منتدى طلبة سيدي بلعباس لكل الجزائريين والعرب

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


3 مشترك

    مقالات فلسفية 3 ثانوي

    نور الإسلام
    نور الإسلام
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑


    عدَد مشآرڪآتے• : 809
    نْـقٌـآطُـيَـے• : 1359
    تقييےـم الأَعْضآء لكـَ • : 23
    تخصُصِے الدرآسے• : جامعية
    مْــزًاآجٍـے• : رائق
    مدًينتِيـے• : سيدي بلعاس
    عآـمْے بلدِيْے • : الجزائر
    sms : لا اله إلا الله
    سبحانك إني كنت
    من الظالمين فاغفر لي
    مقالات فلسفية 3 ثانوي Hhhop10
    وسام العطاء

    حصري مقالات فلسفية 3 ثانوي

    مُساهمة من طرف نور الإسلام 2010-03-06, 19:24

    الطريقة:جدلية الدرس: الطبيعة والثقافة.
    الإشكالية: هل الثقافة ما يضيفه الإنسان إلى الطبيعة أم هي ما يقابلها به؟.
    نشأ الفرد في أحضان الطبيعة وخضع لمؤثراتها وقوانين التطور الطبيعي وتكيف
    مع شتى المؤثرات الطبيعية مثل بقية الكائنات الحية ولأن الوجود الإنساني
    قائم في أساسه على الجدلية بين الثقافة والطبيعة, والإنسان بحكم طبيعته
    مطالب بتحقيق وجوده من خلال تأثيره على محيطه وهكذا عندما يقذف بالفرد في
    الجماعة فانه يأخذ في اكتساب ألوان من التصرفات المختلفة بحيث أنه يتصل
    بالثقافة وتراثها ومن هنا يتبادر إلى أذهاننا الإشكال التالي:هل هذا
    الاتصال هو عبارة عن أشياء يضيفها الإنسان إلى الطبيعة أم يقابلها به ؟
    يرى أنصار الاتجاه الذي ينادي بالإضافة أن الطبيعة ليست الحياة البيولوجية
    ولا الفيزيولوجية التي يولد عليها الفرد فحسب بل أيضا البيئة الفيزيائية
    التي يستقر فيها المجتمع، إن الثقافة متعددة المفهوم, فهي في اللغة
    الفرنسية تعني العناية بالأرض أي بفلاحتها وزراعتها ويفهم من هذا أن الأرض
    من غير ما يضاف إليها من نشاط إنساني لا تنتج شيئا يستجيب لمطالب الإنسان،
    فالثقافة إذا هي ما يضاف إلى الطبيعة الجغرافية من نباتات أو أنها تتمثل
    في منتجات الأرض, وإذا نظرنا نظرة الانثروبلوجيين قلنا بان الثقافة ما
    تنطوي عليه من لغة وتقنية ومؤسسات اجتماعية كثيرة تبقى مدة طويلة بعد موت
    الأفراد الذين أنتجوها وفي هذا السياق يقول جوزيف فغتر أن الأفراد يذهبون
    ويجيئون ولكن الثقافة تبقى مستقرة) وكأن الثقافة كل مستقل بذاته له كيانه
    وقيمته باعتبار أنها (صفة الكائنات الإنسانية مهما كان المكان الذي يحيون
    فيه أو أسلوبهم في الحياة ) على حد تعبير هوسكو فيتز، فالفرد زاد على
    البقعة الجغرافية أشياء يسميها بعضهم بالبيـــئة الاصطناعية وهي التي عملت
    على تخليده انه خالد في الطبيعة بانتاجاته الفنية ومؤلفاته الأدبية
    والعلمية ومعتقداته الدينية، إلا أن الثقافة تفقد معناها بانعدام الجنس
    البشري ونجد مارغريت مد إحدى الأنثروبيولوجيات في أمريكا ترى أن الثقافة
    عبارة عن (استجابة الإنسان لإشباع حاجاته الأساسية فهي عبارة عن الوسائل
    التي يلجأ إليها الإنسان ليعيش معيشة مريحة في العالم) إذا فالثقافة تسمح
    للمكتسب بالتلاؤم مع الوسط الطبيعي وتبقى جزءا أساسيا من الحياة
    الإنسانية.
    إن هذا الرأي رغم كل الحجج والأدلة لم يصمد للنقد لأن الواقع يشهد أن
    الإنسان لم يترك زمام مصيره للطبيعة بل أراد أن تكون له اليد الطولى في
    تقرير مصيره واستطاع بذلك الخروج من دور التاريخ الطبيعي إلى دور التاريخ
    الحضاري.
    وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار الاتجاه المنادي بالتضاد بحيث يرون أن
    الإنسان ما كان ليوجد ذلك الصرح الثقافي إلا من اجل التكيف مع البقعة
    الجغرافية ومن مظاهر
    التكيف الدفاع ضد العوامل الفيزيائية القاسية من برودة وحرارة وجبال وبحار, وكذلك خرق ستار الألغاز الطبيعية وتجاوزها.
    إن تطور العلوم وظهور الأديان أعطت السيطرة للإنسان فتطور الفرد ثقافيا
    واجتماعيا جعله ينفصل شيئا فشيئا من آثار البيئة فهو يحاول دائما ابتداع
    الكثير من الوسائل التي تمكنه من مغالبة سيطرتها ضمانا لبقائه واستقرارا
    لحياته وقد استطاعت المجتمعات أن تقهر الطبيعة وتذلل صعوباتها فشقت
    الأنفاق وجففت البحيرات وعمرت الصحاري وغيرت مجاري الأنهار, وكذلك نجد أن
    الثقافة تغير الكثير من ميولنا الفطرية وتعدل اتجاهاتنا حتى تتمشى في وفاق
    مع المجتمع ذلك لان معظم الصفات الطبيعية توجد عند الطفل في شكل قدرات
    كامنة والبيئة الثقافية هي التي تنميها وتغذيها وقد أمكن لحد كبير التدخل
    في عامل الوراثة وإخضاعه للرقابة الاجتماعية بفضل ما توفره الثقافة من
    شروط وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الثقافة تقف في وجه الخصائص
    البيولوجية الفيزيولوجية كمراقب صارم كأنها تنافس الطبيعة ويجدر بنا إذا
    أن نقابل الثقافة بالطبيعة وذلك من خلال المنجزات الايجابية التي حققها
    الإنسان فقد كان اقل من الطبيعة فأصبح أعظم منها, لا يعنيه غضبها ولا
    رضاها لقد أنقذه الدين من الخوف والعجز العقلي كما أن الفن ساعده على
    الانفلات من الواقع بفضل الخيال من اجل الترويج على النفس وتسليتها.
    هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد لأنه لا يمكن نفي الرأي الأول بالإضافة
    إلى ذلك نجد آن العلاقة تارة في صورة إضافة, وتارة أخرى في صورة مقاومة.
    انه من العسير علينا الوقوف على الحد الفاصل بين الثقافة والطبيعة
    فالتباين الذي يخيل لنا انه موجود بينهما ليس بالتباين المطلق لأن
    القوانين التي تسيطر على نمو الحياة الطبيعية هي نفسها التي تسيطر على
    تكوين الحياة الثقافية.
    وخلاصة القول يمكننا أن نقول أن الثقافة تبدو علاقتها بالطبيعة تارة في
    صورة إضافة وتارة أخرى في صورة تضاد وصراع غير انه لا يجب علينا أن نقابل
    الثقافة بالطبيعة مقابلة مطلقة لأنهما كل متكامل ومتشابك يستعصي التمييز
    فيه بين الفطري من جهة والمكتسب من جهة أخرى.
    قال البروفيسور شاربل عميد كلية الحقوق في جامعة فيينا:<<إن البشرية
    لتفخر بانتساب محمد إليها ذلك الأمي الذي استطاع أن يأتي بشريعة سنكون نحن
    الأوربيون اسعد ما نكون, لو وصلنا إلى قمتها بعد ألفي عام >>
    يقول مالك بن نبي في كتابه (مشكلة الثقافة):<< الثقافة هي ذلك الدم
    في جسم المجتمع يغذي حضارته و يحمل أفكاره (الصفوة)كما يحمل
    أفكار(العامة)و كل من هذه الأفكار منسجم في سائل واحد من الاستعدادات
    المتشابهة والاتجاهات الموحدة والأذواق المتناسبة>>.

    الطريقة:جدلية الدرس:العواطف والأهواء
    الإشكال:هل مصدر العاطفة الذهن أم الجسم ؟

    تعد العاطفة هي تلك الحالة الانفعالية المعقدة الثابتة والمستديمة وغير
    العنيفة على خلاف الهيجان وهي أنواع كثيرة, وهي كذلك استعداد انفعالي
    مكتسب ولهذا تتميز عن الميول الفطرية رغم أنها نبتت منها فهي تتأثر
    بالعوامل الاجتماعية وتنمو وتقوى تحت تأثير التفكير والتأمل والتجارب
    الانفعالية المختلفة ولأهمية هذا المبحث اختلف الفلاسفة لاختلاف مناهجهم
    حول إعطاء مصدر حقيقي للعواطف بشتى أنواعها والتساؤل الذي يتبادر إلى
    أذهاننا.هل يمكن إرجاع العاطفة إلى الذهن آو الجسد؟
    يرى الذهنيون ومن بينهم هر برت أن مصدر العواطف هو الاتفاق والاختلاف بين
    تصوراتنا وأفكارنا والعواطف بالنسبة إلى أفكارنا مثل الاتساقات بالنسبة
    إلى الأصوات الموسيقية التي نؤلفها مثال ذلك أنني عندما أكون في حالة
    انتظار صديق فإنني أتصور مجيئه وصدق حديثه فإذا وردت علي منه رسالة تؤكد
    زيارته فان الفرحة ستغمرني أما إذا أنبأتني الرسالة بعدم قدومه فان هذه
    الفكرة ستصطدم بالأفكار الأخرى التي كنت أغذيها في نفسي أتوقعها فيشملني
    الحزن.
    إلا أن هذه النظرية لم تصمد للنقد ذلك أنها تفسر عاطفة بعاطفة أخرى لا غير
    لأن الانتظار الذي يثير السرور هو في الحقيقة رجاء إثارته رابطة الصداقة
    التي تربطني بالصديق وليس الرجاء والصداقة مجرد فكرة بل هما عاطفتان قد
    تولدتا أو تكفان عواطف أخرى وكل ما في الأمر أن النظرية تفسر إلى حد ما
    العواطف الفكرية التي تنشأ على الاتفاق أو الاختلاف بين الأفكار هذا علاوة
    على أن تهمل التغيرات العضوية التي تصحب ظهور العواطف مصاحبة متراوحة في
    الشدة.
    وعلى عكس الرأي السابق يرى أنصار النظرية الفيزيولوجية وعلى رأسها وليام
    جيمس أن الاضطرابات العضوية التي تحدث للإنسان في حالة العاطفة خاصة
    العاطفة الدينية وقد وسع ريبو هذه النظرية وعندئذ وقع الربط بين العاطفة
    الدينية والقشعريرة التي يشعر بها المتدين كما استدلت هذه النظرية
    بالاضطرابات العضوية التي تظهر على المتصوفين وقد جاء في القرآن الكريم
    مصداقا لقوله تعالىمثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ) , وقال أحد
    الشعراء العرب:
    وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلله القطر
    كما أن العاطفة الخلقية في صورة استنكاف تصحبها تغيرات فيزيولولجية و
    كثيرا ما تصحب العاطفة الجمالية حركات واضحة في الغناء و الرقص ومن العادة
    أن يذكر بهذا الصدد ما حدث لـ مقبرانش من تسارع في حركة القلب بشكل عنيف
    عندما كان يقرا كتاب(الإنسان لديكارت)مما جعله مرارا يترك قراءته للتنفس.
    إن هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد ذلك أن العاطفة مثل الهيجان لا تنفصل
    عن الجسم ومهما كانت الاضطرابات العضوية مختلفة في الهيجان, والعاطفة من
    حيث الدرجة فقط, فان هذا الجانب الفيزيولوجي يبقى دائما عاجزا عن تفسير
    نوعية العواطف والمعاني الخاصة التي تكتسبها.
    إن العيب الذي تؤاخذ عليه النظريتين أنهما جزأتا العواطف الوجدانية لدى
    الفرد بحيث طرحت العاطفة الإنسانية بشتى أنواعها, الأولى على النفس
    والثانية على مستوى الجسم في حين عواطف الفرد مصدرها النفس والجسم معا
    وبدون توفر هذين الشرطين يصبح لا معنى لعواطفنا وأهوائنا بدون أن ننسى
    العوامل الاجتماعية.
    وفي الأخير وكحوصلة لما سبق فان العاطفة ليست في الجسد ولا في النفس,
    وإنما في الإنسان كجزء لا يتجزأ,وان كل المحاولات الرامية لفصل الجسد عن
    الروح أو العكس مآلها الفشل ذلك انه لا يمكننا أن نجد فردا بدون جسد له
    عواطف سامية أو العكس,فالإنسان ليس ملكا كما انه ليس بشيطان.
    الطريقة:جدلية الدرس:الهيجان2
    الإشكال:هل للانفعال الهيجاني دور ايجابي في سلوك الفرد أم أنه مجرد سلوك عشوائي؟

    لا ينكر أحد أن الهيجان الفعال حاد يصيب الفرد في سلوكه وحياته النفسية و
    وظيفته العضوية هذا الانفعال أثار جدلا واسعا بين جمهور الفلاسفة والعلماء
    حول جوهر حقيقته، وبما أنه سلوك انفعالي ينقل الفرد من حالته الطبيعية إلى
    حالة اضطراب فهل هذه الأخيرة تعتبر حالة تلاؤم وتأقلم مع الوضع الجديد
    وبالتالي شيء إيجابي،أم أنه حالة من الفوضى واللاتأقلم وبالتالي حالة
    عشوائية؟.
    يرى أنصار الاتجاه الإيجابي – النظرية الغريزية – وعلى رأسهم جورج دوماس،
    داروين، كانون، برغسون أن الهيجان ذو طابع إيجابي ذلك أن المصادمة
    الحقيقية تعمل(من الناحية السيكولوجية)كمنشط بصورة عامة فيقوى النشاط
    العقلي ويتسع الخيال و يشتد الانتباه وينل على المنفعل شيء من الإلهام
    فيندفع إلى الابتكار ويتكيف بصورة عجيبة مع المشاكل الطارئة فانفعال
    الغيرة بين العمال من شأنه أن يدفع إلى المنافسة في العمل والابتكار في
    الإنتاج والغيرة أيضا بين الدول تدفع المناضل الملتهب حماسا إلى التضحية
    بنفسه في سبيل السير بوطنه قدما نحو الرفاهية والازدهار وعلى هذا الأساس
    تكون الهيجانات بمثابة القوة الخالقة على حد تعبير برغسون(إن العلماء
    الذين يتخيلون الفروض المثمرة والأبطال والقديسين الذين يحددون المفاهيم
    الأخلاقية لا يبدعون في حالة جمود الدم وإنما يبدعون في جو حماسي وتيار
    نفسي ديناميكي تتلاطم فيه الأفكار وتتضارب)ونجد برادين الذي يرى أن
    الهيجان ينشط الخيال والعقل مثلا الخوف يدفعنا إلى الحيطة والحذر وإيجاد
    الوسائل لحماية النفس والغضب البسيط يدفع الإنسان إلى الثأر لكرامته
    وتدبير أموره.
    للهيجان أهمية كبرى في حفظ حياة الكائن الحي فهو يهيئ البدن للقيام بما
    تتطلبه المواقف الانفعالية الطارئة من مجهود ونشاط يقول كانونإن زيادة
    إنتاج الإدريانين في الدم مثلا أو ازدياد مقدار السكر يكسب الجسم مناعة
    تنشط العضلات لمقاومة التعب وازدياد سرعة خفقان القلب يساعد في سرعة توزيع
    الدم في جميع أجزاء البدن والأطراف على وجه الخصوص ليمكنها بما تحتاج إليه
    من نشاط)و يفهم من هذا أن التغيرات الفيزيولوجية في حالة الانفعال أمر
    ضروري و طبيعي لبقاء الجسم، وإذا كان الهيجان عنصرا ضروريا للنفس والبدن
    فذلك لمواجهة الظروف الخارجية يقول داروين (إن الهيجان لا يهيئ الكائن
    الحي لوضع داخلي فقط، إنه وسيلة للتلاؤم مع الظروف الموضوعية
    المفاجئة)فالقط مثلا عندما يهتاج ينتصب شعره ويتقوس ظهره و تنكشف أظافره،
    والحشرة تتشبه بلون المحيط الذي تكون فيه.
    بالرغم من كل هذه الأدلة إلا أن النظرية لم تصمد للنقد ذلك أن الهيجان لا
    يحقق دائما النتائج المتوقعة فقد لا يصلح للدفاع وحماية النفس و لا لحماية
    القيم الأخلاقية التي تفترض رزانة وإقناعا بالحجة كذلك أن الهيجان لا يكفي
    وحده لأنه يستدعي خبرة ودراية بالأمور أما من ناحية الجسم فهذا ليس صحيحا
    دائما ذلك أن الحالات الطارئة يشكل فيها الاندفاع تهورا خطيرا.
    وعلى عكس الرأي السابق ونظرا للاعتبارات السابقة الذكر فإن العديد من
    المفكرين ورجال التربية يرون أن الهيجان سلوك فاشل فلو حللنا سلوكا
    هيجانيا للاحظنا أن الهيجان يشل الفرد من الناحية النفسية الفيزيولوجية
    ويفقده التلاؤم مع المواقف الطارئة فمن الناحية النفسية يتعطل الفكر عن
    النشاط العادي ويصعب على الفكر أن يراقب ما يصدر عنه من أقوال وأفعال، إن
    الهيجان عاصفة تستبد الإنسان وتجرف كل ما تجده في طريقها فتهدد مقوماته
    الشخصية، أما من الناحية الفيزيولوجية فالهيجان يحدث في بدن المهتاج عدة
    تغيرات فيزيولولجية هامة تدل على عشوائية السلوك فمن الناحية الداخلية
    تحدث تغيرات في الدورة الدموية وفي نشاط المعدة والأمعاء والغدد والعضلات
    ومن بين العلماء الذين فسروا الهيجان تفسيرا سلبيا بيارجاني إذ يقول (إن
    الهيجان سلوك أدنى من المستوى المطلوب إنه سلوك فاشل يتميز فيه المثير
    بالمفاجأة والحدة والعضوية، هنا لا نملك القدرة على المواجهة فيسوء
    التكيف)ومعنى هذا أن الإنسان ينتقل من حالته الطبيعية إلى حالة تجعله
    فريسة للسلوك الشاذ، وقد تبين من خلال التجارب على الإنسان أن الهيجان
    يؤثر في التيارات الكهربائية الدماغية المتولدة عن نشاط الملايين
    من(النورنات)بحيث يحصل إبطاء في مفعول (ألفا)وظهور موجات بطيئة من
    نوع(دلتا)وهذه الموجات تعود العلماء على مشاهدتها عند المرضى العقليين
    والأطفال ومن الناحية الدينية نجد ديننا الإسلامي الحنيف يدعونا إلى عدم
    الغضب وهذا ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم(لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب،
    فإن الغضب يأكل الحسنات كما تأكل النار الهشيم).
    رغم هذه السلبيات للهيجان إلا أنه لا يمكننا أن ننكر بعض الجوانب
    الإيجابية التي تنتج عنه ومع هذا وذاك يبقى الهيجان سلوك قابل للتهذيب
    والتعديل بواسطة التربية فكلما تفادى الفرد وترفع عن السلوكات الانفعالية
    كان أكثر نجاحا.
    إن عملية المد والجزر التي قام بها جمهور الفلاسفة لقيمة الهيجان لا يمكن
    أن نحكم بمقتضاها على قيمة أثر الهيجان ومردوده في المجالات النفسية
    والحيوية والاجتماعية والسبب في ذلك أن الناس ليسو متشابهين إطلاقا
    فالكثير منهم لا يقوى على صناعة شيء من الأعمال السامية إلا بهزات عنيفة
    من الهيجان في حين أن هناك أناس يتهيجون لأتفه المنبهات فيسقطون في الخمول
    ويتوقفون عن السعي وبذلك فهو حالة طبيعية عند الفرد لا يمكن استئصالها.
    وفي الأخير وإذا أردنا الخروج بحوصلة فإن الهيجان من الناحية السيكولوجية
    ينزل بنا إلى ما دون الحياة الحيوانية ومن ناحية الوجود الإنساني يطلعنا
    على حقيقتنا ففي الضعف قوة أو بمعنى أصح الهيجان فرصة تجعلنا نطل على معنى
    الشخص ومنزلته في الوجود فبدون الإحساسات الوجدانية والانفعالية المختلفة
    تكون حياتنا بمثابة الجماد الذي لا يحس.
    الطريقة:جدلية. الدرس:الشخصية1.
    الإشكال:يقال<إن الشخصية تكتسب>هل تعتبر هذا القول صحيحا؟

