمة الزراعية، والآليات … إلخ).
إلا أن القول بكون علاقات الإنتاج الاجتماعي وقوتها هي التى تحدد جوانب المجتمع الأخرى وتحتمها ظل إشكالية خلافية منذ فجر بزوغ التركيب الماركسي. بدون الخوض في خضم التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع المعقد والشائك نقول بأن معظم البنيويين الماركسيين يؤكدون على مقولة كون علاقات الإنتاج الاجتماعي هي التى تحتم شكل المجتمع ومحتواه وتاريخه. فعلى سبيل المثال يفسر فريدمان علاقات الإنتاج بحسبانها "تلك العلاقات التى تحتم الدورة الاقتصادية لعملية الإنتاج المادي في ظل شروط تقنية وإيكولوجية معينة في مرحلة معينة من تطور القوى المنتجة". ويعدد فريدمان نماذج الأشياء التي تحتمها علاقات الإنتاج الاجتماعي:
1- الاستفادة من البيئة في إطار الحدود التى تطرحها الإمكانيات التقنية.
2- تقسيم الأدوار في عملية الإنتاج، بمعنى من يقوم / ومن لا يقوم بالعمل الجسمانى.
3- أشكال الاستحواذ على الفائض الاجتماعي وأشكال توزيعه وكيفية استخدام الفائض الاقتصادي.
4- قيمة محسوبة اجتماعياً لنسبة الفائض والربح؟
هكذا يجادل فريدمان بأنه لا يمكن فهم أنماط التغير الاجتماعي وإدراكها بإرجاع الأدوار السببية الرئيسة إلى النمو السكاني وايكولوجيا الإنتاج الزراعي وغيرها من عناصر التقنية البيئية. وفي هذه النقطة تحديداً يتركز اعتراض فريدمان ونقده الموجه للمعالجات المادية الثقافوية والتحليلات الايكولوجية الثقافوية.
ويعبر سالينس عن الفكرة ذاتها من خلال محاولاته التأكيد على قوة عناصر البنية والبنية الفوقية على تحديد ظواهر البنية التحتية وذلك عبر اختبار المركبات "غير المنطقية إطلاقاً" في المجتمعات المعاصرة، ويتساءل عن الأسباب الكامنة وراء النظرية العاطفية لعلاقة الأمريكيين بالكلاب والخيول وتجنبهم أكل لحومها في الوقت الذى لا يوجد لديهم تحفظ تجاه أكل ملايين الأبقار . ويقول سالينس أن هذه الحقيقة قد تثبت عبث المحاولات الهادفة إلى تحليل الظواهر الثقافية وفق منظور يعزو أهمية قصوى للاقتصاد كما هو ملاحظ في المعالجات المادية الثقافوية والايكولوجية الثقافوية. ويرى سالينس "أن الظروف والجدوى المادية توجد بالنسبة للناس لا كحقيقة طبيعية وإنما كمركب ثقافي … الظروف الطبيعية لقابلية التطبيق (القوى الاصطفائية) تؤلف مجرد عوائق سلبية … حدود للإمكانيات الوظيفية التى تظل غير متجددة بالنسبة لجيل من الأشكال الثقافية المعنية". لهذا السبب يفترض سالينس أنه لا يمكن تفسير استعمال لحم الخنزير في مالينبزيا، أو أكل لحوم البشر عند الازتيك، أو نشوء المشيخات الأولى في بلاد ما بين الرافدين انطلاقا من متغيرات ديموغرافية أو ايكولوجية أو اقتصادية.."لا يستطيع الفرد منا أن يقرأ مباشرة من الظروف المادية إلى النظام الثقافي كما يقرأ من السبب إلى النتيجة أو من المتغيرات التقنية البيئية لا تمارس تأثريا بل أن كل شئ يعتمد على الطريقة التى تتداخل بها تلك الخصائص ثقافياً لتعطي تنظيماً له معنى من خلال نمط للتنظيم الثقافي". تحدد كل ثقافة تفاضلياً تلك الأشياء مثل "الصلة الوثيقة بين كافة الموارد الممكنة" وهى التى تحدد طريقة استخدام المورد وكثافة استغلاله وفق المنطق الثقافي الخاص بها.
