منتدى طلبة سيدي بلعباس لكل الجزائريين والعرب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


    بين علم الاجتماع والفولكلور

    avatar
    HALIMHARD
    ๑ღ๑ مشرف قسم العلوم الإجتماعية والإنسانية ๑ღ๑
    ๑ღ๑ مشرف قسم العلوم الإجتماعية والإنسانية ๑ღ๑


    عدَد مشآرڪآتے• : 32
    نْـقٌـآطُـيَـے• : 82
    تقييےـم الأَعْضآء لكـَ • : 1
    تخصُصِے الدرآسے• : دكتور في علم اجتماع التنمية ومتحصل على ماجستير العلوم السياسية والدراسات الدولية
    مْــزًاآجٍـے• : جيد
    مدًينتِيـے• : الامل
    عآـمْے بلدِيْے • : الجزائر
    sms : دكتور في علم اجتماع التنمية ومتحصل على ماجستير العلوم السياسية والدراسات الدولية
    بين علم الاجتماع والفولكلور Hhhop10

    زهرة بين علم الاجتماع والفولكلور

    مُساهمة من طرف HALIMHARD 2010-03-30, 05:25

    فطر الله أذهان بعض خلقه على الابتكار والنفاذ إلى جوهر الأشياء والظواهر واستنكاه حقيقتها . ومن هؤلاء عالمنا العربي عبد الرحمن بن خلدون المغربي مولدا والحضرمي أصلاً إذ لم يدع علماً من علوم عصره إلا وكتب عنه في مقدمته الشهيرة التي انطوت على معظم العلوم آنذاك . فثمة البذور والبدايات لعلوم متعددة منها : التاريخ والاجتماع والجغرافية والآثار والكيمياء والطب ( والفولكلور) وسواها من التخصصات التي استقلت في زمن لا حق ولم تكن زمن ابن خلدون إلا بدايات ممتزجة متداخلة ببعضها ولقد أتيح للفكر العربي أن ينضج وتتألق ثماره وإنجازاته خلال القرن الثامن الهجري ، وما ابن خلدون ومصنفه الذي اطلق عليه : ( كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ) أسوة بمؤلفي عصره إلا خلاصة مركزة للفكر العربي يوم ذاك ، إذ تتجلى الملامح الرئيسة التي تميز ذلك القرن عن سواه من مراحل تاريخ الفكر العربي .

    وستقف هذه الدراسة عند جانب يشكل ظاهرة في مقدمة ابن خلدون ألا وهو المعتقدات الشعبية لمجتمعه وعصره التي لم يكتف الكاتب بأن يسردها ، بل كان له موقف منها يشبه أحيانا بعض المواقف المستجدة في هذا العصر ولا سيما حين يقف ابن خلدون عند ظاهرة السحر ، وهو يسمي السحر وبعض ما يتعلق به علوماً ويعرفها بأنها : (( علوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية والأول هو السحر والثاني هو الطلسمات )) (1) وفي هذا القول إشارة ضمنية إلا أن مبعث مثل هذه العلوم هو القصور التقني الآلي للإنسان حيث يهرع إلى هذه الوسائل كي يغير في عناصر الطبيعة من حوله . وابن خلدون يؤكد هذه الفكرة حين يذكر أن مظاهر السحر المذكورة تبغي إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى
    (( بالقوة النفسية وليس بالصناعة العملية ))(2) ، لقد حام ابن خلدون حول المعنى الذي طالما ذكرته كتب ( الانثروبولوجيا ) و( الفولكلور ) في العصر الحديث وهو أن لجوء الإنسان إلى الطقوس السحرية الموافقة للأسطورة إنما يأتي استجابة لواقع العجز الآلي للإنسان أمام جبروت الطبيعة وعواصفها وجفافها ومظاهرها المتغيرة الأخرى (3) .


    ويورد ابن خلدون نمطاً ثالثاً للسحر يقول عنه : (( والثالث تأثير القوى المتخيلة ، يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف ، ويلقي فيها أنواعا من الخيالات والمحاكاة وصوراً مما يقصده من ذلك . ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوى نفسه المؤثرة فيه فينظر الراؤون كأنها في الخارج ، وليس هناك شيء من ذلك )) (4) وابن خلدون في هذا النمط من السحر كأنه يومئ إلى قوى الإيحاء النفسي عند بعض الناس تأثيراً أو تأثراً ، وما التنويم المغناطيسي إلا مظهر من مظاهر هذا الإيحاء النفسي . ونلمح في إشارة عالمنا العربي عبدالرحمن في النص السابق إلى الخيالات والمحاكاة والصور المعبرة عن هدف الساحر في النمط الثالث المذكور مما يقترب من سحر المحاكاة الذي قال به بعض علماء ( الانثروبولوجيا ) ولا سيما جيمس فريزر صاحب الكتاب الشهير ( الغصن الذهبي ) الذي ضم حشداً من المظاهر الاسطورية والخرافية للشعوب المتخلفة في هذا العصر وفي العصور الغابرة حيث تلخص تلك الممارسات والمعتقدات الاسطورية مراحل مر بها الإنسان الأول وقد انبثت بقاياها وجذورها في معتقدات إنسان هذا العصر وأفكاره وبعض تقاليده وممارساته ولا سيما في مناسباته المهمة كالولادة والختان والزواج والموت ، وجيمس فريزر يقسم السحر إلى نمطين ، الأول : سحر المحاكاه الذي يقوم فيه الساحر بتقليد الظاهرة التي يود تحقيقها في عالم الطبيعة فيصب الماء على جسده في العراء ظنا منه أن الغيث سوف يستجيب لمثل هذه الممارسة وهو يرمز للعدو بشيء ما ويوقع الضرر في ذلك الشيء الذي يحاكي به العدو فيحصل الضرر – كما يعتقد الإنسان الأول – في العدو نفسه . وأما النمط الآخر فهو السحر الاتصالي الذي لسنا بصدد التفصيل فيه في هذه الدراسة (5) .