    لما كان الإنسان ميالاً بالطبع إلى الحياة مع أمثاله فليس من الغريب أن
    يكون سلوكه مشبعا بالمكتسبات الاجتماعية مثقلاً بخيرات السنين فهو يكتسب
    اللغة والأخلاق والعلم و ينمي ملكاته العقلية وبالرغم من أنه وحيد في نوعه
    وفرد يتميز بالتميز في شخصيته و المقصود بالشخصية هو باختصار الوحدة
    الكلية والحركية المميزة لسلوك فرد ما شاعر بتميزه عن الغير ولكن السؤال
    المطروح:هل الشعور بهذا التميز هو من معطيات الولادة أم أنه نتيجة تطور
    تدريجي؟،أو بكلمة وجيزة هل الشخصية تكتسب؟.
    ترى المدرسة الاجتماعية أن الإنسان عجينة في يد المجتمع يشكلها كيفما يشاء
    فالفرد مرآة عاكسة للمجتمع وفي هذا يقول هربرتالطفل صفحة بيضاء يكتب عليها
    المربي ما يشاء)،كذلك نجد الغزالي يقولالطفل كالعجين يستطيع المربي أن
    يكونه كما يشاء)،والشخصية لا تنشأ أو تتشكل دفعة واحدة بل تنشأ بالتدرج
    يقول ألبورت(لا يولد الطفل بشخصية كاملة بل يبدأ بتكوينها منذ
    الولادة)،وأيضا يقول فالونإن الشعور بالذات ليس أمراً أوليا بل محصول تطور
    بعيد لا تبدأ نتائجه بالظهور قبل السنة الثالثة) فالشخصية في تكوينها تمر
    بمراحل تعد الأساس في تكوينها هي مرحلة اللاتمايز والشعور بالأنا.والإنسان
    بطبعه اجتماعي كما يقول بن خلدونالناس على دين ملكوهم)،ودوركايم الذي
    يقولإذا تكلم الضمير فينا فما هو إلا صدى المجتمع)،فهو يتعلم،يكتسب ويتأثر
    بالعادات والتقاليد والنظم و القوانين(القوالب الاجتماعية) فاللغة هي
    وسيلة للاندماج والتكيف وكحتمية فإن الحياة الاجتماعية تفرض نمطا سلوكيا
    معينا على الفرد فهو خاضع لمعايير اجتماعية وفي هذا المعنى يقول فالون(إن
    الشعور بالذات يتكون بواسطة الآخرين وعلى الرغم من أنهم أسباب للشعور
    بالشخصية لكنهم أيضا عقبات يجب تجاوزها حتى يتم كامل الشخصية)،وقد استدل
    أصحاب هذا الاتجاه بأدلة وحقائق تدعم هذا الموقف ويذكرون على سبيل المثال
    حالة التوأم فلو فصلنا توأمين وأخذنا أحدهما للعيش في مجتمع مختلف عن
    الثاني فالاختلاف سوف يكون كبيراً(السلوك والمظاهر الفيزيولوجية) والتي
    تبحث عن طريقة كل منهما في التكيف مع مجتمعه رغم اشتراكهما في الخصائص
    الوراثية،كذلك حالة إبراز المواهب فكل فرد مزود باستعدادات فطرية ومواهب
    ذاتية تظل راكدة إذا لم تجد الشروط الاجتماعية الملائمة بالإضافة إلى بعض
    الخصائص التي لها ارتباط وثيق بالمجتمع.
    لا ريب أن للمجتمع فضلا ودوراً كبيرا إلا أن متطلبات المجتمع لا تنسجم مع
    مقاصد الشخصية،لذا فالشخصية التي تقبل ضغط الأوضاع الاجتماعية ما هي إلا
    شخصية قاعدية كما يقول كاردينارأي شخصية سطحية مستعارة)،كذلك إن تأثير
    المجتمع في الإنسان متوقف على مدى قابلية الإنسان،فهو ليس عجينة أو كتلة
    عضوية حركية فهو يحمل عقلا يسمح له أن يختار ويتخذ من أنظمة المجتمع ما
    يتلاءم معه ويتوافق مع تفكيره.
    ونظراً لما للوراثة من أهمية ذهب العلماء إلى اعتبار الخصائص الوراثية
    ملامح حقيقية للشخصية ومعنى هذا أن الشخصية تكتسب في حدود معطيات وراثية
    وما يثبت ذلك في اعتقادهم أن ثمة أطفالاً يولدون أذكياء في حين أن آخرين
    أغبياء والسبب في ذلك راجع إلى عوامل وراثية،ولقد تقرر لدى الباحثين في
    مجال الوراثة خاصة مندل ذلك أن المزاج ينتقل من الآباء إلى الأبناء وأن
    الاستعدادات التي يرثها الطفل ليست استعدادات وسطية حيث تنصهر خصائص كل من
    الأب والأم،ذلك أن خصائص كل من الأبوين تبقى متمايزة عن طريق كل من الأم
    فقط أو الأب فقط،على أن ما يرثه الطفل ليس تلك الخصائص التي تعلمها أبويه
    في حياتهم وإنما تلك القدرات الفيزيولوجية من لون البشرة ولون الشعر،فيما
    يتعلق بالتركيبة الفيزيولوجية الداخلية لها تأثير كبير في الطبع بول أحد
    الفيزيولوجيينإننا تحت رحمة غددنا الصماء)،وهو قول يؤيد ما ثبت لدى
    العلماء من ضعف أو كثرة الإفرازات الغددية الداخلية تفقد الجسم توازنه مما
    يجعل الشخصية في حالة غير مستقرة،فبالنسبة للغدة الدرقية التي قال عنها
    هوسكيترإننا ندين لغددنا الصماء بجزء غير يسير مما نحن عليه)،إن لها تأثير
    على النمو والعمليات الحيوية فإذا زاد إفرازها نشأ عن ذلك نشاط محسوس في
    الجهاز العصبي وغيره من الأجهزة وقد ينشأ عنه القلق والاضطراب أما إذا نقص
    إفرازها نشا عن ذلك ضعف عقلي وتباطؤ في الأعمال،أما الغدة النخامية
    فلإفرازاتها صلة وثيقة بالنمو الجسمي العام فإذا نقص إفرازها عند الطفولة
    أدى ذلك إلى القزامة،والعملقة وخشونة الجلد والنضج الجنسي المبكر إذا حدث
    العكس،أما الغدة الإندريانية فزيادة إفرازها تؤدي إلى تضخم خصائص الذكورة
    عند الرجال وتغلبها عند المرأة مما يؤدي إلى بروز علامات الذكورة
    عندها(الصوت الغليظ،بروز شعر اللحية...)،ولدى الطفل تؤدي إلى تكبير النضج
    الجنسي وأخيراً الجملة المسؤولة عن التحكم في كل نشاط الجسم وأي اضطراب في
    هذه الجملة يؤدي إلى الخلل في السلوك وعدم الاتزان في الشخصية وليس من
    الغريب إذا اتخذ القدماء التركيب الجسمي أساساً لسلوك الناس وطباعهم يقول
    أرسطوعن الأنوف أن الغليظة والدسمة والأطراف تدل على أشخاص باردي الأجسام
    ذوي ميول شهوانية،وإن الجادة مثل الكلاب تدل على الغضوبين السريعي
    الاهتياج،وأن المستديرة العريضة مثل الأسد تدل على أصحاب الشهامة وأن
    الرقيق المعقوفة مثل النسر تدل على النبلاء المختالين المترفين
    المتعجرفين).
    على الرغم من كل هذه الحجج والبراهين التي ترجع الشخصية إلى الوراثة إلا
    أنه لا يمكننا أن نقر إقراراً مطلقاً بدورها في بناء الشخصية وهذا ما
    يؤكده الواقع وذلك لأن هناك اختلافات كبيرة في سلوك الأفراد رغم تشابههم
    من حيث النشأة البيئية مثل أفراد الأسرة الواحدة كذلك أن نشاط الغدد لا
    يتحدد بالوراثة وحدها بل يتأثر بالمواقف الانفعالية الحادة.
    إن كل المحاولات التي قام بها جمهور الفلاسفة والعلماء والمفكرين أخفقت في
    الوقوف على النظرة الحقيقية للشخصية و قضية حصول الشخص عليها ذلك أنهم
    قاموا بتجزيء الوراثة عن العوامل البيئية والمجتمع في حين أن الأخيرين
    يستطيع الفرد أن يقومهما ويهذبهما عن طريق التربية،و يشهد على صحة ذلك
    تاريخ بعض الشخصيات البارزة وما سعت إليه،فلقد قيل قديما عن العالم
    الفيزيائي فاردي أنه كان طائشا سريع الانفعال لكنه روض نفسه،كذلك نجد
    الدين الإسلامي سبّق دور التربية ويتجلى ذلك في قول الرسول صلى الله عليه
    وسلمكل مولود يولد على الفطرة فأبوه إما يمجسانه أو يهودانه أو
    ينصرانه)،بالإضافة إلى عدم ناسي دور الوعي بمعنى الإرادة والعقل يقول
    غيوميغير اتزان الطبع ويخرج إلى الوجود قوى جديدة)،ولهذا لا نستطيع تسخير
    إمكانياتنا الملائمة إلاّ إذا سعينا وراء الشخص الذي نمثله.
    وخلاصة القول أن اكتساب الشخصية لا يحدده مجرد التقاء المعطيات الفطرية
    بالشروط الثقافية وإنما يتوقف على الكيفية التي تستخدمهـا في التركيب وقد
    صدق من قال لا أحد يستطيع أن يكون ما يريد ولكنه لا يصنع إلا ما يستطيع).



    الطريقة:جدلية. الدرس: الشخصية2.
    الإشكال:هل يستطيع الإنسان أن يكتسب الشخصية التي يتمثلها؟.

    تعتبر الشخصية من مسائل علم النفس الأكثر تعقيداً بسبب تداخل عوامل بنائها
    التي نتج عنها اختلاف في وجهات النظر حول الأهمية التي يحظى بها كل واحد
    من تلك العوامل في تكوين الشخصية،وقد اختلف الفلاسفة في كيفية تكوين
    الشخصية لاختلاف مناهجهم فمنهم من قال أن الفرد يولد بكيان عضوي يحمل من
    الأسلاف صفات تظل تلازمه وهي سمات طبيعية وراثية ،ومنهم من قال أن الفرد
    يكتسبها من المجتمع ولكن رغم هذه الآراء ألا يمكن للفرد أن يكتسب الشخصية
    التي يتمثلها في ذهنه؟أم أنه هناك عوائق تحد من ذلك؟.
    يرى بعض المفكرين من الاتجاه الحدسي والاتجاه العقلاني أن ما يكسبه الفرد
    من صفات نابع من إرادته ورغبته فهو يشكل شخصيته عن قراراته التي يتخذها
    بإرادته الحرة وهذا ما ذهب إليه الوجوديين وعلى رأسهم جون بول سارتر حين
    قال أنا أختار نفسي)،حيث يرى هذا الأخير أن الإنسان يولد ثم يختار مصيره
    ويعتمد في نظريته ـ الوجود سابق للجوهر أو الماهية ـ أو بمعنى أصح أن
    الكيان المادي للإنسان يوجد أولاً ثم يختار مصيره بنفسه [الإضافة إلى كل
    هذا فكل فرد تصوراته العقلية ولكل فرد ولكل فرد قدراته التي تجعله على
    اكتساب ما يريد من صفات فالعقل يتصور النموذج الذي الفرد إلى تحقيقه وبذلك
    يضع هويته كما يريد فبالإرادة نستطيع أن نخلق أن صنع المعجزات ونكتسب
    شخصيتنا الحقيقية رغم ما للشروط الطبيعية والاجتماعية من وزن،فليست طباعنا
    هي التي تحدد سلوكنا ومصيرنا وإنما يتوقف الأمر على درجة وعينا
    لإمكانياتنا وقوة أو ضعف عزائمنا وحق كما قيللا أحد يستطيع أن يكون ما
    يريد ولكنه لا يصنع إلا ما يستطيع)،وقد شهد التاريخ البشري العديد من هذه
    النماذج البارزة وما سعت إليه لتحقيق وجودها فلقد قيل قديما عن العالم
    الفيزيائي فاردي أنه كان طائشا سريع الانفعال لكنه روض نفسه، وحتى ينجح
    المرء في اكتساب شخصية عميقة بمعنى الكلمة بعيدة عن التقليد لابد قبل كل
    شيء أن تكون له رغبة في القيام بهذه المهمة وأن يؤمن من كل أعماقه
    بإمكانية تحقيقها فلقد قيلاثنان يصنعان العجائب رجل يريد ورجل يهوى)،ولابد
    أن يكون ذا دواعي لأن الدواعي تغير اتزان الطبع وتقر للوجود قوى بديلة.
    إذن بالإرادة يستطيع الإنسان أن يصنع من نفسه ما يريد والنموذج الذي
    يجب،ولكننا لا نستطيع تسخير إمكانياتنا الملائمة إلا إذا سعينا وراء تحقيق
    الشخص الذي نتمثله.
    إلاّ أن القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أن هذه التصورات العقلية لا
    يكتسبها الفرد بعيدا عن المعطيات الاجتماعية والبيئية فالإرادة التي يتكلم
    عنها هؤلاء لا تخرج عن كونها إرادة جماعية خاصة بمعايير و أطر يفرضها
    المجتمع على أفراده ولكل خروج عن هذه الإرادة مآلة الفشل كما أن الفرد
    مرهون بمعطيات وراثية بالإضافة إلى كل هذا فإن دور القرارات الإرادية
    محدود أمام العوامل السالفة الذكر.
    وعلى عكس الرأي الأول نجد المدرسة الاجتماعية التي ترى أن الإنسان مرهون
    ومربوط بحتميات لا يمكنه الخروج عنها و باعتبار أن المجتمع هو المكان
    الوحيد لبروز الشخصية وتكاملها فإن الإنسان في نظرهم عجينة في يد المجتمع
    وفي هذا يقول هربرتالطفل صفحة بيضاء يكتب عليها المربي ما يشاء)، كذلك نجد
    الغزالي يقولالطفل كالعجين يستطيع المربي أن يكونه كما يشاء)،والشخصية لا
    تنشأ أو تتشكل دفعة واحدة بل تنشأ بالتدرج يقول ألبورت(لا يولد الطفل
    بشخصية كاملة بل يبدأ بتكوينها منذ الولادة)،وأيضا يقول فالونإن الشعور
    بالذات ليس أمراً أوليا بل محصول تطور بعيد لا تبدأ نتائجه بالظهور قبل
    السنة الثالثة) فالشخصية في تكوينها تمر بمراحل تعد الأساس في تكوينها هي
    مرحلة اللاتمايز والشعور بالأنا.والإنسان بطبعه اجتماعي كما يقول بن
    خلدونالناس على دين ملكوهم)،ودوركايم الذي يقولإذا تكلم الضمير فينا فما
    هو إلا صدى المجتمع)،فهو يتعلم،يكتسب ويتأثر بالعادات والتقاليد والنظم و
    القوانين(القوالب الاجتماعية) فاللغة هي وسيلة للاندماج والتكيف وكحتمية
    فإن الحياة الاجتماعية تفرض نمطا سلوكيا معينا على الفرد فهو خاضع لمعايير
    اجتماعية وفي هذا المعنى يقول فالون(إن الشعور بالذات يتكون بواسطة
    الآخرين وعلى الرغم من أنهم أسباب للشعور بالشخصية لكنهم أيضا عقبات يجب
    تجاوزها حتى يتم كامل الشخصية)،ونجد من الفلاسفة من ذهب على شاكلة هذا
    الطرح ومن بينهم هالفاكس الذي يقولإن الشخصية هي حصيلة الحياة
    الاجتماعية)،و يقول سبينزاأعطني دما ولحما وعظما – جنينا-أعطيك ما
    تريد)،وقد استدل أصحاب هذا الرأي بأدلة وحقائق تدعم هذا الموقف فلو فصلنا
    توأمين وأخذنا أحدهما للعيش في مجتمع مختلف عن الثاني فالاختلاف سوف يكون
    كبيراً(السلوك والمظاهر الفيزيولوجية) والتي تبحث عن طريقة كل منهما في
    التكيف مع مجتمعه رغم اشتراكها في الخصائص الوراثية،كذلك حالة إبراز
    المواهب فكل فرد مزود باستعدادات فطرية ومواهب ذاتية تظل راكدة إذا لم تجد
    الشروط الاجتماعية الملائمة بالإضافة إلى بعض الخصائص النفسية مثل الشجاعة
    والكرم والبخل...
    لا ريب أن للمجتمع فضلاً ودوراً بارزاً في تكوين الشخصية إلا أن متطلبات
    المجتمع لا تنسجم مع مقاصد الشخصية،فالشخصية التي تقبل ضغط الأوضاع
    الاجتماعية ما هي إلاّ شخصية قاعدية كما يقول كاردينارأي شخصية سطحية
    مستعارة)،كذلك إن تأثير المجتمع في الإنسان متوقف على مدى قابلية الإنسان
    فهو ليس عجينة أو كتلة عضوية حركية فهو يحمل عقلاً يسمح له أن يختار أو
    يتخذ من أنظمة المجتمع ما يتلاءم مع معه و يوافق تفكيره.
    إن العيب الذي تؤاخذ عليه النظريتين هو أنهما طرحتا مشكلة الشخصية على
    جانب واحد وذلك لاختلاف مناهجهم إلاّ أن شخصية الفرد لا يمكن أن تتكون
    إلاّ من جانب إنساني وذلك من خلال المجتمع بالإضافة إلى كل هذا فإن
    الإرادة تلعب دوراً بارزاً وأساسياً مع هذه التفاعلات لا يمكننا أن ننسى
    دور الجانب الفطري الوراثي الذي يطبع الشخصية بطابعه المميز.
    وفي الأخير وكحوصلة لما سبق فإن الفرد يكتسب الشخصية السي يريدها وفي إطار
    الحتميات الحسية والنفسية والاجتماعية وبهذا يمكن للشخص أن يوجد الشخصية
    التي يتمثلها في ذهنه إذا لم تتعارض مع الواقع فقد صدق من قاللا أحد
    يستطيع أن يكون ما يريد لكنه لا يصنع إلا ما يريد).
    الطريقة:جدلية. الدرس: الحرية والتحرر.
    الإشكال: هل الإنســان حر؟.