وقد تمَّ التعبير عن مثل هذا الموقف، أي كون أنماط الإنتاج في أي مجتمع محدد تكون مركبة بصورة فريدة وفق المنطق الثقافي للمجتمعات التى توجد بها تلك الأنماط، في معظم التحليلات البنيوية الماركسية. هكذا نجد أن فريدمان يفترض أن نمط الإنتاج الواحد نفسه في المجتمعات المختلفة لا بدَّ وأن يتكيف مع بيئته الاجتماعية المعينة التى يؤدى فيها وظيفته. وبما أنَّ كل مجتمع يمكن أن يشكل خليطاً لأنماط إنتاج مختلفة تؤسس فيما بينها علاقات متنوعة داخل المجتمع، فإنه لا يمكن ظهور نمط إنتاج معين في "شكل نقى". يسود في كل من فرنسا وإنجلترا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية نمط إنتاج رأسمالي، لكن يلاحظ أن التركيبات الاجتماعية في تلك البلدان تقوم على أنماط إنتاج متضاربة في علاقاتها بعضها بالآخر.
يعتمد تحليل ماركس للتاريخ على الافتراض بأنَّ التاريخ هو صيرورة جدلية تشتمل على توترات متعاقبة للفرضية، ونفي الفرضية (الفرضية المضادة)، والتركيب الذى ينفي الفرضية المضادة لكنه يحمل سمات الفرضية والفرضية المضادة ويحافظ عليها لكن في مستوى أعلى. المثال الذى اهترأ لكثرة استخدامه هو مثال البذرة (الفرضية) التى تنشأ عنها النبتة (الفرضية المضادة) وعودة النبتة إلى بذرة، لكن هذه المرة ببذرات عديدة (التركيب). في كل المواد التاريخية العينية – أي في الواقع الفعلي – يمكن ملاحظة هذه الصيرورة الجدلية التى تكون نتيجتها المسار الصاعد للتاريخ. الجانب التطوري تم توضيحه في أعمال انجلز لكنه كان أكثر تجلياً في كتابات ماركس "في مرحلة معينة من تطورها تدخل قوى الإنتاج المادي للمجتمع في صراع مع علاقات الملكية التى كانت فاعلة في إطارها. من أشكال لتطور القوى المنتجة تتحول تلك العلاقات إلى قيود تكبلها. حينها يبدأ عصر الثورة الاجتماعية". بالنسبة لماركس فإنَّ التطور الثقافي يحدث لا عبر تواتر مراحل مرتبة مسبقاً بل عبر انحلال المجتمعات عن طريق العملية الجدلية. لا يمكن لنمط الإنتاج المعين تبديل نفسه إلى نمط آخر طالما أنه يحتوى على تناقضات ستؤدى إلى فنائه.
ما هو، إذن، دور التحليل التاريخى؟ يرى أحد دعاة البنيوية الماركسية، وهو الأنثروبولوجي ليجروس، أن الدور يتمحور حول إنشاء نظريَّة لنمط إنتاج معين ومن ثم استخدماها لتحليل أوجه الشبه ومظاهر الاختلاف في المجتمعات المعاصرة والمنقرضة … "التطور العام من الممكن شرحه فقط في حالة التأكيد على المتطلبات الأساسية لكل نمط إنتاجي حيث أنه وللكشف عن جذور نمط إنتاج س لا بدَّ من الكشف عن / أو إعادة تركيب الشروط التاريخية التى ظهرت فيها متطلبات س سوياً في وقت متزامن". ويرى لجروس أن مفهوم نمط الإنتاج وفق المحتوى الذى يستخدمه فيه ماركس يرتبط بالطبيعة الجدلية للتاريخ. ويمثل نمط الإنتاج في رأى ليجروس "معياراً متميزاً بالنسبة لعلم التاريخ، ويسمح لنا بتركيب تواتر تطوري، أي تعاقب لأنماط الإنتاج".
الإتجاه المادي الجدلي
النموذج الثالث للمعالجات الماركسية لإشكالية التطور الثقافي يتمثل في الاتجاه المادي الجدلي. معظم الكتابات المتخصصة المعتمدة في تحليلاتها على منطق المادية الجدلية قد تشربت بالتفسير للماركسية اللينينية كما قدمه جوزيف ستالين. ينطلق هذا التفسير من مفهوم التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية بحسبانه معياراً موضوعياً للمقارنة بين الأنظمة الثقافية، وتشخيص تلك المرحلة من مراحل التطور التاريخى التى تجتازها. يبيح ذلك إمكانية الكشف عن الظواهر العامة للأنظمة الثقافية في هذه البلدان، كما يبيح في آن واحد تمييز الاختلافات السائدة بينها داخل نطاق التشكيلة نفسها، فكل تشكيلة من التشكيلات الاجتماعية- الاقتصادية هي كيان ثقافي خاص له قوانينه الخاصة لنشوئه وتطوره وتحوله إلى تشكيلة أخرى. ومن المسائل التى تعود إلى بنية التشكيلة هي مسألة الترابط بين القاعدة والبناء الفوقي، بين الاقتصاد والسياسة. إن نمط الإنتاج المعين هو أساس كل تشكيلة من التشكيلات، فإذا حل محل هذا النمط نمط آخر للإنتاج فإن هذا يؤدى إلى حلول تشكيلة محل تشكيلة أخرى. وحينما يتغير مستوى نمط الإنتاج ودرجة تطوره تتغير تبعاً لذلك مراحل تطور التشكيلة نفسها، ولكن إلى جانب نمط الإنتاج السائد الذى يعين وجه التشكيلة المعينة ويظهرها، فمن المحتمل أن توجد هناك داخل التشكيلة، وهى موجودة فعلاً، أنماط خاصة من اقتصاد رواسب نمط الإنتاج القديم، أو سمات تشير إلى بوادر نمط الإنتاج الجديد.