    ومن نافلة القول أن نذكر أننا لا نجد مثل هذا التفصيل لدى عالمنا العربي ابن خلدون ، فالعالمان من عصرين مختلفين بيد أن ثمة إشارات في مقدمة ابن خلدون تومئ إلى ما يقترب من هذا (( وبقي من آثار ذلك في البراري بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك . ورأينا بالعيان ( هذا يعني أن ابن خلدون يطّلع بنفسه على مثل هذه المظاهر السحرية ) من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه وحاوله )) (6) . وثمة من السحرة يوم ذاك من يمارسون نمطاً من السحر الذي يحدث التأثير المطلوب عن بعد (( وشاهدنا أيضاً من المنتحلين للسحر وعمله من يشير إلى كساء أو جلد ويتكلم عليه في سره فإذا هو مقطوع
    متخرق )) ( 7) . وهذا النمط من السحر موجود لدى الشعوب عامة ويدعى السحر
    ( التلباثي ) (
    telepathy ) أو سحر التخاطر (8) .

    ويفرق ابن خلدون بين ما يراه عيانا من الممارسات السحرية وما يسمع به إذ يورد (( وسمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه ويقع ميتاً ، وينقلب عن قلبه فلا يوجد في حشاه .. وكذلك سمعنا أن بأرض السودان وأرض الترك من يسحر السحاب فيمطر الأرض المخصوصة )) (9) وينم أسلوب الكاتب في عرض هذه المادة المسموعة عن أنه لا يصدق شيئاً من هذا بل يورده على أساس أنه من طريف ما يذكر بشأن مثل هذه الظاهرة السحرية .

    وابن خلدون يقف عند معتقدات أصحاب ( الطلسمات ) بشأن خواص بعض الحروف والاعداد حيث يقول (( وكذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب الأعداد المتحابة وهي راء ، كاف ، راء ، فاء ، دال ، وأحد العددين ( 220) والآخر (284) . ومعنى المتحابة إن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف وثلث وربع وسدس وخمس وأمثالها إذا جمع كان مساوياً للعدد الآخر ... فتسمى لأجل ذلك المتحابة ، ونقل أصحاب الطلسمات أن لتلك الأعداد أثراً في الألفة بين المتحابين واجتماعهما إذا وضع لهما مثالان أحدهما بطالع الزهرة وهي في بيتها أو شرفها ناظرة إلى القمر نظر مودة وقبول )) (10) .

    والصلة التي يعقدها ما يدعى بعلم التنجيم بين النجوم والبشر يمكن أن تدخل في إطار سحر المحاكاه المشار إليه في سطور سابقة وفي هذا الشأن يورد عالم الأنثروبلوجيا ( تايلور ) (( وترتكز قواعد التنجيم في أساسها على الرمزية المباشرة ، وبالتالي على التداعي والمماثلة . وتظهر هذه الرمزية المباشرة بشكل واضح في مبدأ حساب الطوالع على أساس وقت الميلاد . إذ المظنون أن ثمة علاقة قوية مباشرة بين الكواكب أو النجم الذي كان طالعاً في السماء من الشرق وقت مولد الطفل وبين الطفل نفسه وأن لذلك كله علاقة قوية أيضاً بحياة الطفل ومستقبله ومصيره .. ويعتمد المنجمون في إقامة قواعد وأصول علم التنجيم على المماثلات التي يشاهدونها أو التي يفترضون قيامها بين الأشياء وكذلك بين الأسماء
    المتشابهة )) (11) ويذكر صاحب المقدمة الرأي القائل بهذه الصلة بين الناس والكواكب إذ تعزى في عصر ابن خلدون إلى بطليموس (( وأما بطليموس ومن تبعه من المتأخرين فيرون دلالة الكواكب على ذلك دلالة طبيعية من قبل مزاج يحصل للكواكب في الكائنات العنصرية قال لأن فعل النيرين وأثرهما في العنصريات ظاهر لا يسع أحد جحده مثل فعل الشمس في تبديل الفصول وامزجتها ونضج الثمار والزرع وغير ذلك وفعل القمر في الرطوبيات والسماء وإنضاج المواد
    المتعفنة )) (12) .