    إن كلمة الحرية هي من أكثر الكلمات غموضا والتباساً فالشعوب تكافح من أجل
    حريتها والأفراد لا يتحملون أي حجز على حريتهم الشخصية ومما لاشك فيه أن
    الحرية هي من أقدم المشكلات الفلسفية وأعقدها فقد واجهت الباحثين من قديم
    الزمان وما زالت تواجههم إلى يومنا هذا فهي من أكثر المبادئ الفلسفية
    اتصالاً بنا بعد الطبيعة فضلاً عن صلتها بالأخلاق والسياسة والاجتماع وقد
    تناول العديد من الفلاسفة والمفكرين هذا المبحث فمنذ وعي الإنسان لنفسه
    سعى إلى تحقيق حريته بشتى الوسائل والطرق ولكن جمهور الفلاسفة اختلف في
    الإشكالية التالية:هل الإنسان حر أم أن هناك قيود وعوائق تقييد حريته؟.
    يرى بعض الفلاسفة الذين يقرون بأن الإنسان حر وهم يستندون في هذا إلى عدة
    حجج أهمها الحجة النفسية و الذين يرون بأن الشعور بالحرية دليل كاف على
    إثباتها فمثلاً ويليام جيمس يرى أن الحرية هي قوام الوجود الإنساني الذي
    مراده الإدارة الحرة الفعالة فلا نشعر بحريتنا إلاّ ونحن قادرون فعلاً على
    الفعل والتأثير أما ديكارت فيقولإننا لا نختبر حرية إلاّ عن طريق شعورنا
    المباشر)،فهو يرى أننا ندرك الحرية بلا برهان وهو يقول في هذاإننا واثقون
    من حريقا لأننا ندركها إدراكاً مباشراً فلا نحتاج إلى برهان بل نحدسها
    حدساً)،بحيث يرى أن إحساس الإنسان الداخلي بالحرية *الواضح والمتميز* دليل
    كاف على ذلك ويقول لوسينكلما في نفسي عن القوة التي تقيدني كلما أشعر أنه
    ليست لي أية قوة عدا إرادتي ومن هنا أشعر شعورا واضحا بحريتي)،أما من
    الفرق الإسلامية التي تثبت ذلك فالمعتزلة يرون أن تجربة الشعور الداخلية
    كافية على أننا أحرار يقول الشهر الستانيالإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل
    فإذا أراد الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن)،ومعناه أن الأفعال التي يقوم
    بها إنما يمارسها بإرادته وحسب الظروف التي تلائمه بالإضافة إلى هذا نجد
    برغسون الذي يميز بين مستويين من الأنا فالأنا السطحي بالنسبة له يمثل
    ردود الفعل و الاستجابات العفوية والعادات التي يقوم بها الإنسان تحت
    تأثير العوامل الخارجية،أما الأنا العميق فهو مصدر الحرية الحقيقي الذي
    تشعر به عندما نلتزم بإرادتنا واختيار بعيد عن الحتميات لذا نجسد حريتنا
    بعيدا عندما نقف من أنفسنا مواقف نقد وتقييم واعية وبهذه الصورة الواعية
    تسمع صدى الحرية الهافت الذي يسري كديمومة مفصلة لا تتوقف،أما أصحاب الحجة
    الاجتماعية فهم يرون أن الحرية ممارسة فعلية تتجسد في الحياة الاجتماعية
    فالآخر هو سبب وجودها ويمكن أن يكون عائقا لها فبدون المجتمع لا يمكن أن
    توجد قوانين عادلة تحمي الحريات الفردية فتصبح الحرية مسؤولية لذا فإن كل
    المجتمعات تعاقب أفرادها عند مخالفة قوانينها ولا تعاقب الأفعال التي لا
    قدرة لهم عليها وهذا يعني قدرة الإنسان على الاختيار و بهذا يمكن التكلم
    عن شخصية بدون مقومات اجتماعية ولا الحديث عن حرية الإنسان المغترب يقول
    مونيكوالحرية الفعل وفق ما تجيزه القوانين الاجتماعية)،فبدون المجتمع لا
    يمكن أن نتحدث عن المسؤولية بدون حرية الاختيار،أما أصحاب الحجة الأخلاقية
    فهي حسب كانط أساس تأسيس أو تحديد الأخلاق فالواجب الأخلاقي يتطلب قدرة
    للقيام به يقول كانطإذا كان يجب عليك فأنت تستطيع)،ويقولإن إرادة الكائن
    العاقل لا يمكن أن تكون إرادته إلا تحت فكر الحرية)،أما أصحاب الحجة
    الميتافيزيقية فروادها المعتزلة وهم يرون أن الإنسان حر ويوردون حججاً من
    القرآن الكريم تنسب إلى الإنسان حريته في اختيار أفعاله يقول الله
    تعالىفمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)،وقوله تعالىفمن يعمل مثقال ذرة خيراً
    يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)،فهو بذلك أو ذاك حر مخير،واعتمدوا أيضاً
    على مبدأ التكيف يقول الله تعالىلا يكلف الله نفساً إلاّ وسعها)،فالتكيف
    يكون هنا سفها إذا كان(اعمل يا من لا قدرة له على العمل)،ولكن بصيغة(اعمل
    يا من تستطيع أن تعمل)،وبالتالي إمكانية صدور الفعل أو عدمه فهو الاختيار
    وما يبرز هذا هو الثواب والعقاب والجنة والنار فالله لا يحاسبنا على
    الأفعال التي لا نكون مسئولين عنها يقول تعالىوما ربك بظلام للعبيد)،ولا
    معنى للثواب وللعقاب إذا كان المرء مجبراً مكرهاً.
    لكن رغم هذه الأدلة والبراهين لم يصمد هذا الرأي للنقد ذلك أنه ما من شك
    غير كاف كذلك أنه يمكن أن يكون وهما وخداعا لأننا نقوم بأعمال معينة مع
    شعورنا بحريتنا إلاّ أننا مقيدون بعدة أسباب كذلك أن البرهان الاجتماعي
    نائم على الشعور بالحرية أثناء عقد القوانين وقيام الأنظمة الاجتماعية
    فالشعور يكفي للتدليل بها فهو يثبتها كما يثبت الحتمية ولا معنى للقانون
    والنظام ما لم يعمل به أصحابه وشروطه،أما أصحاب الحجة الأخلاقية فهي قائمة
    على التسليم بالحرية حتى لا تتهدم وفكرة التسليم لا تكفي للبرهنة عليها
    لأننا نستطيع التسليم بعدم وجودها كما سلمنا بوجودها أما بحث المعتزلة فقد
    باء منصبا أكثر على الإنسان المثالي المجرد المتصور عقلاً لذلك وضع الحرية
    في زمن الفعل في حين أن مشكلة حرية الإنسان الواقعي ومطروحة على مستوى
    الفعل و مواقف الحياة التي تواجهها واعتمادهم على آيات هذا صحيح.
    وعلى عكس الرأي السابق نجد من ينفي الحرية فهم يعتبرون الحرية وهماً لا
    يمكن تحقيقه وإن وجدت فوجودها ميتافيزيقي لا علاقة له بحياة الأفراد وذاك
    لما يقيدهم من حتميات داخلية وخارجية،فأصحاب الحتمية النفسية ومن بينهم
    المدرسة السلوكية الأمريكية وعلى رأسها والن يرون أن السلوك عبارة عن
    الاستجابات التي تتحكم فيها منبهات داخلية وخارجية كالرغبات والميولات
    والدوافع الفطرية والعوامل الخارجية التي تشكل مصدراً هاماً لأفعالنا،أما
    مدرسة التحليل النفسي فتفسر السلوك بدوافع لا شعورية أساسها الكبت يقول
    نتشهإن إرادة تجاوز ميل ما ليست إلا إرادة آدميون أخرى)،ويقول أحد
    الفلاسفةكل قرار هو مأساة تتضمن التضحية برغبة على مدرج رغبة أخرى)،أما
    أصحاب الحتمية البيولوجية ونقصد به مبدأ العلمية القائل انه إذا توفرت نفس
    الأسباب فستؤدي إلى نفس النتائج ومن ثم توسيع هذا المبدأ على الإنسان
    باعتباره جزءا من الطبيعة فهو حامل منذ ولادته لمعطيات وراثية وخصائص
    ثابتة والطبع في رأيهم تحديد فطري و البنية البيولوجية تنمو وتتكامل حسب
    قانون معين فهو يخضع لجملة من القوانين حيث نجد الروانيون وكذلك بيسنوزا
    الذي يقولإن الحرية لا تكون إلا حيث نكون مقيدين لا بعامل القوى والضغوط
    ولكن بعوامل الدوافع والمبررات العقلية...وعندما نجهل دوافع تصرفنا فنحن
    على يقين بأننا لم نتصرف تصرفا حراً)،أما أصحاب الحتمية الاجتماعية فهم
    يؤكدون أن الإنسان مجرد فرد يخضع للجماعة كالعجينة يشكله المجتمع كما يريد
    وذلك عن طريق التربية والتعليم والتجارب الاجتماعية فلا وجود للحرية
    الفردية داخل الحتميات الاجتماعية *ثقافية،اقتصادية* والتي لا يمكنه أن
    يغير فيها مهما حاول ذلك يقول بن خلدونالناس على دين ملوكهم)،ويقول
    دوركايمإذا تكلم الضمير فما هو إلا صدى المجتمع)،ويقول أيضاًلست مجبراً
    على استخدام اللغة الفرنسية لكن لا أستطيع التكلم إلا بها ولو حاولت
    التخلص من هذه الضرورة لباءت محاولتي بالفشل)،أما أصحاب الحجة
    الميتافيزيقية فنسبهم إلى جهم بن صفوانلا فعل لأحد في الحقيقة إلاّ لله
    وحده وإنه هو الفاعل و أن الناس دائماً تنسب إليهم أعمالهم على المجاز كان
    يقال تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما يفعل ذلك بالشجرة والشمس
    و الفلك الله سبحانه وتعالى)،ويقول أيضاًلا قدرة للعبد أصلاً لا مؤثرة ولا
    كابسة بل هو بمنزلة الجماد فيما يوجد منها)، إن هذا الرأي عندهم مبني على
    أصل عقائدي هو أن الله مطلق القدرة خلق العبد وأفعاله هو يعلمها قبل
    صدورها من العبد بعلمه المطلق ،بالإضافة إلى هذا نجد لايبنتز الذي يرى أن
    الإنسان عبارة عن جوهر روماني سماه المنادة يستمد كل مقوماته من ذاته التي
    أعدت بكيفية آلية مسبقة مثل الساعة،ولما كان الخير والشر مقدر على الإنسان
    في طبيعته تركيب روحي فهل بقي ما نسميه اختيار يقول لايبنتزالله مصدر جميع
    أفعال الإنسان بخيرها وشرها وكل شيء مسطر في سجل الكون الأبدي)،أما أنصار
    الحتمية الطبيعية فقد اعتبروا أن سلوك الإنسان متدرج فمن سلسلة الحوادث
    الطبيعية كونه كائن حي كبقية الكائنات الحية وعلى أساس أن الظواهر
    الطبيعية تخضع لقوانين وحتميات فيزيائية وكيميائية وتؤدي في نفس الوقت إلى
    نفس النتائج فسلوك الإنسان باعتباره جزءاً منها يخضع لهذه الحتمية حيث يرى
    بيسنوزا أن الشعور بالحرية ليس وهماً راجع إلى جهلنا بالحتميات كالحجر
    الساقط يتوهم أنه حر لو كان له شعور لكنه في الواقع خاضع لقانون الجاذبية
    يقول بيسنوزاإن الناس يخدعون أنفسهم بأنهم أحرار لكنهم في الحقيقة يحملون
    الأسباب الحقيقية التي تحدد سلوكهم)،ويرى البعض أن فعل الإنسان ليس
    تعبيراً عن الباحث الأقوى يقول لايبنتزالإرادة إذ نختار تميل مع إحدى
    القوى أو البواعث أثر في النفس كما تميل إبرة الميزان إلى جهة الثقل).
    إن هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد فبالنسبة للحتمية النفسية فإن
    الإنسان ليس مجرد حزمة من الغرائز والدوافع فهو قادر على التحكم فيها كما
    هو ملاحظ في الواقع وبإمكانه تنظيمها وفق نتائج مرغوبة ومقصودة وبدون هذه
    الرغبات والعادات يصبح لا معنى لأفعالنا فالحرية رغبة وميل ينبثق من كل
    إنسان أما الحتمية البيولوجية فالإنسان ليس جسما ولا شيئاً من أشياء
    الطبيعة ولا يرجع سلوكاته إلى التغيرات الفيزيولوجية وحدها فهو قادر على
    التحكم في سلوكه وطبعه ولا يمكن التنبؤ بمستقبل سلوكه أما بالنسبة للحتمية
    الاجتماعية فالإنسان ليس مجرد عجينة في يد المجتمع فهناك مجالات واسعة
    بوجودها المجتمع الفرد كي يتمكن من الاختيار الحر لحرية مضمونة في
    القوانين الاجتماعية ولا قيمة لها خارج المجتمع ونلاحظ أن بعض العلماء
    والزعماء من أثروا في المجتمع ودفعوه إلى التغيير وليس العكس،أما بالنسبة
    للحتمية الميتافيزيقية فإن دعواهم أمر مظلل فهي أساس دعوة للكسل والخمول
    مع وظيفة الإنسان في الكون فهو مخير لا مسير وهذا استناداً لقوله تعالىلا
    يغير الله ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم)،أما الحتمية الطبيعية فإن علاقة
    الإنسان بالطبيعة ليست علاقة تبعية بل بالعكس علاقة جدلية يؤثر فيها
    ويتأثر بها ويتخذ فيها الأسباب الأساسية لحياته ومن إمكانياتها مصدر تنافس
    وتفاوت بينه وبين الأفراد كذلك أن الفعل الحر لا ينفي السببية لأنه هو
    نفسه معول بعلة الإنسان.
    إن هذه الآراء وجميع الحجج والأدلة المعتمدة لنفي الحرية باسم الحتمية أو
    إثبات الحرية عن طريق ما نعيشه أو على أساس قوى مفارقة للطبيعة لا يمكن أن
    تكون كافية، ذلك أن الحتمية لا تنفي الحرية إلاّ ظاهرياً أما جوهرها فهو
    أساس الحرية وشرط من شروط الحرية الحقة وفي هذا يقول أحد الفلاسفةلا علم
    بلا حتمية ولا حرية بدون علم إذن لا حرية بدون حتمية)،فلا تحرر إلاّ
    بمعرفة الحتميات والعراقيل وفي هذا يقول مونيإن كل حتمية جديدة يكتشفها
    العالم تعد نوطة تزداد إلى سلم أنغام حريتنا).
    وخلاصة القول فإننا نصل إلى نتيجة هي أنه لا يوجد تعارض بين الحرية
    والحتمية فلولا وجود هذه الحتميات ما كان للحرية معنى لما ثقفه الإنسان
    عبر التاريخ لنفسه وبني جنسه فالحتمية أساس وشرط ضروري لتحقيق الحرية.
    نور الإسلام
    نور الإسلام
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑


    عدَد مشآرڪآتے• : 809
    نْـقٌـآطُـيَـے• : 1359
    تقييےـم الأَعْضآء لكـَ • : 23
    تخصُصِے الدرآسے• : جامعية
    مْــزًاآجٍـے• : رائق
    مدًينتِيـے• : سيدي بلعاس
    عآـمْے بلدِيْے • : الجزائر
    sms : لا اله إلا الله
    سبحانك إني كنت
    من الظالمين فاغفر لي
    مقالات فلسفية 3 ثانوي Hhhop10
    وسام العطاء

    حصري رد: مقالات فلسفية 3 ثانوي

    مُساهمة من طرف نور الإسلام 2010-03-06, 19:43

    الطريقة:جدلية. الدرس:الحرية والتحرر.
    الإشكال:هل الحرية حالة شعورية أم هي عمل التحرر؟.

    يرى بعض المفكرين أن الحرية هي تجاوز أي إكراه داخلي أو خارجي،داخلي يتمثل
    في الرغبات والشهوات والميول والحاجات النفسية البيولوجية وخارجي يتمثل في
    الحتميات الطبيعية والاجتماعية لذا نتساءل هل يكفي المرء أن يشعر أنه حر
    ليكون حراً حقاً أم أن الحرية ممارسة وفعل في الواقع اليومي؟.
    بالنسبة لبعض الفلاسفة إن تجربتنا الشعورية الداخلية دليل كاف على أننا
    أحرار ففي رأي المعتزلة(أن الإنسان يحس من نفسه وقوع الفعل فإذا أراد
    الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن)،ومعناه أن الأفعال التي يقوم بها إنما
    يمارسها بإرادته الحرة حسب الظروف التي تلامسه وفي هذا يقول ديكارتإننا
    واثقون من حريتنا لأننا ندركها إدراكا مباشراً بل نحدسها حدساً)،حيث يرى
    أن إحساس الإنسان الداخلي بالحرية ـ الواضحة والمتميزة ـ دليل كاف على
    حريته يقول لوسينكلما أبحث في نفسي عن القوة التي تقيدني كلما أشعر أنه
    ليست لدي أية قوة غير إرادتي ومن هنا أشعر شعوراً واضحاً بحريتي)،ولكن مثل
    هذا القول لا يمكن أن يصمد للنقد ذلك أن الإرادة من الناحية الفلسفية
    باعتبارها العلة الأولى قوة سحرية والأخذ بها فيه كثير من المبالغة كذلك
    أن الشعور وحده يمكن أن يكون وهما خداعا لأننا نجهل الحتميات التي نخضع
    لها خضوعا داخليا أو خارجيا سواء كانت نفسية أو طبيعية أو اجتماعية وهذا
    تكفل بسيادة عدد كبير من المفكرين في العصر الحديث.
    لقد حاول بعض الفلاسفة من الذين أدركوا المشكلة أن يزيحوا النقاب عن سر
    اللغز فالرواقيون يرون أن العالم يخضع لقوانين ثابتة أي أنه يسير حتما
    بمقتضى العلة والمعلول،وأن الكائن الإنساني الموجود في هذا العالم ليس حر
    لأنه لا يمكن أن يكون حراً بالإرادة في عالم مجبر غير أن الإنسان ذو طبيعة
    عاقلة و إذا أراد التحرر والسعادة فلا بد أن يعيش على وفاق الطبيعة بكل ما
    تنطوي عليه هذه الكلمة من معان أي على وفاق مع قانون الطبيعة الذي يسيّر
    العالم ويعيش حسب طبيعته العاقلة فيسير المرء في حدود ما يرشد إليه العقل
    خاضعا لقوانين الكون المعقول فالقضية هي قضية حرب بين العقل والشهوات
    فينتصر العقل إذن الحرية ليست معطى أولي ولا فضل من الطبيعة إنها تكتسب
    على ضوء ما تملي به الطبيعة الإنسانية الحقيقية وتحررنا يقاس بضعف أو قوة
    أعمالنا وإنجازاتنا و مجهوداتنا المبذولة فلا بد من قبول الضرورة إذن،كما
    تقبل الأسطوانة الدوران وفي نفس الاتجاه يرى سبينوزا أن أفعال الإنسان
    مجرد ظواهر آلية إذن فهو ليس حراً ولكن ليس معنى ذلك أن فيلسوفنا يلغي
    الحرية وإنما يرى الحجة في قبول النظام الرياضي للكون والقوانين العقلية
    المسيرة للحوادث فكلما ازداد العقل علما كما يقول ازداد فهما لقوانين
    النظام الطبيعية وهو يقرر هنا أن العقل يجب أن يضع قانونا ينظم رغبات
    الإنسان المتنافرة وبهذا يمكنه التحكم في مستقبله وتحرير نفسه من أغلال
    العواطف العمياء وإذا أراد الفرد أن يكون كاملاً لا ينبغي أن يتحرر من
    قيود المجتمع ونظامه لأن سموّ المرء إنما هو في التحرر من ضرورة الغرائز
    وعليه أن يتقبل القوانين الطبيعية والإلهية بسرور لأن الإنسان الذي يرى
    الأشياء تسير وفقا لنواميس الله لن يستاء أو يتذمر مع أنه قد يقاوم وذلك
    فإنه يرتفع من لذات الأهواء إلى صفاء الفكر والعقل وفي هذا يقول نتشهإن
    الأمر الضروري لا يضرني لأن حب القدرة نواة طبيعي)،ولكن لأغلب الناس لم
    يدركوا الضرورة ولذلك وجد عبر التاريخ السيد والمسود وإذا أراد الإنسان
    التحرر من هذه الجدلية فلا بد أن يقدم على اكتشاف القوانين الموضوعية
    لتطور الطبيعة والمجتمع والفكر،وبهذا نتمكن من تحويل العالم تحويلاً
    ثورياً بدلاً من تأمله،فلا بد أن يعمل قبل كل شيء على إسقاط الرأسمالية
    وعلى قيام المجتمع بدون طبقات لذلك قال ماركسإن الفلاسفة لم يعملوا لحد
    الآن إلاّ على تفسير العالم في حين حان وقت تغيره)، والتحرر الذي يسمح
    ببناء الإنسانية يعتبر إحدى الغايات التي ينشدها الشخصانيون وتعد فلسفتهم
    نداء لجميع الناس من أجل بناء نهضة جديدة حيث تزدهر القيم والمثل العليا
    ولا يتسنى ذلك إلاّ بالقضاء على كل الحواجز موضوعية كانت أو ذاتية لابد
    مثلا أن يتحرر من شهواته العمياء ويتجاوز الميول البيولوجية المغلقة ثم
    يتحرر من ضرورة الطبيعة بوسائل العلم وفي هذا يقول مونيإن كل حتمية جديدة
    يكتشفها العالم تعد نوطة تزداد إلى سلم أنغام حريتنا)،وكذلك نجد باكونين
    يقول لست حرا إلا يوم تكون الكائنات التي تحيط بي رجالا ونساء وأطفالا حرة
    أيضا فأنا لا أصير حرا إلا بحرية الآخرين)،وقد لاحظ الشخصانيون أن إنسانية
    البرجوازية مؤسسة بالدرجة الأولى على انفصال الفكر عن المادة أو إبعاد
    الفكر عن العمل.
    وتقويما لهذا الموقف يمكن القول على وجه الخصوص أنه لا يجب أن ننكر
    الأهداف السامية التي ترمي إليها الماركسية والشخصانية وروح
    العدالة،فماركس يدعو لتغيير العالم وتغييره وتحويله تحويلا ثوريا إلا أن
    التاريخ يخضع لحتمية مطلقة وفي نظره أن المجتمع الشيوعي هو الذي سيغير
    التاريخ و بالتالي إنكاره كل محاولة أو مبادرة حرة،أما الشخصانيون رغم
    أنهم اعتبروا الحرية جهدا فرديا مستمرا إلا أن ندائهم يبقى نداءا مثالياً
    كذلك أن ربط الحرية بالتحرر قد يجعل المرء يتجاوز الكثير من الحدود ظنا
    منه أنه يتحرر فتنقلب أفعاله إلى نوع من الفوضى قد يشكل خطرا عليه وعلى من
    حوله لذا لابد من الوعي الدقيق.
    وأخيرا فالحرية ليست مجرد شعور نفسي بل هي عمل مستمر للتحرر يتجلى كلما
    برزت أمام المرء العوائق والحواجز التي تجعله يبذل جهودا ملائمة لتجاوزها
    فيتحرر من ضغوطها وبهذا فليست الحرية شيئا جاهزا نجده أو نقتنيه بل هي
    ممارسة يومية على المستوى النفسي والاجتماعي والفيزيائي وقد صدق من
    قالينال المرء دائما الحرية التي هو أهل لها والتي هو قادر عليها).


