ومن ثم تأتى القراءة التى قدمها ستالين في كتابه "المادية الجدلية والمادية التاريخية" لتقول بتعاقب خمس تشكيلات اجتماعية اقتصادية أساسية: النظام المشاعى البدائي، ونظام الرق، والنظام الإقطاعي، والنظام الرأسمالي، وأخيراً النظام الشيوعي الذى تمثل الاشتراكية مرحلته الأولى. تعاقب التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية هذه هى مسيرة التطور التاريخى والمراحل الأساسية لتقدم الثقافة.
ومن ثم فإن كتابات دعاة الاتجاه المادي الجدلي تبدو بمثابة تمارين نمذجية (تيبولوجية) في معظمها يتم فيها الإسدال على انتماء هذا أو ذاك من المجتمعات المعروفة حالياً أو من واقع السجل الآثارى إلى أي من التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية المذكورة. وكثيراً ما يشير أصحاب الاتجاه المادي الجدلي إلى خطأ زملائهم غير الماركسيين أو الماركسيين غير الملتزمين بمنطق الاتجاه المادي الجدلي لاستخدامهم نماذج (تيبولوجيات) اجتماعية تقسم المجتمعات وفقاً، لما يراه الماديون الجدليون، خصائص ثانوية وتافهة. هذا في الوقت الذى يتبنى فيه الماديون الجدليون تفسيراً لنمذجتهم (تيبولوجياتهم) الخاصة وفق مصطلحات الجدل التاريخى. فعلى سبيل المثال نلاحظ أن علماء الآثار الماديين الجدليين يختبرون، لدى معالجتهم لمجتمعات بلاد الرافدين القديمة، المعطيات بحثاً عن بينات تشير إلى أنماط الإنتاج، وتوزيع الفائض الاقتصادي، ودرجة الاستغلال الاقتصادي الخ. انه في حالة استثناء هذه المفاهيم فسنلاحظ أنَّ العديد من تلك التحليلات المادية الجدلية لا تيدو مختلفة كثيراً عن الدراسات الايكولوجية الثقافوية للمادة نفسها.
لقد أسهم علماء الآثار الماديون الجدليون ولا شك في إثراء التحليل الحديث للتطور الثقافي. إلا أن الموقف النظري العام لمعظم أعمالهم ينحصر في قناعتهم بأن الإجابة على الأسئلة الهامة الخاصة بإشكالية تطور الثقافة قد تم تقديمها ولم يتبق أمام البحث العلمي سوى التعرف على البينة التى تثبت صحة النظرية السياسية الماركسية اللينينية من واقع المعطيات الاثنوغرافية والآثارية.
أخيراً يمكن القول بإيجاز أن التحليلات والتفسيرات الوظيفية التى تقدمها المادية الثقافوية والإيكولوجيا الثقافوية تلجأ في معظمها إلى وصف غير مثبت للكيفية التى أدت بها المجتمعات القديمة وظائفها.
تؤكد معظم التحليلات التى قدمت لمنطق التحليل الوظيفي على حقيقة الدور المفيد الذى يمكن أن يقوم به بالنسبة لوصف المعطيات، ولاستحداث المزيد من البحث المفيد، لتوجيه الاهتمام إلى شكل مهم من البينات (علم النبات الإحاثى). لكنه من جانب آخر فإنه لا يمكن لهذا التحليل أن يقدم تفسيرات شاملة للأصول أو القوانين الثقافية التى يعتقد الكثيرون بأنها تؤلف هدف الأنثروبولوجيا الحديثة. ويبدو أن البنيويين الماركسيين والماديين الجدليين يشاطرون زملاءهم الماديين الثقافويين والإيكولوجيين الثقافويين هذا الفشل.
.
Invision Power Board 2001-2009 Invision Power Services, Inc.