    ويبدأ ابن خلدون بمناقشة بطليموس وأصحابه إذ يقول بذهنه الاستدلالي القائم على المنطق (( هذا محصل كلام بطليموس وأصحابه وهو منصوص في كتابة ( الأربع ) وغيره ومنه يتبين ضعف مدرك هذه الصناعة وذلك أن العلم الكائن أو الظن به إنما يحصل عن العلم بجملة أسبابه من الفاعل والقابل والصورة والغاية على ما يتبين في موضعه والقوى النجومية على ما قرروه إنما هي فاعلة فقط والجزء العنصري هو القابل ، ثم أن القوى النجومية ليست هي الفاعل بجملتها بل هناك قوى أخرى فاعلة معها في الجزء المادي مثل قوة التوليد للأب والنوع الذي في النطفة ... فالقوى النجومية إذا حصل كمالها وحصل العلم فيها إنما هي فاعل واحد من جملة الأسباب الفاعلة للكائن .. وإن اختصاص كل كوكب بقوة لا دليل عليه . ومدرك بطليموس في إثبات القوى للكواكب الخمسة بقياسها إلى الشمس غالبة لجميع القوى من الكواكب ومستولية عليها ، فقل أن يشعر بالزيادة فيها أو النقصان منها عند المقارنة كما قال ، وهذه كلها قادحة في تعريف الكائنات الواقعة في عالم العناصر بهذه الصناعة . ثم إن تأثير الكواكب فيما تحتها باطل إذ قد تبين في باب التوحيد أن لا فاعل إلا الله بطريق استدلالي كما رأيته )) (13) .

    ولا يكتفي ابن خلدون بذلك بل يحتج برأي أهل علم الكلام حيث تتخلص وجهة النظر الإسلامية بقوله : (( واحتج له علم الكلام بما هو غني عن البيان من أن إسناد الأسباب إلى المسببات مجهول الكيفية . والعقل منهم على ما يقضي به فيما يظهر بادئ الرأي من التأثير . فلعل استنادها على غير صورة التأثير المتعارف والقدرة الإلهية رابطة بينهما كما ربطت جميع الكائنات علواً وسفلاً سيما والشرع يرد الحوادث كلها إلى قدرة الله تعالى ويبرأ مما سوى ذلك . والنبوات أيضاً منكرة لشأن النجوم وتأثيراتها واستقراء الشرعيات شاهد بذلك في مثل قوله ( يقصد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ) : إن الشمس والقمر لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته )) (14)




    ما فعلت هذه السماء
    وجاء سبت وأربعاء
    إلا عباديد أو إماء
    ومالها في الورى اقتضاء
    ما شأنه الجرم والفناء
    ما جلب البيع والشراء (15)




    ياراكب الخنس الجواري
    مر خميس على خميس
    ما هذه الأنجم السواري
    يقضى عليها وليس تقضي
    ضلّت عقول ترى قديما
    والكسب لم أدر فيه إلا


    ومن طريف ما يورده ابن خلدون قصيدة أبي القاسم الروحي التي تعزز ما هو بشأنه ، ونقتطف منها هذه الأبيات :















    وإذا كان بعض علماء الأنثروبولوجيا والفلكلور يرى أن السحر مرحلة مر بها الذهن البشري – إبان طفولته – ولذلك دعاه بعضهم العلم الكاذب ( ( Pseudo - science(16) فإن ابن خلدون يقف في مقدمته أكثر من مرة كي يبطل عبر المنطق والاستدلال صوره المختلفة و ممارساته وأشكاله وليس أدل على بطلان السحر أو بعض مظاهره في التنجيم من هزيمة رستم ورايته أمام منطق الحق والصواب على الرغم من أن رايته قد حفلت بضروب السحر التنجيمي الخائب (17) ومن ذلك إن ابن خلدون يناقش الطلاسم السحرية التي لها القدرة على أن تستخرج الأموال التي خزنها الاقدمون في باطن الأرض (( إعلم أن كثيراً من ضعفاء العقول في الأمصار يحرصون على استخراج الأموال من تحت الأرض بطلاسم سحرية لا يفض ختامها ذلك إلا من عثر على علمه ... وقد تناقل أهل المغرب قصيدة ينسبونها إلى حكماء المشرق تعطى فيها كيفية العمل بـــ( التغوير) بصناعة سحرية تراه فيها وهي هذه




    إسمع كلام الصدق من خبير
    حارت لها الأوهام في التدبير
    والرأس رأس الشبل في التقوير
    في الدلو ينشل من قرار البير
    عدد الطلاق احذر من التكرير
    تربيعه أولى من التكوير
    واقصده عقب الذبح بالتبخير
    أو أحمر من خالص التحمير
    ويكون بدء الشهر غير منير
    في يوم سبت ساعة التدبير(18)