    الدرس:المسؤولية والجزاء.
    الإشكال:هل العقاب وحده كاف لتقويم سلوك الإنسان والحد من الجريمة؟
    تعد المسئولية قبل كل شيء إنسانية إذ لا يعقل أن يتحمل غير الإنسان أي
    مسئولية لذلك لم ينحصر النظر فيها في دائرة الفلاسفة وحدهم بل شاركهم في
    ذلك ذوي الاختصاص من علماء النفس و الاجتماع و رجال القانون و المنشغلين
    بعلم الإجرام , و منشأ هذا الاهتمام علاقة المسئولية بالجزاء و أثر هذا
    الأخير في نفوس الأفراد و في تحقيق التنظيم الاجتماعي و من هنا فقد اختلف
    جمهور الفلاسفة في إبراز دور العقوبة و مدى تنظيمها لسلوك الأفراد و من
    هنا يتبادر إلى أذهاننا الإشكال التالي[عزيزي الزائر يتوجب عليك التسجيل
    للمشاهدة الرابطللتسجيل اضغط هنا] هل العقاب أسلوب ناجع في تنظيم المجتمع
    ؟ أو بعبارة أصح هل العقوبة تحد من الجريمة و تقوم سلوك الأفراد ؟
    يرى أنصار النزعة العقلية أن الجزاء ضروري لتقويم سلوك الفرد لأن هذا
    الأخير حر و عاقل و بإمكانه الاختيار و اختياره لفعل ما تنتج عنه مسئوليته
    فهو مسئول باختياره و بهذا الصدد يرى أفلاطون في الكتاب العاشر من
    جمهوريته في صورة أسطورة فحواها
    أن (آر) الجندي الذي قتل في ساحة الشرف يعود إلى الحياة من جديد بصورة لا
    تخلو من المعجزات فيروي لأصدقائه الأشياء التي تمكن من رؤيتها في الجحيم
    حيث أن الأموات يطالبون بأن يختاروا
    ء و هم المسئولون عن اختيارهم الحر) و في نفس التيار يرى كانط بأن صاحب
    السوء هو الذي يكون قد اختار بكل حرية تصرفه منذ الأزل بقطع النظر عن
    الزمن و الطباع فشرور الفاشية في العالم إنما هي نتيجة حرية اختيار يقول
    كانط إن الشرير يختار فعله بإرادته بعيدا عن تأثير الأسباب و البواعث فهو
    بحريته مسئول ويجب أن يجاز على أفعاله) ولقد أخذ الوجوديون بموقف مماثل إذ
    أن وجود الإنسان في رأيهم سابق لماهيته أي أن الفرد يولد أولا ويكون ما
    يريد بعد ذلك ما يريد وقد نضرت الديانات السماوية في إشكالية العقاب و من
    بينها الإسلام الذي مثلته فرقة المعتزلة التي تؤكد على قدرة خلق الإنسان
    لأفعاله لأنه قادر بعقله على التمييز بين الخير و الشر و بالتالي هو مكلف
    و مسئول عن أفعاله وترى هذه النظرية بدورها أن الغرض من الجزاء و العقاب
    عن فعل ما ليس تحقيق منفعة للمجتمع أو بتقليل عدد المجرمين بقدر ما هو
    التكفير عن الذنب الذي لوث به المجرم قيمة العدل و عكر صفوها و هو أيضا
    تطهير للنفس من الدنس الذي لحق بها نتيجة الأفعال السيئة و في هذا يقول
    لايبنتز هناك من العدالة ليس غرضه إصلاح الشعور و إنما التكفير عن الفعل
    السيئ)،ويقول كذلك مالبرانش إن الذي يريد من الله أن لا يعاقب الظالم لا
    يحب الله) وفي هذا الصدد نذكر المرأة التي جاءت إلى رسول الله (ص) قائلة
    يا رسول الله إني زنيت فطهرني و إني أريد أن ألقى الله و أنا طاهرة بريئة
    من ذنبي) وهي تقصد هنا أن يطهرها بإقامة الحد عليها (الرجم) العقاب هنا هو
    نتيجة للماضي لا إلى ما عسى أن يحدث في المستقبل ونجد أن هذه النزعة تدعو
    إلى وجود قوانين وعقوبات صارمة تجزر المجرم حتى لا يكرر فعلته في المجتمع
    بالإضافة إلى إقرار الديانات السماوية بتنفيذ العقوبة بشكل علني وقد
    انتشرت هذه الفكرة في المجتمعات البدائية و المعاصرة فهي إذا مطلب حضاري .
    بالرغم من كل هذه الحجج و الأدلة إلا أن هذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أن
    حرية الفرد تخضع لبعض الحتميات كذلك أنها اعتبرت المسئولية فردية بطبيعتها
    و هذا ليس صحيحا لأن الأبحاث الاجتماعية أكدت أن المسئولية بدأت جماعية ثم
    تحولت إلى فردية بعد تطور طويل في حياة البشر الاجتماعية و السياسية و
    الاقتصادية فالفرد قديما كان ذائبا في قبيلته و حين يقوم بفعل شيء ضد
    قبيلة أخرى لا يعاقب وحده بل تعاقب القبيلة أما الآن فالعقاب فردي يسلط
    على الفاعل مباشرة كذلك أنها تربط الجزاء بالماضي و هذا لا يؤكد إلا نصف
    الحقيقة فالجزاء لا بد أن يكون موجها أيضا للمستقبل لحماية المجتمع كذلك
    أن هذه النظرية تتجاهل الدوافع و الأسباب التي تحد من تصرفاتنا و
    مسئولياتنا و في هذا يقول لاشونهي إن الفعل الذي يحدث عن حرية مطلقة يعد
    فعلا مستقلا عن أي أسلوب فطري أو مكتسب و على هذا يعد غريبا عن كل ما يؤلف
    طبعنا الشخصي و ليس لنا أي مبرر لننسبه إلينا أو لنعتبر أنفسنا مسئولين
    عنه) كذلك غيو يقول هل نحن نمحي السيئات التي ارتكبها المذنب بتعذيبه؟
    إنما ما حدث قد حدث!! )
    و على عكس الرأي السابق نجد أنصار النزعة الوضعية الذين يرون بأنه لا
    يمكننا معاقبة المجرم لأن العقوبة في نظرهم وسيلة تقليدية غير مناسبة
    فالإجرام حسبهم فعل لا يتعلق بالإرادة بل ينشأ آليا إما بتأثير العوامل
    الوراثية أو الاجتماعية أو النفسية و أبرز رواد هذه النزعة الإيطالي
    لومبروزوا و مواطنه فيري و عالم النفس النمساوي فرويد ؛ أما لومبروزوا
    فيرى أن الإجرام له علاقة بصفات المجرم الوراثية و يقدم إحصائيات لأسر
    معظم أفرادها من مجرمي المافيا و يعدد تلامذته (50)خمسين مطلوبا للعدالة
    في أسرة الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون و لومبروزوا يصنف المجرمين
    إلى أصناف هي كالتالي:مجرمين بالفطرة>بالطبع<, مجرمين مجانين
    ,مجرمين بالعادة , مجرمين بالعاطفة,و هؤلاء يستهويهم الإجرام,و مجرمين
    بالمصادفة و يؤكد لومبروزوا أن كل هذه الأصناف قابلة للإصلاح ما عدى الأول
    الذي يجب مساعدته على الفناء و لو كان طفلا لأن في إفنائه وقاية
    للمجتمع,أما فيري متأثر بأوغست كونت في العلوم الاجتماعية يرى أن الإنسان
    لا يولد مجرما و لكن تصنع منه ظروف بيئته الاجتماعية الفاسدة مجرما و لقد
    أثبت أن العوامل الاجتماعية هي التي تلعب الدور الأساسي في ظهور السلوك
    الإجرامي و في رأيه أن الإجرام نتيجة حتمية لمجموعة من المؤثرات لا بد عند
    توفرها من وقوع السلوك الإجرامي , و أخيرا نجد عالم التحليل النفسي فرويد
    الذي يرى أن بعض السلوكات الإجرامية مردها إلى قوى لا شعورية تتمثل في بعض
    الدوافع و الميول و الذكريات المكبوتة في لا شعور الإنسان منذ أيام
    الطفولة فيمكن أن نفسر مثلا السرقة كمحاولة لاسترجاع ما أخذ من الشخص في
    الماضي , كما يمكن تفسير الخروج عن القانون و مختلف أشكال التمرد و الثورة
    كثورة الطفل ضد الأب الذي يمثل السلطة عند الطفل أي أنه شكل من أشكال
    إرضاء الغريزة العدوانية التي استحال تصعيدها و من هنا رصده سلطة الأب
    القاهرة التي تمنعه من إشباع رغباته كلها و بهذا الصدد يقدمون كذلك
    إحصائيات لعدد كبير من المجرمين المتخلفين عقليا و المرضى نفسيا و قد دعا
    هؤلاء إلى ضرورة إصلاح الفرد لا معاقبته و مساعدته على الاندماج في
    المجتمع,و إلى ضرورة التخلص من المجرمين غير القابلين للإصلاح و الجزاء
    عندهم هو وقاية للمجتمع من تكرار أفعال الإجرام وهذا يتطلب إصلاح المجرم .
    هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد ذلك أنهم يرفعون المسئولية عن الفرد ذلك
    أنه خاضع لعوامل و دوافع أخرى و قي ذلك تشجيع للإجرام,أما بالنسبة
    للومبروزوا الذي يرى أن للجريمة صبغ خاص بها و هذا أمر لم يثبته العلم
    بالإضافة إلى ذلك يجب أن يكون العمل الإصلاحي مكملا للعقوبة لا بديلا لها
    كذلك أن الملاحظة البسيطة تؤكد أنه ليس كل المرضى النفسيين مجرمين بل أن
    معظمهم مسالمين و إنطوائيين .
    ما من إنسان على وجه المعمورة إلا و له عيوب و مساوئ و ما من مجتمع إلا و
    يعاني ظواهر الشذوذ و الانحراف و في كل الأحوال ما دمنا نعاقب فإننا نعترف
    بحرية المجرم و بالتالي مسئوليته عن أفعاله و عليه يجب أن يكون الألم
    الناتج عن العقاب أكبر من اللذة الحاصلة بالجريمة حتى لا يعود إليها في
    المستقبل و ليس الغرض من العقاب هو الانتقام من المجرم بل ردعه و المحافظة
    على أمن و سلامة المجتمع , يقول عز وجل و لكم في القصاص حياة يا أولي
    الألباب ) و إذا رأينا في الموقفين السابقين بعض العيوب و النقائص فالموقف
    الإسلامي يبقى هو الأمثل حيث يحافظ على نقاء النفس و طهارتها و ضمان أمن
    المجتمع و سلامته دون أن ينسى ظروف الفاعل و ألا يهمل الفعل ذاته.
    و هكذا يمكننا أن نستنتج أن العقاب لا يكون وحده دائما هو العلاج الأمثل
    لأمراض النفوس و عللها إنما يجب النظر في وسائل الوقاية و هذا لا يكون إلا
    بتوفير كل الشروط الصالحة لتكوين الفرد فبالقضاء على البطالة و أسباب
    الظلم و الجهل و التخلف نقضي على مصدر الجريمة و بالتالي يصبح المجتمع
    الإنساني فاضلا لا يحتاج لا لقضاء أو قضاة و هذا ما حدث بالفعل في الدولة
    الإسلامية الأمر الذي جعل عمر بن الخطاب يقدم استقالته من منصب القضاء في
    عهد الصديق قائلا يا أمير المؤمنين ...لي عامين في سدة القضاء و لم يتقدم
    إلي متخاصمين ).
    يقول عباس محمود العقاد لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه )
















    الطريقة:جدلية. الدرس: المشكل الأخلاقي 2.
    الإشكال:هل يمكن أن نتصور فعلا أخلاقيا يكون فاعله مجبر عليه؟.
    لقد اختلف فلاسفة الأخلاق في تأطير هم للسلوك و كل ذلك ابتغاء تأطيره و
    الحكم عليه ساعين من خلال عمليهما إلى تحديد العناصر التي تجعله ذا قيمة و
    دلالة أخلاقية , و هذا من خلال ما يضفون عليه من قيم إنسانية ينشدها الفرد
    في فعله فإذا كان الإنسان من خلال قيامه بالفعل الأخلاقي يلتزم بمعايير و
    قيم أخلاقية معينة فهل أساس هذا الفعل و قوامه أن يكون فاعله مجبرا عليه ؟.
    يرى النفعيون و على رأسهم أرستيب القورينظي والذي يعتبر المؤسس الأول
    لمذهب اللذة الفردية فهو يرى أن اللذة هي مقياس العمل الخلقي , فالعمل خير
    بمقدار ما فيه من لذات و شر بمقدار ما فيه من آلام و اللذة عي الباعث
    للعمل و في هذا يقول أي عمل لا يخضع للذة و الألم و أي شيء غير اللذة لا
    يمكن أن يكون باعثا على العمل , اللذة هي الخير الأعظم و هي مقياس القيم
    جميعا هذا هو صوت الطبيعة فلا خجل و لا حياء و ما القيود و الحدود إلا من
    وضع العرف ) _ ثم إن هذه اللذة التي تحملنا متع الدنيا و القناعة باللحظة
    الحاضرة تجعلنا في مستوى واحد مع الحيوان ـ و لعل هذا ما جعل أبيقور يطور
    هذا المذهب من اللذة إلى المنفعة لكنه مع ذلك يبقى مخلصا للمذهب السابق
    فهو يرى أن الإنسان يوجه أعماله للحصول على اللذة غير أنه يختلف معه في
    القول بأن هناك لذات أفضل من لذات عكس أرستيب الذي لا يفرق بين لذة وأخرى،
    إذن فما دامت هناك لذات أفضل فإنه يجب أن نمسك بزمام شهواتنا فنرفض اللذة
    إذا كانت متبوعة بألم أكبر منها، ونتحمل الألم إذا كان متبوعا بلذة أكبر
    منه فاقتلاع الضرس المسوس على الرغم مما فيه من ألم أفضل من تركه ولكي
    يسهل علينا اقتناء اللذات الأنفع يمدنا ببعض القواعد أولها أن إلى اللذات
    التي لا يعقبها أي ألم،وثانيها أن نبتعد عن الألم الذي لا يولد شيئا من
    اللذات،وثالثها أن نجتنب اللذة التي تفقدنا لذة أعظم منها،وأخيرا أن نقبل
    بالألم الذي يضمن لنا لذة أرجح من ذلك الألم أو يخلصنا من ألم أعظم
    منه،وقد ذهب وعلى شاملة هذا الطرح وبعد عشرين قرنا هوبز(1588-1697م) فهو
    يرى مثل أبيقور أن اللذة الشخصية هي المقياس الخلقي،وأن الإنسان الطبيعي
    لا يعرف إلا أنانية محضة فإن أي إنسان بطبيعته لا يبعثه على الفعل إلا حبه
    لنفسه وليس له أي باعث آخر إنه أناني بطبعه لا يطلب إلا خيرا لنفسه،ونجد
    كذلك الفيلسوف الإنجليزي بينتام (1748-1832) أنه يجب أن يكون في المنفعة
    العامة لا الشخصية فاللذة التي نسعى إليها ليست لذة العامل وحده بل لذة كل
    من لهم علاقة بالعمل لذلك يجب علينا أن نحكم على الأعمال بالخيرية أو
    الشريرة أن ننظر فيما ينتجه العمل من اللذات و الآلام لا لأنفسنا فحسب بل
    للنوع البشري كله فالقاضي مثلا عندما يقبل الرشوة تعد رذيلة حتى وإن انتفع
    بها هذا الأخير لأنها تؤدي إلى حالة من الفوضى فتكثر المظالم وتضيع حقوق
    الناس يقول بينتام المنفعة خاصية الشيء الذي تجعله ينتج فائدة أو لذة أو
    خيرا أو سعادة وخاصية الشيء التي تجعله يحمي السعادة من الشقاء والألم
    والشر والبؤس بالنسبة للشخص الذي تتعلق به المنفعة)،ولقد وضع بينتام صفات
    محددة للمنفعة هي كالتالي: الشدة، الخصب ،الدوام ،الصفاء ،القرب و الاتساع
    . وأخيرا جون ستوارت ميل (1806-1873) الذي يختلف مع أستاذه بينتام فهو يرى
    أن تقدير اللذات يجب أن يعود إلى مشورة أناس خبراء لا إلى الفرد و قد أقام
    ميل قاعدة السلوك الأخلاقي هي أن نعمل من أجل الآخرين ما ينبغي أن يفعلوه
    من أجلنا .
    الواقع أن بناء الأخلاق على الطبيعة البشرية يلغي كل إلزام وكل مشروعية
    لها لأنه ما دام من طبيعة الفرد أن يسعى إلى ما يسره وينفعه فإنه لا يمكن
    أن نطلب منفعة غيره وإن كانت هذه الأخلاق تدعي الواقعية فإنها فقدت
    وظيفتها في تقييم السلوك و السمو به نحو المثل العليا يقول غولبر إن تقدير
    قيم اللذات على الرغم من اختلاف طبيعتها و نوعها وقربها بالإسناد إلى حساب
    شدتها وامتدادها وقربها وقد يوصلنا إلى قائمة طويلة من الأرقام لكنها
    أرقام تعسفية لا تخضع إلاّ للعبث و الأهواء).
    وعلى عكس الرأي السابق يرى أنصار الاتجاه العقلي أن هذا الأخير هو مصدر
    القيمة الأخلاقية فهو تلك الماهية الخالدة التي لا تتأثر لا بالزمان و لا
    بالمكان فبه نحكم على الأشياء و نقومها وبه نهتدي في تصرفاتنا يقول ديكارت
    العقل هو أعدل الأشياء توزيعا بين الناس) ،فالعمل الأخلاقي هو كل ما يصدر
    عن اقتناع واختيار ومعرفة لذلك فإن أحكامه ضرورية تصلح لتقويم السلوك
    فالعقل هو أداة الإدراك و التبرير ولا يتم التمييز بين الخير و الشر إلاّ
    بالعقل فإنه ينطوي على مبدأ عدم التناقض يقول الدكتور محمد بدوي في كتابه
    (الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع) هناك قوة كامنة في نفس الإنسان لا
    تهيئ له النصح و تضيء له السبيل فحسب بل إنها تحدد له ما يجب عمله وما يجب
    تحاشيه ،هذه السلطة الكامنة التي تسيطر على قدراتنا وعلى غرائزنا السفلى
    وهي أسمى جزء في نفوسنا هي العقل فخارج ما يأمرنا به العقل لا تكون هناك
    قاعدة أو سلوك له ما يبرره وسلطة العقل هي السلطة الشرعية الوحيدة). وعلى
    شاكلة هذا الطرح نجد كانط يجعل من العقل مصدرا للحياة الأخلاقية ليقطع به
    الطريق أمام العواطف المندفعة فيحتكم الناس إلى صرامته ونزاهته فهو يصدر
    من الإرادة خيرا فالإرادة الخيّرة هي التي تعمل بدافع الواجب لا طبقا
    للواجب فقط لأن هناك بعض الأعمال يمكن أن تتمة طبقا للواجب لكن بدافع
    المنفعة لا بدافع الواجب إذا فالإرادة الخيرة هي التي يكون الدافع إليها
    هو شعور الاحترام الذي يولده فينا مجرد تصور القانون ،إذاً فالإنسان
    الأخلاقي يؤدي فعله كممثل للإنسانية برمتها.
    بما لأن الفعل الأخلاقي لا يمكن أن يكون أخلاقيا وهو خال من الأهواء خاضعا
    للعقل و للإرادة الخيرة فإن السلوك الأخلاقي هو السلوك الصادر عن الإنسان
    الواقعي الذي تتجاذبه الأهواء و الرغبات و الذي بإمكانه أن يؤدي أن يؤدي
    فعلاً خلقيا يكون ناتجاً عن حكمة في التصرف قوامها بناء سلوك ما تكون فيه
    الأهواء و الرغبات تعمل وفق ما يمليه العقل .
    على ضوء ما سبق ذكره نصل إلى أن الجزاء أمر ضروري باعتباره عامل ضغط خارجي
    يحدد السلوك و يقيمه لكنه غير كاف يحتاج إلى أمر مقابل يتمثل في الضغط
    الداخلي أو التأثير الذي يحدثه العقل قبيل وأثناء القيام بالسلوك .

    الطريقة:جدلية. الدرس: إشكالية العدل.
    الإشكال:هل يمكن تحقيق العدالة الاجتماعية في ظل الفروق الفردية ؟.

    إن مفهوم العدل لم يصبح مفهوما شائعا في عصرنا الحاضر إلا بعد الثورات
    الكبرى التي أرقيت فيها الدماء و أزهقت فيها الأرواح البشرية و التي بها
    ثائرون متعطشون إلى الإخاء ضد الاستبداد و الطبقية و الاستغلال و صار
    مفهوم العدل كثيرا ما يقرن بمفهوم المساواة و يعتقد أن العدل في المساواة
    و الظلم في التفاوت و لكن أليس المساواة المطلقة ظلما ؟ لقد اختلف
    المفكرون في الإجابة عن هذا السؤال فمنهم من قال بالمساواة لأنها عدل و
    منهم من رفضها لأنها ظلم و حتى نصل إلى الرأي الذي يبدو لنا صحيحا و نأخذ
    به لابد من عرض الموقفين:
    يرى أصحاب التفاوت أن العدل يتأسس على احترام الفوارق الموجودة و يوردون
    حججا تتعلق بالفوارق الطبيعية و الفوارق الاجتماعية فهم يرون أن الأفراد
    منذ ولادتهم يتميزون عن بعضهم البعض فلكل منهم قدراته و مواهبه الجسمية و
    العقلية الخاصة به فمنهم الضعيف و منهم القوي , منهم الذكي و منهم الغبي ,
    فمن الظلم أن تمنح الغبي و غير الكفء منصبا إداريا ممتازا , لقد كان هذا
    رأي أرسطو فهو يزعم أن التفاوت قانون الطبيعة فهو يعترف بأن استغراق البعض
    للبعض الآخر هو ضرورة طبيعية و مادام الناس مختلفين من حيث الخصائص
    العقلية و الفيزيولوجية فلا بد فيما يرون من توسيع شقة الاختلاف بينهم
    يقول كاريل أليكس*عالم فيزيولوجي و جراح فرنسي* فبدلا من أن نحول تحقيق
    المساواة عبر اللامساواة العضوية و العقلية يجب أن نوسع دائرة هذه
    الاختلافات و ننشئ رجالا) و هو يوضح القول قائلا إن تقسيم سكان البلاد
    الحرة إلى طبقات مختلفة لا يرجع إلى المصادفة أو العرف الاجتماعي و إنما
    هو مؤسس على قواعد بيولوجية صلبة و كذلك على قدرات الأفراد الفيزيولوجية و
    العقلية) ففي المجتمع الديمقراطي كما ترى *فرنسا , بريطانيا* استطاع كل
    شخص أن يجد فرصته خلال القرن (19م) ليرتفع إلى المركز الذي مكنته مقدرته
    من بلوغه , لكن اليوم عامة الشعب يدينون بمراكزهم إلى الضعف الوراثي
    لأعضائهم و عقولهم بالإضافة إلى هذا الرأي فقد تبنى هذا الموقف بعض
    الأديان القديمة (الإبراهيمية) و التي بادروها بتقسيم الناس إلى أربع
    طوائف أعلاها الكهنة و البراهمة و أدناها السفلة و الأنجاس , و حديثا نجد
    اليهود الذين زاعمو أنهم وحدهم شعب الله المختار بالإضافة إلى الحركة
    النازية التي قسمت الجنس البشري إلى طبقات أسماها الآري ولقد علل أنصار
    هذا الضرب من الفوارق الاجتماعية منها و الطبيعية بأنها كحافز يدفع
    الأفراد إلى السعي و النشاط ذلك بأن الإنسان بطبعه مفطور على أن يسعى وراء
    آماله الواسعة و محاولة تحقيقها، فحياة بعض الناس في الرفاهية وتمتعهم
    بالكماليات يثير فيمن هم دونهم رغبة أقوى في العمل قصد الوصول إلى
    طموحاتهم فهو ينكر وجود تفاوت بين الناس في مكانتهم وقدراتهم وهذا لا يعني
    عدم مساواتهم أمام العدالة في أن أي تفاوت يتحول إلى ظلم.
    إلاً أن هذه النزاعات تشبه إلى حد ما المبادئ التي انطلق منها التوسع
    الاستثماري الحديث يدّعون أن القوي له الحق بل ومن العدل أن يحتل الضعيف
    ويسير شؤونه المختلفة ويثبت العلماء أن العرق الصافي من المستحيل وجوده أي
    أن كل بلاد العالم مزيج من العروق حتى أن الدم الذي تفتخر به ألمانيا
    نفسها هو دم هجين إلى حد بعيد أكثر من غيره لا بل إن الواقع يؤكد أن الدم
    الهجين باعث على التقدم و الحيوية .
    وعلى عكس الرأي الأول ظهر اتجاه ثان يرى بأن الناس خلقوا متساوين وفي هذا
    المعنى يقول شيشرون الخطيب الروماني(الناس سواء وليس أشبه من الإنسان
    بالإنسان لنا جميعا عقل ولنا حواس وإن اختلفنا في العلم فنحن متساوين في
    القدرة على التعلم)، وهو يقصد بهذا أن الناس سواسية لا من حيث ملكاتهم
    العقلية وكفاءاتهم وإنما لهم طبيعة بشرية واحدة أنهم سيختلفون فيما
    سيحصلون عليه أثناء عملهم وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول تنويها
    بالمساواة العادلة متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، أي
    متساوين في جميع الحقوق كحق الحرية وحق الحياة و المعاملة ، و أن الناس لم
    يولدوا منقسمين إلى طبقة أسياد وطبقة عبيد وليس لأحد حق السيادة على
    الآخرين بسبب ما يجري في عروقه من دم أرستقراطي، إنما خلق الناس طبقة
    واحدة وكتب توماس جيفرس في إعلان الاستقلال الأمريكي (إن جميع الناس قد
    خلقوا متساوين) كما يقول أن العدل هو احترام الكرامة الإنسانية مهما كان
    الأشخاص ومهما كانت الظروف الطبيعية و الاجتماعية التي تتعرض له فلابد من
    تجاوزها) ، ويرى أيضا (العدل في أسمى معانيه هو تجاوز الحدود و الفوارق
    الاجتماعية).
    بالرغم من أنه لا يمكن إنكار أهمية المساواة و ضرورتها للمجتمع و الأفراد
    إلاّ أنه لا يمكن من مستوى الحقوق و الواجبات إلى مستوى يتعارض فيه الناس
    على حسب إمكانياتهم فلكل واحد إمكانياته الخاصة به بالإضافة إلى أنه لو
    ساوينا كل الناس في جميع المستويات العقلية و الجسدية و العلمية فكيف يحد
    من بعضهم بعضاً .
    إن العدل معناه إزالة الفوارق المصطنعة و المظالم والفروق الواسعة التي
    نشأت بطرق غير مشروعة ولابد من فتح الطرق أمام الجميع و تحقيق مبدأ تكافؤ
    الفرص في جميع المجالات وإذا كان لا فضل لعربي عل عجمي إلاّ بالتقوى فإن
    الله سبحانه وتعالى يقول ورفعنا بعضكم فوق بعض درجات) ولكن هذا لا يعني أن
    العدل معناه المساواة المطلقة بل إعطاء كل ذي حق حقه وفق جهده و عمله .
    وإذا أردنا الخروج بحوصلة فإن العدل ليس مساواة مطلقة و ليس كل تسمى بلا
    حدود ولا قيود فهناك فروق لا حيلة لنا فيها كالفروق الطبيعية .
    إذا فالعدل هو الاحترام الصارم للحقوق لكل ذي كرامة وهو حرب ضد كل العمليات الاحتيالية أي العمليات التي من شأنها أن توفر المساواة .

    الطريقة: الجدلية الدرس : الشغل و التنظيم الاقتصادي
    الإشكال:هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة اقتصادية مزدهرة أم النظام الاشتراكي ؟

    تختلف النظم الاقتصادية ماضيا باختلاف موقعها من الملكية وما يصل بها من
    حيث النوع والحقوق و الواجبات فهناك من حيث النوع قسمان ،ملكية فردية وهي
    التي يكون فيها المالك معنيا ، وملكية جماعية وهي التي يكون فيها المالك
    معنويا أي معين في شخص بعينه كالدولة و العشيرة و القبيلة ومن هنا فقد
    اختلف جمهور الفلاسفة في تحديد النظام الاقتصادي الذي يحقق ازدهاراً
    اقتصادياً و بالتالي نتساءل : هل النظام الرأسمالي كفيل بتحقيق حياة
    اقتصادية مزدهرة أم أن هناك نظاما آخر كفيل بذلك ؟ .
    يرى أنصار النظام الليبرالي ـ الرأسمالي ـ أن هذا الأخير كفيل بتحقيق حياة
    اقتصادية مزدهرة و يستندون في ذلك إلى حجج و براهين بحيث يعتمد على مبادئ
    تعد الركيزة الأساسية التي يستند إليها في تعامله ومن أهمها الملكية
    الفردية لوسائل الإنتاج و كذا المنافسة الحرة التي تضمن النوعية و الكمية
    و الجودة بالإضافة إلى عدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية و كذلك نجد
    قانون العرض و الطلب وهو قانون طبيعي يحدد الأسعار و الأجور فإذا زاد
    الطلب قل العرض و العكس ، ومن كل هذا نستنتج أن فلسفة النظام الرأسمالي
    تقوم على مسلمة واحدة و أساسية هي أن سبب كل المشاكل الاقتصادية يرجع إلى
    تدخل الدولة في تحديد الأسعار و الأجور و الإنتاج ، فلا يزدهر الاقتصاد
    إلاّ إذا تحرر من كل القيود و القوى التي تعيق تطوره وفي هذا يقول آدم
    سميث أحد منظري الليبرالية دعه يعمل أتركه يمر)، و إذا كان تدخل الدولة
    يعمل على تجميد وشل حركة الاقتصاد فإن التنافس الحر بين المنتجين يعتبر
    الوقود المحرك للآلة الاقتصادية فالحرية الاقتصادية تفتح آفاقا واسعة
    للمبادرات الفردية الخلاقة بحيث أن كل المتعاملين يبذلون قصارى جهدهم
    لإنتاج ما هو أحسن وأفضل وبكمية أكبر و بتكلفة أقل ولا خوف في خضم هذا
    النشاط على حركة الأجور و الأسعار لأن قانون العرض و الطلب يقوم بتنظيم
    هاتين الحركتين و في هذا يرى آدم سميث أن سعر البضاعة يساوي ثمن التكلفة
    زائد ربح معقول ، لكن إذا حدث بسبب ندرة بضاعة معينة أن ارتفع سعر بضاعة
    ما فوق سعرها الطبيعي فإن هذه البضاعة تصبح مربحة في السوق الأمر الذي
    يؤدي بمنتجيها إلى المزيد من إنتاجها فيرتفع العرض و هذا يؤدي بدوره إلى
    انخفاض ثمنها و إذا زاد العرض عن الطلب بالنسبة لسلعة ما فإن منتجيها
    يتوقفون عن إنتاجها أو يقللون منه لأنها غير مربحة و هذا يؤدي آليا إلى
    انخفاض العرض ومن ثمة ارتفاع الأسعار من جديد يقول آدم سميث إن كل بضاعة
    معروضة في السوق تتناسب من تلقاء نفسها بصفة طبيعية مع الطلب الفعلي ) ،
    وما يميز هذا النظام أنه لا يتسامح مع الضعفاء و المتهاونين والمتكاسلين ،
    و الملكية الخاصة و حب الناس للثروة هو الحافز الأول و الأساسي للإنتاج ،
    لذلك فإن أكثر الناس حرصا على السير الحسن للعمل لأية وحدة إنتاجية هو
    مالكها ، بالإضافة إلى أن هذا النظام يحقق نوعا من العدالة الاجتماعية على
    أساس أنه ليس من المعقول ومن العدل أن يحرم الفرد حيازته على شيء شقا وتعب
    كثيراً من أجله ، فبأي حق نمنع فردا من امتلاك ثمرة عمله وجهده ؟ .
    أن قيمة النظام الرأسمالي إذا نظرنا إليها من زاوية النجاح الاقتصادي لا
    يمكن أن توضع موضع الشك و التقدم الصناعي و التكنولوجي و العلمي الذي
    حققته الدول الرأسمالية دليل على ذلك ، ولكن هذا الرأي لم يصمد للنقد وذلك
    من خلال الانتقادات التي وجهها الاشتراكيون بقيادة كارل ماكس التي يمكن
    تلخيصها فيما يلي : أولاها أن النظام الرأسمالي لا إنساني لأنه يعتبر
    الإنسان مجرد سلعة كباقي السلع وثانيها أن النظام الرأسمالي يكثر من
    التوترات والحروب من أجل بيع أسلحته التي تعتبر سلعة مربحة و الدليل على
    هذا دول العالم الثالث وفي هذا يقول جوريسكا إن الرأسمالي تحمل الحروب كما
    يحمل السحاب المطر) ، كذلك يقول تشومبيتر الرأسمالية مذهب وجد ليدمر) ،
    وثالثها أن النظام الرأسمالي أدى إلى ظهور الطبقية ـ برجوازية وكادحة ـ
    كما أه نظام لا يعرف فيه الإنسان الاستقرار النفسي بسبب طغيان الجانب
    المادي على الجانب الروحي كما أن هذا النظام أدى إلى ظهور الإمبريالية
    العالمية بالإضافة إلى أنه يوجد ظاهرة البطالة وكذا التمييز العنصري في
    شكل لا يعرف حداً وهذا النظام بدوره يقضي على الرأسماليين الصغار ، وأخيرا
    فإنه لا يوجد تناسب فيما يخص الأجور وساعات العمل يقول ماركس إن
    الرأسمالية تحمل في طياتها بذور فنائها) .
    وعلى عكس الرأي السابق نجد أنصار النظام الاشتراكي الذي ظهر على أنقاض
    الرأسمالية وأهم رواده كارل ماكس وزميله انجلز في كتابه ـ رأس المال ـ
    ويرى ماركس أن المادية الجدلية هي المحرك الأساسي للتاريخ فالنظام
    الاشتراكي يسعى من خلال توطين الشروط المادية إلى تحقيق العدالة
    الاجتماعية وحياة اقتصادية مزدهرة وهذا من خلال مبادئ و أسس أهمها :
    الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج ـ الأرض لمن يزرعها والمصانع للعمال ـ
    وكذلك التخطيط المركزي بالإضافة إلى اعتماد نظام التعاونيات في الإطار
    الفلاحي وفتح المجال أمام النشاط النقابي لحماية حقوق العمال وحل مشكلة
    فائض الإنتاج والصراع الطبقي وكذا اعتماد مبدأ تكافؤ الفرص ، فالنظام
    الاشتراكي يعتمد كلية على الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج وذلك للقضاء
    على الظلم و استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وبث الروح الجماعية والمسؤولية
    الجماعية في العمل وتعتبر الدولة هي الرأس المدبر و المخطط الأول و الأخير
    وهذا للقضاء على التنافس الذي يؤدي إلى الصراع وتحكم الفئة الثرية في
    المؤسسات الاقتصادية بحكم تعارض المصالح كما فتحت الدولة المجال أمام نظام
    النقابات وذلك لحماية حقوق العمال وللاشتراكية صور متعددة ما هو شبيه
    بالرأسمالية ومنها من يقترب من النظام الشيوعي ومنها ما هو وسط بين
    الطرفين .
    لاشك أن النظام الاشتراكي استفاد من بعض عيوب الرأسمالية لكنه لم يستفد من
    نقاطه أو جوانبه الإيجابية بل رفضه جملة وتفصيلاً وهذا الخطأ الذي ارتكبه
    المنظرون الاشتراكيون ضف إلى ذلك أنه بالرغم من الغايات الإنسانية التي
    يسعى إليها النظام الاشتراكي فقد أوجد جملة من السلبيات أهمها أنه فشل في
    إيجاد حلول لظاهرة التسيب و الإهمال و اللامبالاة وروح الاتكال كذلك أنه
    أوجد نوعا من التسيير البيروقراطي الإداري بالإضافة إلى ظهور المحسوبية و
    الرشوة وضعف الإنتاج في ظل غياب المنافسة وكثرة البطالة هذا بالإضافة إلى
    الخيال النظري الشيوعي الذي أدى إلى سوء تقدير الواقع و النتائج
    الاقتصادية ، كما أن توجه الدول الاشتراكية في انتهاج سياسة اقتصاد السوق
    و الانفتاح على العالم وهذا ما يؤكده الواقع المعاش ـ الجزائر ـ .
    إن النظامين الاقتصاديين السابقين وإن اختلفا في المبادئ و الغايات
    الاقتصادية إلاّ أنهما مع ذلك لهما أساس علمي واحد يجمع بينهما فكلاهما
    ينظر للحياة الاقتصادية نظرة مادية ويقيمها على شروط موضوعية وهذا لا يعني
    أنهما تجردا من القيم الإنسانية ، غير أن فلسفة الاقتصاد في الإسلام تنظر
    إلى الحياة الاقتصادية نظرة أكثر شمولاً و تعتني بالنواحي الإنسانية عناية
    خاصة فقد تضمنت فلسفة الاقتصاد في الإسلام مبادئ وقواعد عامة لتنظيم
    الحياة الاقتصادية تنظيما أخلاقيا من أجل تحقيق حياة متوازنة بين الفرد و
    المجتمع وعلى هذا الأساس منحت الإنسان الحرية من الملكية لقوله من عمر
    أرضا ليست لأحد فهو أحق بها )، وقوله أيضاً من أحي أرضا ميتة فهي له)،
    ولكن قيدها بالمصلحة العامة حتى لا تكون أداة لاستغلال الإنسان لأخيه
    الإنسان وجعلها ملكية نسبية(حيث كل شيء لله)، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن
    الإسلام حرم كل أنواع الربا و الغش و الاحتكار وكل ضروب الاستغلال .
    وفي الأخير وكحوصلة لما سبق فإن الاقتصاد الحر لا يحقق لا الحياة المزدهرة
    ولا العدالة الاجتماعية لأنها منبع المصائب والأزمات أما الاشتراكية فإنها
    رغم فضحها لعيوب الرأسمالية لم يتسن لها تحقيق روح العدل ومن هنا فالنظام
    الذي يحقق الحياة المزدهرة إنما هو النظام الذي يجمع بين عنصري الاقتصاد و
    الأخلاق في آن واحد ألا وهو النظام الاقتصادي الإسلامي الذي يجعل من المال
    كوسيلة وليس كغاية يقول تعالى المال و البنون زينة الحياة الدنيا و
    الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا )

    الطريقة: الجدلية الدرس: المشكل الأخلاقي 3
    الإشكال:يقول الأشاعرة : إرادة الله مطلقة ولا اختيار لإرادة الإنسان أمام إرادة الله ؟ .
    تعتبر الديانات السماوية عموما أهم منابع القيم الأخلاقية ومن بينها
    الإسلام الذي تنص تعاليمه على ضرورة الالتزام بالقيم الأخلاقية مستمدين
    ذلك من القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة، ولذلك فإن لكل فريضة غاية
    أخلاقية فالدين معاملة ، ومن ثم وجب علينا أن نبحث عن أسس مفارقة تتجاوز
    المنفعة والعقل والمجتمع، وقد كان لعلماء الكلام دورا هاما في هذا المجال
    وخاصة المعتزلة والأشاعرة، و التساؤل المطروح ما هو الاتجاه الأصح ؟ .
    يرى الأشاعرة أن الأعمال الأخلاقية مصدرها الشرع فهم يرون أنه لا شيء حسن
    ذاته أو قبيح ذاته وإنما الحسن ما حسّنه الشرع و القبيح ما قبّحه الشرع
    ولذلك فالعقل عندهم لا يملك القدرة على التمييز بين الخير والشر، فالخير
    والشر مصدرهما الدين عن طريق ما أمر به الله أو نهى عنه ، ولهذا يرى
    الأشعري أن الواجبات كلها مسموعة ويستدلون بآيات من القرآن الكريم في قوله
    تعالى افعل ما تؤمر) ، ومما استدل به الأشاعرة أيضاً لو كان الحسن والقبيح
    ذاتيين لكانا دائمين في الأشياء والأفعال دون أي شرط في حين أننا نرى
    الشيء الواحد قد يكون حسنا في موضع ويكون قبيحا في مواضع أخرى فالقتل يكون
    حسنا إذا كان قصاصاً ويكون قبيحا إذا كان ظلما والشيء قد يكون حسنا في زمن
    ولا يكون كذلك في زمن آخر ، كما قد تأتي شريعة بتحسين شيء ثم تأتي شريعة
    أخرى فتجعل الشيء نفسه قبيحا) ، فالنسخ دليل على تعبئة الحسن القبح لأمر
    الشرع ونهيه .
    لا يمكن إنكار ما ذهبوا إليه إذ بينوا أن حدود العقل لا يمكن تجاوزها ولكن
    رأيهم لم يصمد للنقد ذلك أنهم أهملوا دور العقل في معرفة الفعل الأخلاقي
    عن الفعل اللأخلاقي ويتضح هذا في اتجاهات العلماء في تمييز الفضائل عن
    الرذائل والعكس تبعا للمستجدات التي تطرأ في الحياة .
    وعلى عكس رأي الأشاعرة نجد المعتزلة الذين ينادون بالعقل فهم يرون أن جميع
    الأعمال التي نعدها حسنة كالعدل والصدق والإحسان ذلك أننا نحكم عليها
    بالحسن بالاعتماد على إدراكنا لها وإذا حكمنا كذلك على بعض الصفات من ظلم
    وكذب وبخل فلأننا اعتمدنا على إدراكنا لها ، ومعنى هذا أن العقل قادر
    بذاته على اكتشاف ما في الأشياء و الأفعال من حسن أو قبح ومن فساد أو صلاح
    ، وأمر الشرع بأشياء كالأمانة والعدل ونهيه عن أشياء كالسرقة والقتل تابع
    لما فيها من حسن وقبح وهو بهذا يخبر عن القيمة ولا يثبتها و العقل يدركها
    ولا ينشئها ، وللمعتزلة حجج شتى على هذا الموقف فمن الثابت تاريخيا أن
    الناس قبل وجود الشرائع كانوا يحتكمون للعقل فيما ينشأ بينهم من خلاف وسند
    العقل في ذلك ما يراه بذاته في الأفعال من حسن وقبيح ذاتيين دون استناد
    إلى الشرع إذ لم توجد بعد أي شريعة وكان العقلاء آنذاك يستحسنون مثلاً
    الحفاظ على الأنفس ويستقبحون العدوان، ومن الحجج المنطقية قولهم لو لم تجب
    المعرفة إلاّ بالشرع للزم إفحام الرسل ولم تكن لبعثتهم فائدة ووجه اللزوم
    إلى الرسول إذ قال لأحد: أنظر في نبوتي ومعجزتي كي يظهر صدقي لديك ، فله
    أن يقول : لا يجب علي النظر في نبوتك ومعجزتك إلاّ بالشرع ولا يثبت الشرع
    ما دمت لم أنظر أن ثبوت الشرع نظري لا ضروري وبهذا يفحم الرسول وتبطل
    دعوته وهذا غير صحيح ، ويثبت بهذا أن القبح والحسن ذاتيان في الأشياء
    يدركهما العقل قبل ورود الشرائع بالإضافة إلى هذا يوردون هاته الحجة التي
    مفادها أنه لو كان الحسن والقبح مكتسبين من الشرع لما أمكن استعمال العقل
    في المسائل التي لم يرد فيها نص شرعي ولأمتنع التعليل لأن التعليل قائم
    على ما في الأشياء و الأفعال من صفات قائمة فيها وفي امتناع التعليل سد
    لباب القياس وتعطيل للأحكام على الوقائع المستحدثة .
    إن العقل قادر على التمييز بين الخير و الشر والإرادة تختار الفعل الممكن
    لكن قد يخطأ أي شخص مثلاً فلا يدفع تذكرة سفر إلاّ إذا أدرك أن هذا الفعل
    سرقة والسرقة حرام إذاً هذا ما يقوله المعتزلة ، إذاً هل يمكن أن تحل
    عاطفة الخوف من الله محل عاطفة الاحترام وهل يخاف الله جميع الناس ؟ .
    أن الخلاف القائم بين هاتين الفرقتين لا يقتصر فقط على الجانب الأخلاقي بل
    يعتبر خلافا مذهبيا عاما يتعلق أساسا بمسألة الترجيح بين العقل والنقل
    ولتفادي الوقوع في هذا الخلاف نعتبر أن الأخلاق الإسلامية تجمع بين
    الجانبين بحيث يجب الالتزام بالنصوص من القرآن و السنة مع إمكانية عرضها
    على العقل لنعرف ما وراء المحرم من مضار وما وراء الحلال من منافع ويتم
    ذلك بإدراك المعاني و المقاصد .
    وإذا أردنا الخروج بحوصلة لما سبق فإن الإسلام راع في مسألة الأخلاق
    ثنائية الإنسان (العقل والطبيعة البشرية) بحيث نجد الإسلام يرفع بالأخلاق
    ولم يعتمد في بنائها على مبدأ واحد كاللذة أو العقل أو المجتمع واتخاذها
    كقاعدة عامة توجه أفعالنا فالإسلام يدعونا إلى طاعة أوامر الله واجتناب
    نواهيه وفي نفس الوقت التوفيق بين متطلبات الواقع والجانب الخلفي للإنسان
    فالإنسان ليس ملكا كما أنه ليس بشيطان











    الطريقة: الجدلية الدرس: اللغة و التواصل
    الإشكال:إذا كانت اللغة تشكل عائقا للفكر فهل يجب رفضها ؟
    يتبادل الناس
    الأفكار كما يتبادلون الأشياء ،ووسيلة هذا التبادل وطريقة هذا التواصل هي
    اللغة التي يعرفها الجرجاني (هي كل ما يعبر به قوم عن أغراضهم)فلا ينحصر
    الفكر في الكلام فقط.والفكر في جوهره نشاط عقلي يعتمد في أداء وظيفته على
    استخدام المعاني وما يقابلها في اللغة من رموز والتفكير كما يقول كوندايك
    (يرتد إلى فن إتقان الكلام) وهذا يعني أن اللغة والفكر مرتبطان أشد
    الارتباط غير أن بعض المفكرين والفلاسفة يشكون من تقصير اللغة وعجزها عن
    التعبير عن كامل أفكارنا وبعبارة أصح :هل نستطيع أن نفكر فيما نعجز عن
    قوله؟
    يرى أصحاب الاتجاه الثنائي أن اللغة باعتبارها أداة عامة للتواصل بين
    الأفكار لا تخرج عن كونها ألفاظا عادية ساكنة تقف في وجه الفكر وتقيم له
    عقبة فاللغة كما يلاحظ جيسبيرسن(بمفرداتها وصيغتها الثابتة قد أجبرت الفكر
    على أن يسلك سبلا مطروقة حتى أنهم اضطروا إلى اقتفاء أثر الأولين وآل بهم
    الأمر إلى أن يكون تفكيرهم أشبه بتفكير من سبقهم)،وقد ذهب على شاكلة هذا
    الطرح برغسون ،حيث يرى بأن الفكر مستقل عن اللغة وأن اللغة تقيد الفكر
    وتستعبده ،كما يرى أيضا أنه لا يوجد تناسب بين ما نملكه من أفكار وما
    نملكه من ألفاظ ،فالألفاظ محدودة ،والأفكار غير محدودة فكيف يمكن للمحدود
    أن يستوعب اللامحدود يقول برغسون(إن كلماتي من جليد فكيف تحمل بداخلها
    النيران وإن المعاني تموت عند سجنها في القوالب اللغوية)؛وفي هذا يقول (
    الألفاظ قبور المعاني)،ويرجع أصحاب هذا الموقف عدم التناسب إلى كون اللغة
    واحدة منذ القدم لم تتطور بينما الأفكار تتطور كل يوم ،بالإضافة إلى كل
    هذا فإن الفكر تتجاوز دلالة الألفاظ ؛ حيث أن اللفظ لا يعبر إلا عما اصطلح
    وتعارف عليه المجتمع كذلك أننا في حياتنا اليومية يستعصي علينا التعبير عن
    بعض المعاني (كما كان يحدث مع الصوفية الذين يرون صعوبة التعبير عن
    تجاربهم النفسية >من ذاق عرف<يطلبون منا أن نعاني تجربتهم لنذوق ما
    ذاقوا) وكذلك أن الفكر متصل والألفاظ منفصلة حيث تتدفق المعاني ككل متصل
    يجعل الألفاظ عاجزة على أن تسعه وقد جاء هذا في القرآن الكريم في بعض
    الآيات في قوله تعالى (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من
    بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله ) ،وقوله أيضا (قل لو كان البحر مدادا
    لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا)
    بالإضافة إلى كل هذا يمكن التعبير عن الألفاظ والمعاني دون استخدام اللغة
    مثل الرسم والموسيقى و إشارات الصم والبكم .
    إن هذا القول بهذا الرأي لم يصمد للنقد ذلك أننا لا نستطيع أن نجزم
    باستغلال الفكر عن اللغة إذ كيف يمكن أن نتمثل في الذهن تصورات لا اسم لها
    ، ومهما ألح برغسون على عجز اللغة ومخاطرها فهو يطالب بإخضاع اللغة هذه
    إلى تعديلات عميقة وشاملة حتى تؤدي دورها يقول(إن اللغة يجب أن تكون على
    درجة من السيولة والمرونة مما يجعلها قادرة على متابعة الفكر الحي في
    سيولته وتدفقه المستمر) وكيف تتمايز الأفكار فيما بينها لولا اندراجها في
    قوالب لغوية .
    إن هذا الموقف السلبي يوحي بأمرين :1-إن الفكر قد يوجد في صورة عالية عن الألفاظ .2-أن اللغة يجب ألا تستعبد الفكر الحر .
    وعلى عكس الرأي الأول نجد من يقول بالتلاحم بين الفكر واللغة وبين المعاني
    والألفاظ فمعظم الفلاسفة اللغويين يؤكدون وجود وحدة بين اللغة والفكر وشبه
    هاملتون اللغة بورقة وجهها الفكر وظهرها الصوت ويشبه ماكس موليير ذلك
    التداخل بين اللغة والفكر بقطعة نقد الفكر وجهها واللغة ظهرها يقول (ليس
    ما ندعوه فكرا إلا وجها من وجهي قطعة النقد والوجه الآخر هو الصوت المسموع
    والقطعة شيء واحد غير قابل التجزئة فليس ثمة فكر ولا صوت ولكن كلمات). وقد
    شبهت اللغة بالقلم والفكر با
    نور الإسلام
    نور الإسلام
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑


    عدَد مشآرڪآتے• : 809
    نْـقٌـآطُـيَـے• : 1359
    تقييےـم الأَعْضآء لكـَ • : 23
    تخصُصِے الدرآسے• : جامعية
    مْــزًاآجٍـے• : رائق
    مدًينتِيـے• : سيدي بلعاس
    عآـمْے بلدِيْے • : الجزائر
    sms : لا اله إلا الله
    سبحانك إني كنت
    من الظالمين فاغفر لي
    مقالات فلسفية 3 ثانوي Hhhop10
    وسام العطاء

    حصري رد: مقالات فلسفية 3 ثانوي

    مُساهمة من طرف نور الإسلام 2010-03-06, 20:00

    الطريقة :جدلية الدرس : التفكير العلمي
    الإشكال :هل تطور التفكير العلمي في أساسه يعتمد على اتصال المعارف وتراكمها أم العكس؟
    يمتاز الإنسان على بقية الكائنات بالعقل والتفكير الذي يطلق عليه مختلف
    النشاطات العقلية التي يقوم بها الإنسان من تصور وتذكر وحكم وتأمل فلم يصل
    إلى ما وصل إليه من تطور وتقدم إلا بفضل النشاط الفكري وهذا يدل على أن
    تطور سلوك الإنسان ورقيه تابع لتطور فكره غير أن التفكير الذي يمكن
    الإنسان من بلوغ أعلى درجات التقدم والرقي الحضاري هو التفكير العلمي الذي
    بدوره يبحث في الظواهر المختلفة من أجل اكتشاف العلاقات الثابتة التي
    تتحكم فيها أو القوانين التي تفسرها وهي تعتبر أصدق تعبير عن المعرفة
    العلمية وخصائصها والسؤال المطروح الذي يتبادر إلى أذهاننا هو:هل تطور
    التفكير العلمي على أساس اتصال المعارف وتراكمها أم على أساس انفصالها
    وتعارضها ؟
    يرى أنصار النزعة الاتصالية أن النشاط الفكري للإنسان البدائي الأول لا
    يكاد ينفصل عن معتقداته في الأسطورة والخرافة والسحر والدين ،و هذا ما
    يراه دوركايم (إن أقدم الظواهر الاجتماعية هي الدين وفي البدء كان كل شيء
    دينيا) ،وهذا الرأي سبقه إليه أستاذه أوغست كونت الذي أوجد قانون الأطوار
    الثلاثة وانطلاقا من هذا القانون فإن معارفنا مرت بثلاث مراحل وهي :
    اللاهوتية والميتافيزيقية والوضعية ففي الطور الأول كان العقل البشري في
    نظرهم يبحث في العلل الأولى والغائية وفي كنه الموجودات ومصيرها وكان
    الطابع المميز لهذه المرحلة هو الاعتماد على الخيال أكثر من سواه فالظواهر
    تحدث بفعل قوى مختلفة العدد تختفي وراء الظواهر وقد يقل عددها أو يكثر
    وتسمى بأسماء مختلفة كالآلهة والجن والشياطين ومعنى هذا أن التفسير يستند
    إلى الكائنات المفارقة للطبيعة ،أما الطور الميتافيزيقي فالتفكير في هذه
    المرحلة لا يكاد يختلف عن المرحلة الأولى إذ أن الإنسان بقي يبحث في كنه
    الأشياء وأصلها ولكنه راح يفسر الظواهر بقوى مجردة خفية يتوهمها في باطن
    الأشياء كتفسير ظاهرة النمو في النبات بقوة الإنبات ويفسر سقوط الأجسام
    بقوة الثقل ولهذا أبعد الإنسان المشخص وأحل بدله المجرد واعتمد على
    الاستدلال العقلي مطرحا الخيال وبقيت المشاهدة تحتل مكانة ثانوية ،أما
    الطور الوضعي يفسر بأنه عندما أصاب الإنسان اليأس في الحصول على أفكار
    مطلقة بالاعتماد على البحث العقلي في أصل الكون وعلله الحقيقية فراح يهتم
    بتفسير الظواهر بربطها ببعضها البعض وذلك بالاستناد إلى ما تقدمه لنا
    المشاهدة الحسية وبهذا استعاض عن التفكير العيني بوضع القوانين التي تربط
    العلاقات المطردة بين الظواهر وهكذا وصلت العلوم في تطورها نحو الكمال إلى
    المرحلة الوضعية بعد أن مرت بمرحلتين تمهيديتين وعد كونت هذه المرحلة هي
    آخر المراحل التي مربها العقل البشري في تطوره نحو الكمال وهناك أدلة
    كثيرة تبين اتصال حلقات العلم وتوضح الدور الذي يلعبه تطور الوسائل
    المتقدمة ومن ذلك أن قوانين مندل في علم الوراثة كانت منطلقا حاسما
    بالنسبة للقوانين التي توصل إليها مورغان فيما بعد حين كشف أن الطريقة
    العامة التي تتوزع بها الصفات الوراثية عبر الأجيال واعتمد في ذلك على
    الملاحظة المجردة ولا شك أن هذه الواقعة وغيرها تدل بما فيه الكفاية على
    أن كل معرفة علمية صدرت عن المعارف السابقة لها واعتمدت على المعلومات
    التي كانت مكتسبة وفي هذا يقول زكي نجيب محمود (فالنتائج التي يتوصل إليها
    في بحث سابق تكون هي نفسها التي يبدأ منها بحث لاحق وحسبنا في هذا الصدد
    أن نعلم بأنه كلما سار العلم مرحلة من شوطه الذي لا ينتهي تقدمت الأجهزة
    التي يستعين بها) كما نجد جيمس فريزر الذي يرى أن المعرفة العلمية نشأت في
    أحضان السحر والتنجيم بحيث يعتقد أن علم الفلك ظهر من التنجيم ومن علم
    الحيل نشأت الكيمياء وترعرع علم الطب في صوامع الكهنة كما ذهب برغسون إلى
    القول بأن المعرفة العلمية نشأت نتيجة إلى تحقيق الحاجات البيولوجية
    للإنسان ولأجل ذلك استخدم عدة أساليب تطورت عبر الزمان بفضل التفكير
    فالحاجات هي مصدر العمل ،وأصل التفكير يقول برغسون (الإنسان الأول كان
    صانعا قبل أن يكون حكيما ) .
    إن هذا الموقف لم يصمد للنقد وذلك لأنه إذا نظرنا إلى الأطوار الثلاثة ظهر
    لنا أنه قانون عقلي أولي لا يبرره التاريخ بدليل الأطوار الثلاثة قد توجد
    في الفرد الواحد والجماعة الواحدة مقترنا بعضها بالبعض لأن المشاكل التي
    تواجه الإنسان ليست ذات طبيعة واحدة بحيث تراه يلجأ إلى تفسيرات أولية في
    بعض المسائل وإلى تفسيرات ميتافيزيقية في مسائل أخرى مع استخدامه للتفسير
    العلمي في الميدان الذي يصلح له والدور الذي اعتبره ميتافيزيقيا لم يخل
    بالنظرة العلمية في مجالات الفلك والرياضيات والطبيعة وبالنسبة إلى ما ذهب
    إليه جيمس فريزر فإن طبيعة العلم تختلف عن طبيعة السحر فالعلم يفسر تفسير
    وضعي لظاهرة بظاهرة أخرى بينما السحر يفسر الظواهر بأمور غيبية يرفضها
    العلم لأنها لا تخضع لا للملاحظة ولا للتجربة وفيما يخص برغسون يمكننا
    القول بأنه أخلط بين العلم والتقنية لأن هدف التقنية هو دائما تحقيق
    المنفعة الذاتية في حين يهدف العلم إلى الصالح العام ـ تحقيق إنسانية
    الإنسان ـ .
    وعلى عكس الرأي السابق يعتقد أصحاب النزعة الانفصالية أن تطوير العلم مصدر
    التعارض بين القوانين والفروض العلمية السابقة وبين الحوادث المكتشفة أي
    أن النتائج التي يتوصل إليها العلماء من قبل كثيرا ما يناقضها ويرفضها
    الواقع فيما بعد وللتاريخ أمثلة كثيرة تدل على هذا التناقض من هنا كانت
    المعرفة العلمية ذات طبيعة جدلية وهي الطبيعة الوحيدة التي يفسر نموها
    وتطورها وتقدمها وفي هذا تساءل غاليلي سنة 1346م عن عدم ارتفاع الماء في
    المضخة إذا وصل 10.33م وهذا مناقض لنظرية أرسطو السائدة في ذلك العصر
    والقائلة بأن الطبيعة تخاف الفراغ وقد أجاب غاليلي قائلا بأن الحد الأعلى
    لارتفاع الماء يتناسب عكسا مع وزنه النوعي وقد كان أبرز القائلين بهذا
    الرأي غاستون باشلار فالتفكير عنده لم يكتسي بالتسمية العلمية إلا أن تغلب
    على عقبات كثيرة فاتجاه الإنسان نحو العلم ينطوي على قدر كبير من التضحية
    بالراحة والهدوء لأن العلم يظهر منذ اللحظة التي يقرر فيها الإنسان أن
    يفهم الواقع كما هو موجود بالفعل لا كما يتمنى أن يكون هو ولا يتأتى له
    ذلك إلا إذا تخطى العواقب الاستمولوجية أي تجاوز ما يقوم في الذهن ذاته
    عائقا أمام التصعيد لأن ما اعتاد عليه من معارف يحجب ما يجب أن يعرفه وهذا
    ما عبر عنه باشلار في قوله إن العلم بالنسبة إلى حاجته إلى الاكتمال كما
    هو الشأن بالنسبة إلى ميدانه يتعارض مع الرأي(لأن الرأي كما يرى) يحول
    الحاجات إلى معارف فهو عندما يعين الأشياء بمنفعتها يمنع نفسه من معرفتها
    فلا يمكن إقامة أي شيء على الرأي فيجب أولا هدمه( ،فالرأي إذن وثيق الصلة
    بإشباع الحاجيات الطبيعية للإنسان فهو يعرف بالنظر إلى المستقبل وكأن هذا
    هو الذي يتحكم في الحاضر من وجهة نظر العـلم.
    هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد ذلك أن التخلص الذاتي من العواقب
    المعرفية يبدوا أمرا بعيد المنال في كثير من المجالات المعرفية فإذا كانت
    الذاتية من العواقب المعرفية فإننا نتساءل هل يمكن للإنسان أن يكون
    موضوعيا موضوعية تامة أي هل يمكنه أن يرى متمة الشيء الخارجي طارحا نفسه
    طرحا تامـا .
    إن العيب الذي تؤاخذ عليه النظريتان هو أنهما أرجعتا معارف العلم ونشأتها
    إلى الاتصال والبناء الكامل والانفصال والهدم العام لكنه في حقيقة الأمر
    يمكن إرجاع بعض المعارف الحالية ونشأتها إلى اتصال بعضه البعض وأخرى نشأت
    انفصاليـا .