    يا طالباً للسر في التغوير
    فإذا أردت تغور البئر التي
    صورّ كصورتك التي أوقفتها
    ويداه ماسكتان للحبل الذي
    وبصدره هاء كما عاينتها
    ويكون حول الكل خط دائر
    واذبح عليه الطير والطخه به
    ويشده خيطان صوف أبيض
    والطالع الأسد الذي قد بينوا
    والبدر متصل بسعد عطارد
























    ويرى ابن خلدون أن هذه القصيدة من تمويهات المتخرفين ، وهو يعزو ما يدعى بالتغوير الذي يرى غالب الأموال الدفينة في مجرى النيل إلى الكسل والرغبة في تحقيق الربح الخارق دون جهد أو مشقة . وهو مما لا يمكن تحقيقه في هذه الحياة ، وإذا ما حصل من باب المصادفة لبعضهم فإن اطّراد مثل هذا لبقية الناس يدخل في باب الاستحالة . ومن الأفضل للعاقل أن يطلب المال من أبواب الرزق المعروفة .

    وينسب ابن خلدون بعض مظاهر السحر إلى رغبة الإنسان في معرفة مستقبله وما سيقع له في قابل أيامه . وربما طمح الإنسان إلى معرفة حظه في هذه الدنيا وما سيربحه أو سيخسره فيها (( إعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوق إلى عواقب أمورهم وعلم ما يحدث لهم من حياة وموت وخير وشر سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا ومعرفة مدد الدول أو تفاوتها والتطلع إلى هذا طبيعة مجبولون عليها ، ولذلك تجد الكثير من الناس يتشوقون إلى الوقوف على ذلك في المنام والأخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك من الملوك والسوقة معروفة. ولقد نجد في المدن صنفاً من الناس ينتحلون المعاش من ذلك لعلمهم بحرص الناس عليه فينتصبون لهم في الطرقات والدكاكين يتعرضون لمن يسألهم عنه فتغدو عليهم وتروح نسوان المدينة وصبيانها وكثير من ضعفاء العقول يستكشفون عواقب أمرهم في الكسب والجاه والمعاش والمعاشرة والعداوة وأمثال ذلك ، ما بين خط في الرمل ويسمونه المنجم ، وطرق في الحصى والحبوب ويسمونه الحاسب ، ونظر في المرايا والمياه ويسمونه ضارب المندل وهو من المنكرات الفاشية في الأمصار لما تقرر في الشريعة من ذم ذلك . وأن البشر محجوبون عن الغيب إلا من أطلعه الله عليه من عنده في نوم أو ولاية)) (19)

    ومن ذلك إن صاحب المقدمة يورد قصائد مطولة منظومة في معرفة المستقبل و كم من عام ستكمث هذه الأرض ومتى يحل يوم القيامة مما لا يعرفه بنو البشر وعلمه مقصور عليه جلّ شأنه بدلالة قوله تعالى ( قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله ) (20) . وتدعى مثل هذه القصائد الملاحم . وهي ليست الملاحم بوصفها جنساً أدبياً عريقاً (21) بل بمعنى القصيدة التي تستشرف مستقبل البشرية . وابن خلدون يقف منها مواقف الرافض . على إنه قد لا يشير إلى رفض بعضها صراحة لأنها شائعة في عصره وتنسب لبعض الأولياء . يقول ابن خلدون (( وقفت بالمشرق أيضاً على ملحمة من حدثان دولة الترك منسوبة إلى رجل من الصوفية يسمى الباجر يقيّ وكلها ألغاز بالحروف أولها :




    إن شئت تكشف سر الجفر ياسؤلي
    فافهم وكن واعياً حرفاً وجملته
    أما الذي قبل عصري لست أذكره
    بشهر بيبرس يبقى بعد خمستها
    شين له أثر من تحت سرته
    فمصر والشام مع أرض العراق له





    من علم جفر وصيّ والد الحسن
    والوصف فافهم كفعل الحاذق الفطن
    لكنني أذكر الآتي من الزمن
    بحاء ميم بطيش نام في الكنن
    له القضاء قضى أي ذلك المنن
    وأذر بيجان في ملك إلى اليمن















    وأبياتها كثيرة والغالب أنها موضوعة . ومثل صنعتها كان في القديم كثير ومعروف الانتحال )) ( 22) .

    ويتوضح غرض ابن خلدون من إيراد مثل هذه الملاحم في حكاية الوراق الذكي ( الدانالي )الذي كان يضحك على الأمراء ويبتز أموالهم إذ يبل الأوراق ويكتب فيها بخط عتيق يرمز فيه بحروف من أسماء أهل الدولة ويثير بها إلى ما يعرف ميلهم إليه من أحوال الرفعة والجاه كأنها ملاحم ، ويحصل على ما يريده منهم من الدنيا وأنه وضع في بعض دفاتره ميماً مكرره ثلاث مرات وجاء بها إلى مفلح مولى المقتدر فقال له : هذا كناية عنك وهو ( مفلح مولى المقتدر ) وذكر عنه ما يرضاه ويناله من الدولة ونصب على ذلك علامات يموه بها عليه فبذل له ما أغناه به ، ثم وضعه للوزير ابن القاسم بن وهب على مفلح هذا وكان معزولاً فجاءه بأوراق مثلها . وذكر اسم الوزير بمثل هذه الحروف وبعلامات ذكرها وأنه يلي الوزارة للثاني عشر من الخلفاء وتستقيم الأمور على يديه . ويقهر الأعداء وتعمر الدنيا في أيامه . وأوقف مفلحاً هذا على الأوراق وذكر فيها كوائن أخرى وملاحم من هذا النوع مما وقع ومما لم يقع ونسب جميعه إلى دانال ، فأعجب به مفلح ووقف عليه المقتدر واهتدى من تلك الأمور والعلامات إلى ابن وهب وكان ذلك سبباً لوزارته بمثل هذه الحيلة العريقة في الكذب والجهر بمثل هذه الألغاز . والظاهر أن هذه الملحمة التي ينسبونها إلى الباجريقي من هذا النوع (23) .

    ويحاول ابن خلدون في مقدمته أن يربط بعض مظاهر السحر في عصره كعلم التنجيم والتغوير والرمل والمندل ... الخ بجذرها في العصر الجاهلي مما دعي بالكهانة والعرافة (( فأما الناظرون في الأجسام الشفافة من المرايا وطساس المياه وقلوب الحيوان وأكبادها وعظامها وأهل الطرق بالحصى والنوى فكلهم من قبيل الكهان إلا إنهم أضعف رتبة في أصل خلقهم . لأن الكاهن لا يحتاج في رفع حجاب الحس إلى كثير معاناة . وهؤلاء يعانونه بانحصار المدارك الحسية كلها في نوع واحد منها وأشرفها البصر . فيعكف على المرئي البسيط حتى يبدو مدركه الذي يخبر به عنه))(24) . وهو يناقش مدارك الكاهن وما يتاح له أن يفعله حين يشغل سامعيه بالكلمات المؤثرة بجرسها المسجوع وإيقاعها المألوف (( ولا يقوى الكاهن على الكمال في إدراك المعقولات لأن وحيه من وحي الشيطان . وأرفع أحوال هذا الصنف أن يستعين بالكلام الذي فيه السجع ليشغل به عن الحواس ويقوي بعض الشيء ذلك الاتصال الناقص ... فربما صدق ووافق الحق وربما كذب )) (25) .

    ويستدل ابن خلدون بالحوار الذي دار بين الرسول المصطفى (صلى الله عليه وسلم واحد الكهان ( ابن صياد ) الذي كان ممن هداهم الله للإسلام حيث سأله الرسول الكريم كيف ياتيك هذا الامر – يعني الكهانة – قال : يأتيني صادقاً وكاذباً (26) ولقد كان للكهان دورهم زمن الجاهلية إذ كان العرب يهرعون إليهم (( في تعرف الحوادث ويتنافرون إليهم في الخصومات ... واشتهر منهم في الجاهلية شق بن أنماربن نزار وسطيح بن مازن بن غسان ، وكان يدرج كما يدرج الثوب ولا عظم فيه إلا الجمجمة ... ورؤيا الموبذان التي أولها سطيح لما بعث إليه بها كسرى عبد المسيح فأخبره بشأن النبوة وخراب ملك فارس وهذه كلها
    مشهورة )) (27) .


    ويبدو أن العرافين ينهجون نهجاً آخر غير نهج الكهان في إدراكهم إذ ليس لهم ذلك الاتصال فيسلطون الفكر على الأمر الذي يتوجهون إليه ويأخذون فيه بالظن والتخمين ، وقد جاء ذكرهم في شعر العرب :






    فإنك إن داويتني لطبيب




    فقلت لعراف اليمامة داوني










    جعلت لعراف اليمامة حكمه
    وقالا شفاك الله والله ما لنا




    وعراف نجد إن هما شفياني
    بما حملت منك الضلوع يدان


    وقال شاعر آخر :









    وعراف اليمامة هو رباح بن عجلة . وعراف نجد الأبلق الأسدي (28)

    ويعود عالمنا العربي ابن خلدون إلى الرمل بوصفه مادة لفن شعبي شائع يوم ذاك فيناقش مرتكزاته الواهية وأساسه الرملي (( ومن هؤلاء قوم من العامة استنبطوا باستخراج الغيب وتعرف الكائنات صناعة سموها خط الرمل نسبة إلى المادة التي يضعون فيها عملهم .. واستنبطوا من ذلك فناً حاذوا به فن النجامة ونوع فضائه إلا أن أحكام النجامة مستندة إلى أوضاع طبيعية كما يزعم بطليموس وهذه إنما مستندها أوضاع تحكيمية وأهواء اتفاقية ودليل يقوم على شيء
    منها )) (29) .