    وإذا أردنا الخروج بحوصلة لما سبق يجب علينا أن ننشئ معرفة علمية بأن ننظر
    إلى ما سبقها فيمكن لنا أن نبني عليها ونبدأ من حيث انتهى ،ويمكن هدمه
    وإنشاء أساس جديد حسب الضرورة.


    الطريقة: الجدلية الدرس : الذاكرة
    الإشكال: كيف يمكن تفسير حفظ الذكريات في حالة الكمون؟
    .
    يمتاز الإنسان بقدرته على استخدام ماضيه و الاستفادة منه للتكيف مع ما
    يواجهه من ظروف فهو لا يدرك الجديد إلاّ تحت نور الماضي أو الذكريات ،وهذه
    الذكريات هي التي تقدم له مواده الأولية لتنشيط مختلف ملكاته العقلية ولكن
    هذه الذكريات كيف يمكن لها أن تبقى في متناولنا؟ أين وعلى أي شكل تكون
    ذكرياتنا في الحالة التي لا نضطر إلى استحضارها؟ وكيف تستمد حياتها عند
    الحاجة؟ أو بعبارة أصح هل ما ذهبت إليه النظرية المادية في أن الذكريات
    تكمن في ثنايا الجسم صحيح أم أن هناك تفسيراً آخر؟ .
    يرى أنصار النظرية المادية وبوحي من الفكرة الديكارتية القاتلة بأن
    الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم ، أي الانطباعات التي تحدثها الأشياء
    الخارجية في الدماغ وتبقي بقاءها على لوحة التصوير، أي أن الذكريات تترك
    لها آثاراً في المخ كما تترك الذبذبات الصوتية على اسطوانة الإلكتروفون
    وبمعنى أصح أن المخ كالوعاء على حد تعبير تين يستقبل ويخزن مختلف أنواع
    الذكريات ولكل ذكرى ما يقابلها من خلايا عصبية حتى ذهب بعضهم إلى التساؤل
    ما إذا كانت الخلايا الموجودة في الدماغ كافية من حيث العدد لتسجيل كافة
    الانطباعات ويعتبر رائد هذه النظرية ريبو الذي يرى في كتابه ـ أمراض
    الذاكرة ـ أن الذاكرة ظاهر بيولوجية الماهية سيكولوجية العرض)، وحسبه أن
    الذكريات تحفظ في خلايا القشرة الدماغية وتسترجع عندما تحدث إدراكات
    مماثلة لها ، وأن عملية التثبيت تتم عن طريق التكرار ، والذكريات الراسخة
    فيما يرى ريبو هي تلك التي استفادت من تكرار طويل ولهذا فلا عجب إذا بدأ
    تلاشيها من الذكريات الحديثة إلى الذكريات القديمة ، بل ومن الحركية إلى
    العقلية بحيث أننا ننسى الألقاب ثم الأوصاف فالأفعال فالحركات ، ولقد
    استند ريبو إلى المشاهدات الباثولوجية ـ المرضية ـ مثل الأمنيزيا وبعض
    حالات الأفازيا الحركية ، وحسبه أن زوال الذكريات يكون عندما تحدث إصابات
    على مستوى الخلايا التي تحملها مثل الحبسة ، وبهذا تصبح الذاكرة مجرد
    خاصية لدى الأنسجة العصبية ، ويستدل ريبو أيضا بقوله أنه عندما تحدث إصابة
    لأحد الأشخاص الذين فقدوا ذاكرتهم فإنه كثيراً ما تعود إليه الذاكرة بنفس
    الصدمة وهذا من أكبر الأدلة على حسية الذاكرة وماديتها ، وقد جاءت تجارب
    بروكا تثبت ذلك بحيث أنه إذا حدث نزيف دموي في قاعدة التلفيف الثالث يولد
    مرض الحبسة ، كما أن فساد التلفيف الثاني يولد العمى اللفظي وأن فساد
    التلفيف الأول يولد الصمم اللفظي ، ويعطي الدكتور دولي براول مثال عن بنت
    في 23 من عمرها أصابتها رصاصة في المنطقة الجدارية اليمنى ومن جراء هذا
    أصبحت لا تتعرف على الأشياء التي توضع في يدها اليسرى رغم أنها بقيت تحتفظ
    بالقدرة على مختلف الإحساسات النفسية والحرارية والألمية فإذا أي شيء في
    يدها اليسرى وصفت جميع خصائصه وعجزت عن التعرف عليه ، وبمجرد أن يوضع في
    يدها اليمنى تعرفت عليه بسرعة وهكذا تبدو الذكريات كما لو كانت في منطقة
    معينة من الدماغ ويضيف ريبو دليلاً آخر هو أنه لو أصيب أحد الأشخاص الذين
    فقدوا ذاكرتهم على مستوى الدماغ إصابة قوية ربما استعاد ذاكرته وهذا من
    أقوى الأدلة على حسية الذاكرة وماديتها .
    على الرغم من كل هذه الأدلة والحجج إلاّ أن هذه النظرية لم تصمد للنقد لأن
    التفسير المادي الذي ظهر في القرن 19م لا يمكنه أن يصمد أمام التجربة ولا
    أمام النظر الدقيق ففي هذا الصدد نجد الفيلسوف الفرنسي برغسون الذي يرى
    بأن هذه النظرية تخلط بين الظواهر النفسية و الظواهر الفيزيولوجية فهي
    تعتبر الفكر مجرد وظيفة للدماغ ، كذا أن المادة عاجزة عن تفسير الذاكرة
    يقوللو صح أن تكون الذكرى شيء ما ستحفظ في الدماغ ، لما أمكنني أن أحتفظ
    بشيء من الأشياء بذكرى واحدة بل بألوف الذكريات) ، أما بالنسبة لمرض
    الأفازيا فإن الذكرى لا تزال موجودة إلاّ أن المريض يصير غير قادر على
    استرجاعها حتى يحتاج إليها ويذكر الطبيب جون دولاي أن تذكر الشيء يجب أو
    بالأحرى يكون على حدوث موقف يستدعي تذكر أو عند حدوث موقف مشابه للذكرى .
    وعلى عكس الرأي الأول ظهر الاتجاه الروحي وعلى رأسه الفيلسوف الفرنسي
    برغسون الذي يرى أنه لا حاجة للذكريات إلى مخزن فما هي من الأشياء التي
    وتلمس ولكن يمكن القول مجازاً بأن الذكريات موجودة في الفكر فالذاكرة شعور
    قبل كل شيء فلابد من شعور بمرور الزمن ، فالشعور بالزمن هو في الحقيقة
    شعور بتواصل الحية النفسية ، إن كل لحظة فيما يرى برغسون تتضمن علاوة على
    سابقتها تلك الذكرى التي خلفتها اللحظة السابقة ولكن هذا لا يعني أن
    الديمومة بلا ماضي، إن الحاضر إدراك للماضي وانعطاف نحو المستقبل وحسبه أن
    الذاكرة نوعان : ذاكرة عبارة عن عادة مكتسبة بالتكرار لها جهاز محرك في
    الجهاز العصبي ووظيفتها استعادة الماضي بطريقة آلية بحتة مثل الذاكرة التي
    تعي الشعر و النثر المحفوظ أما الأخرى فهي عبارة عن تصور بحت وهي كما تدعى
    ذاكرة النفس وهي حياة وديمومة تعيد لنا الماضي باعتباره شيئا خالصا ، فإذا
    كانت الأولى تعيد لنا الماضي إعادة ترديدية فالثانية تتصوره وإذا كان مركز
    الأولى البدن وأداتها المخ فالثانية تستغني عن البدن من حيث المبدأ ولكنها
    تتحقق عن طريقه أو حسبه أن الذكريات التي تظهر إنما هي الذكريات النافعة
    للعمل الحاضر أما الباقي منها فيبقى في اللاشعور ولا يتجلى إلاّ متى يضعف
    انتباهنا للحياة أي في الأحلام حيث يقول برغسون في كتابه ـ الطاقة الروحية
    ـ أن الذكريات التي كما نعتقد أنها ذهبت تعود من جديد وبدقة جلية ، فنحيي
    بكل تفصيل مشاهد الطفولة المنسية ونتكلم لغات التي لا نذكر أننا تعلمناها)
    إذاً فإن ما يظهر من ماضينا إلاّ ما يكون تمهيداً للمستقبل وما الدماغ
    إلاّ مجرد أداة لاستحضار الذكريات لا للاحتفاظ بها أما عن انقلاب الذكريات
    فيرجعها إلى اضطراب في الأجهزة المحركة فالذاكرة عنده ليست وظيفة من وظائف
    الدماغ وإنما هي عملية نفسية يشترك فيها الجسم والنفس فالنفس تتعرف والجسم
    ـ الدماغ ـ هو الذي يستدعي أو يسني .
    على الرغم من كل هذه الحجج و الأدلة إلاّ أن هذا الرّأي لم يصمد للنقد حيث
    يرى ميرلونتي أن برغسون لم يحل المشكلة عندما استبدل الآثار البيولوجية
    بالآثار النفسية فكلاهما انعكاسات لإدراكات سابقة وهذا لا يفسر لنا كيف
    تعود الآثار المادية أو الصور النفسية إلى الشعور عم طريق إثارتهما كما لو
    كانت حوادث ماضية فقد أخطأ برغسون في تفريقه بين أنواع الذاكرة فالحركة
    والتصور مظهران لكل عادة ولا وجود لعادة حركية بدون تصور ، وأخطأ كذلك
    عندما رأى أن الذكريات تظهر بمجرد أن نغفل عن الماضي ولا يظهر منها إلاّ
    ما هو نافع: فالأولى تعني أننا نعود إلى الماضي و الصحيح أننا لا نعود إلى
    الماضي بل لركبه في الحاضر ، والثانية غير صحيحة لأننا كثيراً ما نجد
    صعوبات في تذكر ذكريات نكون في أمس الحاجة إليها ـ يوم الامتحان ـ
    إن العيب الذي وقعت فيه النظريتين أنهما أرجعتا الذاكرة إلى عامل واحد دون
    النظر إلى العوامل الأخرى في حين أن الذكرى عمل ينبعث من الشعور وحكم يصدر
    من العقل وهذا الأخير في حكمه يعود ببعض الحوادث إلى الماضي ، كذلك أن هذه
    العملية تتضافر فيها جملة من العوامل العضوية ، بالإضافة إلى الاجتماعية
    إذاً فهي كما يقول برادين إن بناء الماضي بفضل العقل ويمكن القول عند
    الاقتضاء أن ذكرياتنا هي حاضرة في فكرنا الراهن وفكرنا لا معنى له بمعزل
    عن العالم الخارجي) .
    وأخيراً إذا أردنا الخروج بحوصلة فإن الذكرى على حد رأي دولاكروا نشاط
    يقوم به الفكر وإمضاء من تسجيله فهي ليست صورة وإنما حكم على الصورة في
    الزمن ولابد إذا من استبعاد الفكرة التي تعتبر الذاكرة وعاء يستقبل آليا
    أي الشيء فهي تبدو لنا كنشاط يمارسه الشخص ويثبت فيه ماضيه تبعا
    لاهتماماته وأحواله
    الطريقة: الجدلية الدرس : الذاكرة 02
    الإشكال: هل أساس الاحتفاظ بالذكريات بيولوجي أم اجتماعي؟ .

    يمتاز الإنسان بقدرته على استخدام ماضيه و الاستفادة منه للتكيف مع ما
    يواجهه من ظروف فهو لا يدرك الجديد إلاّ تحت نور الماضي أو الذكريات ،وهذه
    الذكريات هي التي تقدم له مواده الأولية لتنشيط مختلف ملكاته العقلية ولكن
    هذه الذكريات كيف يمكن لها أن تبقى في متناولنا ؟ أين وعلى أي شكل تكون
    ذكرياتنا في الحالة التي لا نضطر إلى استحضارها ؟ وكيف تستمد حياتها عند
    الحاجة ؟ أو بعبارة أصح هل أساس ذكرياتنا بيولوجي أم اجتماعي ؟ .
    يرى أنصار النظرية المادية وبوحي من الفكرة الديكارتية القاتلة بأن
    الذاكرة تكمن في ثنايا الجسم ، أي الانطباعات التي تحدثها الأشياء
    الخارجية في الدماغ وتبقي بقاءها على لوحة التصوير، أي أن الذكريات تترك
    لها آثاراً في المخ كما تترك الذبذبات الصوتية على اسطوانة الإلكتروفون
    وبمعنى أصح أن المخ كالوعاء على حد تعبير تين يستقبل ويخزن مختلف أنواع
    الذكريات ولكل ذكرى ما يقابلها من خلايا عصبية حتى ذهب بعضهم إلى التساؤل
    ما إذا كانت الخلايا الموجودة في الدماغ كافية من حيث العدد لتسجيل كافة
    الانطباعات ويعتبر رائد هذه النظرية ريبو الذي يرى في كتابه ـ أمراض
    الذاكرة ـ أن الذاكرة ظاهر بيولوجية الماهية سيكولوجية العرض)، وحسبه أن
    الذكريات تحفظ في خلايا القشرة الدماغية وتسترجع عندما تحدث إدراكات
    مماثلة لها ، وأن عملية التثبيت تتم عن طريق التكرار ، والذكريات الراسخة
    فيما يرى ريبو هي تلك التي استفادت من تكرار طويل ولهذا فلا عجب إذا بدأ
    تلاشيها من الذكريات الحديثة إلى الذكريات القديمة ، بل ومن الحركية إلى
    العقلية بحيث أننا ننسى الألقاب ثم الأوصاف فالأفعال فالحركات ، ولقد
    استند ريبو إلى المشاهدات الباثولوجية ـ المرضية ـ مثل الأمنيزيا وبعض
    حالات الأفازيا الحركية ، وحسبه أن زوال الذكريات يكون عندما تحدث إصابات
    على مستوى الخلايا التي تحملها مثل الحبسة ، وبهذا تصبح الذاكرة مجرد
    خاصية لدى الأنسجة العصبية ، ويستدل ريبو أيضا بقوله أنه عندما تحدث إصابة
    لأحد الأشخاص الذين فقدوا ذاكرتهم فإنه كثيراً ما تعود إليه الذاكرة بنفس
    الصدمة وهذا من أكبر الأدلة على حسية الذاكرة وماديتها ، وقد جاءت تجارب
    بروكا تثبت ذلك بحيث أنه إذا حدث نزيف دموي في قاعدة التلفيف الثالث يولد
    مرض الحبسة ، كما أن فساد التلفيف الثاني يولد العمى اللفظي وأن فساد
    التلفيف الأول يولد الصمم اللفظي ، ويعطي الدكتور دولي براول مثال عن بنت
    في 23 من عمرها أصابتها رصاصة في المنطقة الجدارية اليمنى ومن جراء هذا
    أصبحت لا تتعرف على الأشياء التي توضع في يدها اليسرى رغم أنها بقيت تحتفظ
    بالقدرة على مختلف الإحساسات النفسية والحرارية والألمية فإذا أي شيء في
    يدها اليسرى وصفت جميع خصائصه وعجزت عن التعرف عليه ، وبمجرد أن يوضع في
    يدها اليمنى تعرفت عليه بسرعة وهكذا تبدو الذكريات كما لو كانت في منطقة
    معينة من الدماغ ويضيف ريبو دليلاً آخر هو أنه لو أصيب أحد الأشخاص الذين
    فقدوا ذاكرتهم على مستوى الدماغ إصابة قوية ربما استعاد ذاكرته وهذا من
    أقوى الأدلة على حسية الذاكرة وماديتها .
    على الرغم من كل هذه الأدلة والحجج إلاّ أن هذه النظرية لم تصمد للنقد لأن
    التفسير المادي الذي ظهر في القرن 19م لا يمكنه أن يصمد أمام التجربة ولا
    أمام النظر الدقيق ففي هذا الصدد نجد الفيلسوف الفرنسي برغسون الذي يرى
    بأن هذه النظرية تخلط بين الظواهر النفسية و الظواهر الفيزيولوجية فهي
    تعتبر الفكر مجرد وظيفة للدماغ ، كذا أن المادة عاجزة عن تفسير الذاكرة
    يقوللو صح أن تكون الذكرى شيء ما ستحفظ في الدماغ ، لما أمكنني أن أحتفظ
    بشيء من الأشياء بذكرى واحدة بل بألوف الذكريات) ، أما بالنسبة لمرض
    الأفازيا فإن الذكرى لا تزال موجودة إلاّ أن المريض يصير غير قادر على
    استرجاعها حتى يحتاج إليها ويذكر الطبيب جون دولاي أن أحد المصابين
    بالأمينزيا الحركية فقد تماما إرادة القيام بإشارة الصليب إلاّ انه توصل
    تلقائيا إلى القيام بالإشارة عند دخوله الكنيسة .
    وعلى عكس الرأي الأول يرى أنصار النظرية الاجتماعية أن الغير هو الذي
    يدفعنا إلى تذكر الحوادث أي التي اشترك معنا فيها في الأسرة أو الشارع أو
    المدرسة وفي هذا يقول هالفاكسإنني في أغلب الأحيان عندما أتذكر فإن ذاكرتي
    تعتمد على ذاكرة الغير) ، ولقد كان على رأس هذه النظرية بيارجاني ،هالفاكس
    فهم يرون أن الذاكرة تجد في الحياة الاجتماعية المجال الخصب الذي تستمد
    منه وجودها وحين نحاول معرفة صلتها العضوية بالجسم إنما كنا نبحث عن معرفة
    الآلية التي تترجم الذكريات الماضية و السلوك الراهن والواقع أن هذا
    السلوك هو الذي يربط بين الفرد والآخرين غير أن الذاكرة بمعناها الاجتماعي
    تأخذ بعدا أكبر من هالفاكس فهو يرى أن الذاكرة ترجع إلى المجتمع فالفرد
    مهما اتسم شعوره بالفردية المتميزة إلى أبعد الحدود فإن جميع أنواع السلوك
    التي هي مواد ذكرياته تبقى وتظل اجتماعية واللحظات الوحيدة المستثناة هي
    أثناء النوم أي الأحلام حيث ينعزل الفرد بكليته عن الآخرين إلاّ أن
    الأحلام تبقى ذات طبيعة مختلفة عن الذكريات يقول هالفاكسإن الحلم لا يعتمد
    سوى على ذاته في حين أن الذكريات تستمد وجودها من ذكريات الآخرين ومن
    القاعدة العامة للذاكرة الاجتماعية)، ويكون التفاهم بواسطة اللغة في الوقت
    ذاته فهي الإطار الأول والأكثر ثباتا للذاكرة الاجتماعية ، وهكذا فالعقل
    ينشئ الذكريات تحت تأثير الضغط الاجتماعي إذاً فلا وجود لذاكر فردية
    فالذاكرة هي ذاكرة جماعية ، هي ذاكرة الزمرة والأسرة والجماعة الدينية
    والطبقة الاجتماعية والأمة التي تنتمي إليها وفي جميع الأحوال فإن
    ذكرياتنا ترتبط بذكريات الجماعة التي ننتمي إليها ، فالإنسان ضمن الجماعة
    لا يعيش ماضيه الخاص بل يعيش ماضيه الجماعي المشترك فالاحتفالات الدينية
    والوطنية هي إعادة بنا الماضي الجماعي المشترك .
    هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد مع أنه اعتمد على الواقع ، فصحيح أن
    الذاكرة تنظم داخل أطر اجتماعية ولكن ليس العامل الاجتماعي عاملاً أساسيا
    وكافيا لوحده لأنه بإمكان الفرد أن يتذكر شيئا ذا قيمة بالنسبة له وحده
    بالإضافة إلى أنه إذا كان تذكر الفرد يكون دائما من خلال ماضيه المشترك مع
    الجماعة فيكون ذلك معناه أن شعور الفرد جزء من شعور الجماعة وهذا أمر
    مستحيل .
    أن العيب الذي تؤاخذ عليه النظريتين أنهما عالجتا موضوع الذاكرة المعقد كل
    على حدا وذلك لاختلاف منهجهم في حين أن الذاكرة عملية تتظافر فيها جميع
    العوامل الخارجية المتمثلة في الجماعة بالإضافة إلى كل هذا فإنه لا يمكن
    أن نقف موقف اختيار بين النظريتين ولا يمكننا أيضا قبولهما على أنها صادقة
    فإذا كانت النظرية المادية قد قامت على بعض التجارب فقد تبين مدى الصعوبة
    التي تواجه التجربة أما الاجتماعية فإنها تبقى نسبية نظراً للإرادة التي
    يتمتع بها الفرد دون أن ننسى الجانب النفسي للفرد .
    وخلاصة القول أنه من غير الممكن إرجاع الذاكرة إلى عامل واحد لأنها عملية
    عقلية تتظافر فيها جملة من العوامل الذهنية والعضوية الاجتماعية وبهذا فإن
    أساس الذكريات نتاج اجتماعي وبيولوجي معاً .
    الطريقة: الجدلية الدرس : الإدراك و الإحساس
    الإشكال: هل الإدراك محطة لنشاط العقل أم هو تصور لنظام الأشياء ؟