    وفيما ذكره ابن خلدون عن الرمل صورة من رفضه لهذا النمط من السحر وسواه استناداً إلى الأدلة والمنطق . لاسيما أن أصحاب الرمل يستدلون على مصير الإنسان ومستقبله من الأوضاع التي يتخذها الرمل حين يخط السحرة فيه خطاً يرمزون فيه إلى درب الإنسان وما سيلاقيه في حياته (( ثم يحكمون على الخط كله بما اقتضته أشكاله من الشعوذة والنحوسية بالذات )) (30) . وابن خلدون يطلق على هذه الممارسة صناعة مرة وفناً مرة أخرى ويشير إلا أنها تشيع في المدن أو العمران على حد تعبيره وهو يعجب بكثرة التأليف فيها بحيث اشتهر بها أعلام من المتقدمين والمتأخرين في حين إنها ليست من العلم في شيء (( فهي كما رأيت تحكم وهواء . والتحقيق الذي ينبغي أن يكون نصب فكرك أن الغيوب لا تدرج بصناعة البتة ولا سبيل إلى تعرفها إلا لخواص من البشر ))(31) . وفيما أورده صاحب المقدمة عن الرمل عودة إلى الإستدلال والذهن المنطقي الذي يرفض ما يعتقد به الناس يوم ذاك ويعزو الظاهرة إلى أسبابها الحقيقة فما تلك الممارسات سوى فنون مبتدعة هدفها الحصول على الربح دون جهد وهو ربح غير حلال إذ يقوم على الخداع والتضليل ويدعي ما ليس في قدرته أو استطاعته .

    ومن مظاهر المعتقد الشعبي ما يدعى بــ ( حساب النيم ) وهو ممارسة سحرية أخرى يدعي الساحر أنه يعرف من خلالها الغالب والمغلوب من الملوك أو القواد المتحاربين ويتم ذلك بأن تحسب حروف اسم القائدين وحسب الأرقام التي تعطى لكل حرف . وهي أرقام قد تعتمد في استنباط البرج الذي ينتمي إليه المولود استنادا إلى حروف اسمه واسم أمه وتحسب على أساس حروف أبجد من الواحد إلى الألف آحاداً وعشرات ومئين وألوفاً . فإذ حسبت الاسم وتحصل لك منه عدد فاحسب اسم الآخر كذلك ثم اطرح من كل واحد منهما تسعة تسعة واحفظ بقية هذا وبقية هذا ثم انظر بين العددين الباقيين من حساب الاسمين فإن كان العددان مختلفين في الكمية وكانا معاً زوجين أو فردين فصاحب الأقل منهما هو الغالب وأن كان أحدهما زوجاً والأخر فرداً فصاحب الأكثر هو الغالب وأن كانا متساويين في الكمية وهما معا زوجان فالمطلوب هو الغالب . وإن كانا معا فردين فالطالب هو الغالب ويقال هنالك بيتان في هذا العمل اشتهرا بين الناس وهما :






    أرى الزوج والإفراد يسمو أقلها
    ويغلب مطلوب إذا الزوج يستوي






    وأكثرها عند التخالف غالب
    وعند استواء الفرد يغلب طالب (32)











    ومن الواضح إن مثل هذه التعقيد في معرفة الغالب والمغلوب من المتحاربين ينفع الساحر في التبرير حين يفشل في معرفة نتيجة الحرب فيعزو هذا الفشل إلى الخطأ في الحساب . وهي مسألة ثمة ما يشابهها في الممارسات السحرية كافة .

    وعلى نهج ابن خلدون في عرض المعتقد الشعبي حينذاك والتوغل في تفاصيله ومن ثم مناقشته وإعطاء رأي حاسم بشأنه يتعرض لما يدعى بــــ ( حساب النيم ) الذي يدعي معرفة المنتصر والخاسر في ميدان الحروب قبل وقوعها إذ يقول: (( وهذه كلها مدارك للغيب غير معزو إلى أرسطو عند المحققين لما فيه من الآراء البعيدة عن التحقيق والبرهان يشهد بذلك تصفحه إن كنت من أهل
    الرسوخ )) (33) . وهذا ملمح من ملامح فكر ابن خلدون وأسلوبه في إيصال هذا الفكر ، إذ يحاور القارئ ويحاول أن يستنهض ذهنه ويوقظه كي لا تغلبه الرغبة في معرفة المستقبل عبر وسائل غير منطقية فيجد نفسه من المتورطين في مثل هذه الممارسات التي لا تليق بالعاقل . وإنما يعزو أصحاب مثل هذه الأعمال السحرية وينسبونها لأرسطو طاليس أو بطليموس وسواهما كي يسبغوا عليها طابعاً منطقياً لما عرف عن هذين العالمين الاغريقيين من علم ومنطق ولا سيما أرسطو طاليس الذي عرف عند العرب بالمعلم الأول وهي شهادة من العرب الذين قادوا الفكر الحضاري زمن زهو الحضارة العربية الإسلامية وإشارة إلى ابتعادهم عن التعصب و إلا لنسبوا كل العلوم إلى أنفسهم . ولكن دواعي النزاهة والموضوعية تدعو إلى أن لا يبخسوا الناس أشياءهم وهو خلق إسلامي عريق أشار إليه جل شأنه في محكم كتابه المجيد (34) .


    ولعل من المعروف أن نذكر أن علم الكيمياء بدأ ببعض مظاهر السحر الهادفة إلى صيرورة الفضة ذهباً والنحاس والقصدير فضة بوساطة وصفات سحرية تجمع فيها أشياء في غاية الغرابة والتناقض . فهذه المعادن تفقد خواصها وتستحيل إلى معادن أخرى مطلوبة حين تعالج بما يدعى بـــ ( الحجر المكرم ) الذي اختلف بشأنه (( فهل هو العذرة أو الدم أو الشعر أو البيض أو كذا أو كذا مما سوى
    ذلك )) (35) . ولا يكتفي ابن خلدون بالرؤية النظرية لمثل هذه الأعمال السحرية بل يلجأ إلى ميدانها بين الناس وإلى العقلاء والنخبة منهم يحاورهم بشأنها بهدف إقناعهم بزيفها (( ففاوضت يوماً شيخنا أبا البركات التلفيقي كبير مشيخة الأندلس في مثل ذلك وأوقفته على بعض التآليف فتصفحه طويلاً ثم رده إلى وقال لي : وأنا الضامن له أن لا يعود إلى بيته إلا بالخيبة )) (36) .


    ويبحث ابن خلدون في جذر هذه الممارسة السحرية التي تلجأ إلى المعادن وتطمح إلى تغيير طبيعتها الجوهرية وإلى الباعث الحقيقي لذلك فيورد (( وأكثر ما يحمل على التماس هذه الصناعة وانتحالها هو كما قلناه : العجز عن الطرق الطبيعية للمعاش وابتغاؤه من غير وجوهه الطبيعية كالفلاحة والتجارة والصناعة ))(37) . وإذا كانت هناك آراء تنقل عن ابن سينا وإنه رفض هذه الصناعة وقال باستحالتها وهو ما يعتقد به ابن خلدون على وجه الدقة فان ثمة آراء أخرى تنسب إلى الفارابي تشير إلى إمكانية أن تغادر المعادن طبيعتها إلى معادن أخرى مطلوبة لنفاستها . ويعلل ابن خلدون ذلك تعليلاً طريفاً إذ يقول : (( فإن ابن سينا القائل باستحالتها كان علية الوزراء وكان من أهل الغنى والثروة والفارابي القائل بامكانها كان من أهل الفقر الذين يعوزهم أدنى بلغة من المعاش
    وأسبابه )) (38) .


    أما ما يدعوهم ابن خلدون بــ ( الدلسة ) فأنهم يموهون الفضة بالذهب أو النحاس بالفضة أو أنهم يخلطونها . وربما استغلوا الشبه بين المعادن مما قد يخفى إلا على النقاد المهرة . ويصف ابن خلدون أولئك الدلسة بأنهم أخس الناس حرفة وغالباً ما يظهر كذبهم وتقع فضيحتهم فيفرون إلى موضع آخر (39) .

    وكثيراً ما يلجأ السحرة في كل عصر إلى خلق الجو المناسب للممارسة السحرية حيث يشفع العمل السحري بالبخور أو الروائح النفاذة أو العبارات المسجوعة ذات الإيقاع القوي ذي الجرس الخاص . وربما تجري الممارسة السحرية في مكان شبه معتم . وقد يلجأ الساحر إلى بعض الحركات التي تلفت نظر الواهم الملتجئ إليه . والهدف من كل هذا إشغال بعض الحواس ( الشم والسمع والبصر ) والإيهام بأن هذه الأجواء هي جزء من إجراءات نجاح السحر . فإذا فشل السحر في تحقيق أهدافه عزا الساحر ذلك إلى خلل في تلك الإجراءات . وبعض السحرة يدعون الغياب عن الحس . ولقد رصد ابن خلدون بعض هذه المظاهر إذ يورد أن (( السحرة ومن في وضعهم يعتريهم خروج عن حالتهم الطبيعية كالتثاؤب والتمطي )) (40) .

    ومن الواضح أن العالم العربي ابن خلدون يشهد بنفسه بعض تلك المظاهر المصاحبة للسحر إذ يقول : (( وقد شاهدنا من هؤلاء من يشغل الحس بالبخور ثم بالعزائم للاستعداد ثم يخبر كما أدرك ، ويزعمون أنهم يرون الصور متشخصة في الهواء تحكي لهم أحوال ما يتوجهون إلى إدراكه )) (41) . إن السحرة حين يستعينون بمثل هذه الأجواء فان هدفهم إيهام الذين حولهم بأنهم يتصلون عبر هذه الطقوس بالقوى الغيبية التي تنتمي إلى أشرار الجن وهي قادرة على تحقيق ما يريدون ولاسيما في مجال السحر الأسود – كما يسميه جيمس فريزر – (42) وهو السحر الذي يتجه إلى إلحاق الأذى بالمنافسين والأعداء من الناس . وما هذه الطقوس الغريبة في واقع الأمر إلا جزء من محاولة الساحر في إضفاء سمة الغموض حول شخصه . وهو كثيراً ما ينعزل في الخرائب والأماكن القصية خوفاً من السلطة ولا سيما أن عقوبة الموت مهيأة للساحر منذ شريعة حمورابي قبل ما يقارب من خمسة وثلاثين قرناً من الزمان (43) . وينطبق هذا على السحرة في أوربا . فهم غالباً ما يحرقون . وليس أدل على ذلك من حرق جان دارك الثائرة الفرنسية إثر اتهامها بالسحر في عصور لاحقة (44) .

    وفيما يخص الشرع الإسلامي فإنه يحرم السحر بدلالة قصة سحرة فرعون الذين بطل سحرهم أمام المعجزة الإلهية في يد نبي الله موسى ( عليه السلام ) وقوله جل شأنه (( قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين . قال : ألقوا . فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم . وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون . فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون )) (45) . وإن هذا الموقف من الساحر سببه موقفه من الدين ومبالغاته بشأن إمكاناته الحقيقية ولاسيما إذا ما نجحت رقيته أو تميمته في شفاء مريض أو موت عدو بمحض المصادفة حين ذاك يشمخ الساحر بأنفه ويدعي ما ليس في طوقه في حين إن القدرة البشرية محدودة ولا سبيل إلى زيادتها إلا بوسائل العلم والمعرفة. وهي مما لا يعترف الساحر بها ولا يقدر عليها. وقريب من هذا ما نجده في مقدمة ابن خلدون إذ يناقش إحتمالات نجاح بعض مظاهر السحر (( إذا اتفق الصدق في أحكامها في بعض الأحايين اتفاقاً لايرجح إلى تعليل ولا تحقيق . فيلهج بذلك من لا معرفة له ويظن اطراد الصدق في سائر أحكامها ))( 46 ). حيث تشيع قدرة الساحر وتصل إلى الأسماع على وجه المبالغة والتهويل.

    إن الاستنتاج المؤكد الذي يخرج به الباحث حين يتأمل مقدمة ابن خلدون وأسلوب كاتبها في النفاذ إلى موضوع المعتقدات الشعبية وبعض مظاهر السحر وضروبه في القرن الثامن الهجري هو أن هذا العالم العربي ينطلق من ذهن منظم ومتحضر. وهو لا يكتفي بظاهر المعتقد الشعبي بل يستكنه أسراره ويعيده إلى جذوره ويبحث عن مسبباته ولا يتركه إلا بعد أن يستوفي جوانبه ويعطيه حقه. وإذا كان قد رفض كثيرا من المعتقدات الشعبية ذات الطابع الخرافي وغير المدعمة بالحجة والمنطق فإنه استثمر في ذلك الشرع الإسلامي الحنيف ومعطيات بعض علوم عصره كعلم الكلام وعلم المنطق وسواهما فضلاً عن موهبته الذهنية الفذة في التعليل والاستدلال والاستنتاج.



























    الهوامش :

    1) عبدا لرحمن بن خلدون المغربي , مقدمة ابن خلدون ، دار إحياء التراث العربي ( دون تاريخ ) : ص 496.

    2) نفسه ، ص 497 .

    3) د. صمويل نوح كريمر وآخرون ، أساطير العالم القديم ، ترجمة د . أحمد عبد الحميد يوسف ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة 1974 ، ص 7- 8.

    4) ابن خلدون صلى الله عليه وآله وسلم 497-498.

    5) جيمس فريزر ، الغصن الذهبي ، ترجمة د. أحمد أبو زيد ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر القاهرة 1971، ص 104. ويقوم السحر الاتصالي – حسب اعتقاد فريزر – على مبدأ أن الأشياء التي كانت متصلة بعضها ببعض تستمر بالتأثير بعضها في بعض من بعيد بعد أن تنفصل ( فيزيقياً )

    6) ابن خلدون ، ص 499.

    7) نفسه ، ص 499.

    8) جيمس فريزر ، ص 139.

    9) ابن خلدون ، ص 499.

    10) نفسه ، 499.

    11) د. أحمد أبو زيد ، تايلور ، دار المعارف بمصر ، القاهرة 1957. ص 87-88.

    12) ابن خلدون ، ص 520.

    13) نفسه ، ص521.

    14) نفسه ، ص 521- 522.

    15) نفسه ، ص 523 – 524 .

    16) د. أحمد أبو زيد ، ص 89.

    17) ابن خلدون ، ص 502.

    18) نفسه ، ص 386- 387.

    19) نفسه ، ص 330.

    20) سورة النمل / آية 65.

    21) الملحمة (EpIC) " قصيدة قصصية طويلة موضوعها البطولة وأسلوبها سام " مجدي وهبة ، معجم مصطلحات الأدب مكتبة لبنان ، بيروت 1974م ص140.

    22) ابن خلدون ، ص 341 .

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-11-27, 02:43