    يعد الإحساس تلك الظاهرة النفسية الأولية التي تتشابك فيها المؤثرات
    الخارجية مع الوظائف الحسية عن طريق استقبال هذه المؤثرات و تكيفها مع
    طبيعة الموقف , أما الإدراك فيعتبر نوعا من البناء الذهني و عملية إنشائية
    متشابكة يتدخل فيها الحاضر بمعطياته الحسية و الماضي بصوره و ذكرياته , و
    لهذا فقد اختلف الفلاسفة في تفسير عملية الإدراك فمنهم من أرجعه إلى
    العالم الخارجي و بنيته , و منهم من أرجعه إلى العقل و التساؤل الذي يطرح
    نفسه: هل الإدراك نشاط ذهني أم أنه استجابة كلية للمدركات الخارجية ؟ أو
    بعبارة أصح : هل الإدراك مجرد محصلة لنشاط العقل أم هو تصور لنظام الأشياء
    ؟.
    يرى أنصار النظرية الذهنية و على رأسها "ديكارت , واركلي , ألان "فديكارت
    يميز بين الأفكار التي هي حسبه أحوال نفسية موجودة داخل الذات و بين
    الأشياء التي تعتبر امتداد لها يقول ديكارت: (العالم ليس ما أفكر فيه بل
    ما أحياه) , و هذه النظرية في أساسها قائمة على التميز بين الإحساس و
    الإدراك , فالإحساس مرتبط بالبدن لأن المحسوسات مجرد تعبيرات ذاتية قائمة
    فينا , أما الإدراك فهو مرتبط بالعقل و حسبه أن إدراك شيء ممتد إنما يكون
    بواسطة أحكام تصفى على الشيء و صفاته و كيفياته الحسية و منه يكون إدراك
    المكان عملا عقليا فلا يمكن أن يكون وليد الإحساس , و إنما نتيجة حكم
    نصدره عند تفسيره معطيات الحس بالمقارنة بي أبعادها الظاهرية و في هذا
    يقول ديكارت: (إنني حين أنظر من النافذة أشاهد رجالا يسيرون في الشارع مع
    أني في الواقع لا أرى بالعين المجردة سوى قبعات و معاطف متحركة , و لكن
    على الرغم من ذلك أحكم بأنهم أناس) , و هكذا يصل إلى نتيجة مفادها: (و إذن
    فأنا أدرك بمحض ما في ذهني من قوة الحكم ما كنت أحس بأني أراه بعيني) , و
    قد أكد واركلي (بأن تقدير مسافة الأشياء البعيدة جدا ليس إحساسا بل حكم
    مستند إلى التجربة) . مما جعله يرى بأن الأعمى لا يمكن أن يكون لديه أية
    فكرة عن المسافة البصرية إذا استعاد بصره فالشمس و النجوم و أقرب الأشياء
    و أبعدها تبدو له جميعا موجودة في عينه بل في فكره , و قد جاءت أعمال
    الجراح الإنجليزي شيزلند فيما بعد بحوالي عشرين سنة تثبت صحة رأي واركلي و
    هذا الأخير يرى بدوره أنه توجد علاقة بين الذات و الموضوع , و هكذا يصل
    إلى القول: (و جود الشيء قائم في إدراكي أنا له) , و على شاكلة هذا الطرح
    نجد الفيلسوف الفرنسي ألان حيث يرى أننا ندرك الأشياء كما تعطيه لنا
    حواسنا و يقدم مثالا على ذلك المكعب , فإننا لا نرى منه على الأكثر إلا
    تسعة أضلاع من بين أضلاعه الإثنى عشر و ثلاث سطوح من بين سطوحه الستة و
    رغم كل هذا فنحن ندركه مربعا و معنى هذا أن المكعب معقول و ليس محسوس .
    رغم كل هذه الحجج و الأدلة إلا أن هذه النظرية لم تصمد للنقد ذلك أنه و
    كما يرى بعض الفلاسفة لم تكن هذه النظرية على صواب حين ميزت بين الإحساس و
    الإدراك و فصلت بين وظيفة كل منهما في المعرفة فإن كان الإحساس هو الجسر
    الذي يعبره العقل أثناء الإدراك فإن ذلك يعني بالضرورة أن للإحساس وظيفة
    يؤديها في عملية الإدراك , و بدونه يصبح الإدراك فعلا ذهنيا مستحيلا ,
    بالإضافة إلى أن مغالاة هذه النظرية في دور التبرير الذهني يهمش و يستثني
    الحواس في تعرفنا على المكان أو الشيء المدرك .
    على عكس الرأي السابق نجد المدرسة الحشطالنية التي ترفض التمييز بين
    الإحساس و الإدراك, كما ترفض أن يكون الإدراك مجموعة احساسات بل الإدراك
    من أول وهلة هو إدراك لمجموعات ذات صور و بنيات , فالإدراك في نظرها هو
    استجابة كلية للبيئة أو جواب لما تفرضه علينا , و بناء على هذا فإنه في
    عملية الإدراك لا تعطي المعطيات صورها الذهنية عن طريق الحكم العالي و
    إنما تدرك الموضوعات التي تبرز في مجال إدراكنا فتجعلنا ننتبه إليها دون
    غيرها , هاته الموضوعات البارزة تسمى أشكالا و صيغا و حسب النظرية فإن
    العالم الخارجي موجود على شكل منظم و في قوانين معينة لذلك فإنها ترى أننا
    ندرك صيغا و أشكالا لها خصائص هندسية (الشكل – البروز – الحجم …)و ذلك
    بناء على عوامل موضوعية منها :
    أ/*عامل التقارب:التنبيهات الحسية المتقاربة في الزمان و المكان تبدو في
    مجال إدراكنا كوحدة مستقلة في الشكل 1(………)ندرك النقاط على شكل سلسلة , و
    في الشكل 2(.. .. ..)ندرك النقاط كصيغة مستقلة (منفردة , زوجية).
    ب/*عامل التشابه:ندرك التنبيهات المتشابهة في اللون و الحجم و الشكل و
    الحركة كالأشياء و النقاط كصيغة مستقيمة مثل الشكل 3 (ــ ــ ــ . . .)
    الذي يفرض علينا أن ندرك النقاط كصيغة و الخطوط كصيغة أخرى .
    ج/*عامل الإغلاق يلعب دورا هاما في السلوك و خاصة الغريزي منه و معناه أن
    الأشياء و الأشكال تميل إلى الاكتمال في إدراكنا مثلا الشكل 4 ( ) الدائرة
    تدرك كدائرة حين عندما يكون محيطها غير مكتمل و قد نتعرف على شخص ما ربما
    فقط عند رؤية بعض ملامحه .
    هذه تعد أهم القوانين التي تنظم عملية الإدراك عند أصحاب النظرية
    الحشطالنية و هي في نظرهم لا تصدق على مجال البصر فقط بل تتعداه إلى كل
    المجالات الحسية الأخرى فالأصوات هي عبارة عن بنيات أو صيغ ندركها عن طريق
    السمع , و الدليل في ذلك هو أنه عندما نسمع أغنية ما ندرك كوحدة مألوفة من
    اللحن و الكلمات و الإيقاع أي كبنية متكاملة و لا ندركها كأجزاء مفصلة .
    هذا الرأي هو الآخر لم يصمد للنقد ذلك أنه قلل من دور الذات العارفة في
    عملية الإدراك لبنية الشيء المدرك و هو أيضا من جهة أخرى تابع لبنية الذات
    المدركة .
    إن العيب الذي تؤاخذ عليه النظريتان هو أنهما فصلتا بين الذات و العوامل
    الموضوعية (الخارجية) في عملية الإدراك و قد جاءت النظرية العضوية لتقف
    موقفا عضويا فهي ترى أن إدراك المكان هو نتيجة لتظافر جميع المؤثرات
    الحسية التي يستقبلها الفرد في لحظة ما سواء أصدرت عن الذات أو الموضوع و
    هم يعتمدون على مسلمتين فالأولى أن أي تغيير يحدث في الذات أو الموضوع
    يؤثر و يحدث فقدان التوازن بينهما فإدراك خصائص منظر ما من بعيد عند غلق
    إحدى العينين ينتج عنه غياب المساحة المقابلة لمجال إبصار العين المغلقة و
    بالمقابل فوضع ستار ما على نصف حائط يمنع رؤية ما يوجد خلف الستار فهناك
    علاقة تكامل و تطابق بين الذات و الموضوع (و كذلك الأحوال النفسية و
    السلوكات) , أما المسلمة الثانية فإنها كذلك تستجيب للمنبهات الحسية
    فإدراكنا للأشياء يتأثر بحسب قوتها (نستجيب لصوت السيارة أكثر من حديث
    الشخص , و يزعجنا نباح الكلب أكثر من قطعة موسيقية , و نطمئن لنباح الكلب
    إذا خفنا من السرقة).
    و أخيرا و كحوصلة لما سبق فإنه في عملية الإدراك لا بد من توفر شرطين
    أساسيين هما الذات و الموضوع لما يحملانه من تطابق و أمل و بدون توفر
    الشرطين يصبح الإدراك عملا ناقصا إذا فإدراكنا المكان نتيجة لتحصيل عقلي
    بالإضافة إلى العوامل الموضوعية .

    يتبع ان شاء الله
    مقالات فلسفية 3 ثانوي 750123

    ملكة القلوب
    ملكة القلوب
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑


    عدَد مشآرڪآتے• : 622
    نْـقٌـآطُـيَـے• : 1037
    تقييےـم الأَعْضآء لكـَ • : 16
    تخصُصِے الدرآسے• : génie
    مْــزًاآجٍـے• : جيد
    مدًينتِيـے• : سيدي بلعباس
    عآـمْے بلدِيْے • : الجزائر
    مجموع الأوسمة: 01
    وسام التمز

    حصري رد: مقالات فلسفية 3 ثانوي

    مُساهمة من طرف ملكة القلوب 2010-05-20, 20:49

    موضوع رائع
    نور الإسلام
    نور الإسلام
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑


    عدَد مشآرڪآتے• : 809
    نْـقٌـآطُـيَـے• : 1359
    تقييےـم الأَعْضآء لكـَ • : 23
    تخصُصِے الدرآسے• : جامعية
    مْــزًاآجٍـے• : رائق
    مدًينتِيـے• : سيدي بلعاس
    عآـمْے بلدِيْے • : الجزائر
    sms : لا اله إلا الله
    سبحانك إني كنت
    من الظالمين فاغفر لي
    مقالات فلسفية 3 ثانوي Hhhop10
    وسام العطاء

    حصري رد: مقالات فلسفية 3 ثانوي

    مُساهمة من طرف نور الإسلام 2010-05-20, 22:54

    مقالات فلسفية 3 ثانوي Aljaferro5kuszteiyl4
    نور الإسلام
    نور الإسلام
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑


    عدَد مشآرڪآتے• : 809
    نْـقٌـآطُـيَـے• : 1359
    تقييےـم الأَعْضآء لكـَ • : 23
    تخصُصِے الدرآسے• : جامعية
    مْــزًاآجٍـے• : رائق
    مدًينتِيـے• : سيدي بلعاس
    عآـمْے بلدِيْے • : الجزائر
    sms : لا اله إلا الله
    سبحانك إني كنت
    من الظالمين فاغفر لي
    مقالات فلسفية 3 ثانوي Hhhop10
    وسام العطاء

    حصري رد: مقالات فلسفية 3 ثانوي

    مُساهمة من طرف نور الإسلام 2010-05-20, 23:02

    نص الموضوع :


    " فند بالبرهان الأطروحة القائلة بأن المنطق الصوري هو الضامن الوحيد لسلامة وصحة التفكير "


    مرحلة فهم السؤال:

    أ‌- التحليل الاصطلاحي:

    المنطق الصوري: آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الفكر

    الضامن الوحيد: دون غيره من الاستدلالات من الاستدلال الاستقرائي والاستدلال الرياضي

    لسلامة وصحة التفكير : من التناقض مع نفسه بالتوافق مع مبادئ العقل ( مبدأ الهوية ،مبدأ عدم التناقض ، مبدأ السبب الكافي) وكل قواعد المنطق الصوري ( قواعد التعريف ، قواعد الاستدلال بالتقابل ، الاستدلال بالعكس ، قواعد الاستغراق ، قواعد القياس الحملي وقواعد القياس الشرطي التي اكتشفها أرسطو وغيره من المناطقة .)

    فـــــــند: النفي ، الدحض ، الرفع ، الإبطال

    ب – التحليل المنطقي :

    السؤال عبارة عن أطروحة " المنطق الصوري الضامن الوحيد لسلامة و صحة التفكير "

    المطلوب : هو دحض و إبطال هذه الأطروحة فالمشكلة هي : كيف نرفض ونكذب هذه الأطروحة ؟

    الطريقة : استقصاء بالرفع

    طرح الإشكالية : إن التفكير المنطقي أو السليم قديم لدى الإنسان قدم " الإنسان المفكر" l’homo-sapiens فقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك شعوبا عرفت المنطق في كثير من تفاصيله كالصينيين والهنود ... إلا أن صياغة شروط صحته تم وضعها وتحديدها بكيفية تقترب من التمام على يد صانعها الأول أرسطو Aristote الذي أرسى القواعد الأساسية للمنطق الصوري ؛ ونظرا للدور الهام الذي أصبحت تلعبه هذه النظرية طيلة العصور القديمة والعصور الوسطى بتأثيراتها على المعرفة الإنسانية بشكل عام وهي تؤسس لها المقياس الصحيح وتمنعها من التناقض مع نفسها فغدت بذلك أسمى أسلوب لضمان اتفاق العقول وانسجامها وتوحيد حكمها غير أن هذه النظرة التي تجعل من المنطق الصوري أكمل ما أنتجه العقل البشري ، فيها الكثير من المبالغة والخطأ ، وهذا النقص حاول أن يظهره خصوم المنطق الأرسطي من قبل فلاسفة غربيين وإسلاميين في الفترة ذاتها وفي بدايات العصر الحديث الذين وجهوا له الكثير من الانتقادات والاعتراضات وهذا ما يدفعنا إلى الشك في صدق الأطروحة القائلة " المنطق الصوري هو الضامن الوحيد لسلامة التفكير " فكيف يمكن أن نرفض هذه الأطروحة ؟ أو بعبارة أخرى إلى أي حد يمكن تفنيد الرأي القائل بتأسيس التفكير السليم على المنطق الصوري ؟

    محاولة حل الإشكالية :

    1. عرض منطق الأطروحة : يعتبر علم المنطق في طليعة العلوم العقلية التي أفرزتها الحضارة الإغريقية، منذ زمن بعيد ( 3000 سنة تقريبا) ، ومن ذلك الوقت و هذا العلم بقواعده ومبادئه ومباحثه يعمل على حماية الفكر البشري من الوقوع في التناقض مع نفسه وهذا ما أكد عليه مجموعة من المناطقة من العصر القديم إلى العصر الوسيط واستمرارا مع بدايات العصر الحديث ؛على رأسهم المؤسس الأول أرسطو- الذي أولى اهتماما خاصا بهذا العلم واعتبره أشرف علم وهو يقول عنه « علم السير الصحيح أو علم قوانين الفكر الذي يميز بين الصحيح والفاسد من أفعال العقل » وقال عنه بأنه آلة العلم وموضوعه الحقيقي هو العلم نفسه أو صورة العلم . وقد اعتمد على المسلمة القائلة بأنه ما دام التفكير الإنساني معرّض بطبيعته للخطأ و الصواب، ولأجل أن يكون التفكير سليماً و تكون نتائجه صحيحة، أصبح الإنسان بحاجة إلى قواعد عامة تهيئ له مجال التفكير الصحيح وهذا سبب رئيس أن تكتشف كل تلك القواعد من قبل أرسطو أو غيره . وهذه المصادرة تأخذنا للبحث عن مجمل الحجج التي أسست هته الأطروحة نبدأها بالحجة القائلة بأن المنطق الصوري يمتلك تلك الوظيفة لأن الإنسان كان في حاجة أن يلتفت للذاته العارفة ويتعرف عليها جيدا لا سيما أن يمحص النظر في بنية تفكيره ذاتها كتصورات ومفاهيم وأساليب ومناهج حيث كان الإنسان - قبل أرسطو وغيره - يعيش بها في حياته لا يعرف مسمياتها ولا يحسن استخدامها فهاهي مبادئ العقل( مبدأ الهوية، مبدأ عدم التناقض ، مبدأ الثالث المرفوع ، مبدأ السبب الكافي ، مبدأ الحتمية ، مبدأ الغائية) مثلا ساهم كشفها إلى تعزيز دورها التأليفي للبنية المنطقية للعقل ناهيك على أنها شرط للحوار والضامن للتوافق الممكن بين كل العقول باختلاف أعمار أصحابها وأجناسهم وسلالاتهم وثقافاتهم وهي تحدد الممكن والمستحيل في حياة الإنسان السبب الذي جعل ليبنتز يتمسك بهته الأهمية حين يقول: «إن مبادئ العقل هي روح الاستدلال وعصبه وأساس روابطه وهي ضرورية له كضرورة العضلات والأوتار العصبية للمشي». أما الحجة الثانية فتكمن في دور تلك القواعد على إدارة المعرفة الإنسانية التي ينتجها الفكر الإنساني وإقامة العلوم ( الحسية ، والعقلية )عليها . فهاهي مثلا قواعد التعريف التي تنتمي إلى مبحث التصورات والحدود ساعدت كثيرا الباحثين على ضبط مصطلحات ومفاهيم علمهم بفاعلية ووضوح وموضوعية أكبر وتزداد هذه العملية ضبطا وأهمية خاصة إذا تعلق الأمر بالتصورات الخاصة بمجال الأخلاق والسياسة و الحقوق والواجبات ... كذلك أن استخدام مبحث الاستدلالات : الاستدلال المباشر( بالتقابل وبالعكس) و الاستدلال الغير مباشر خاصة إذا تعلق الأمر بالقياس الحملي و القياس الشرطي لديه فائدة كبيرة في تحقيق الإنتاج السليم للعقل من خلال تحديد الضروب المنتجة من الضروب الغير منتجة وهذا يؤدي بنا إلى الكشف السريع عن الأغاليط في شتى المعارف باختلاف مشاربها . كما أن قواعد المنطق اعتبرت من طرف العلماء الأصوليين كفرض كفاية على المسلمين للثمار العظيمة المقتطفة من روحها لأنها تسببت في نجاحات على مستوى الاجتهادات الفقهية والاجتهادات اللغوية. ومن نتائج تطبيق المنطق الصوري: تصدي اليونانيين للمغلطات التي أفرزها الفكر السفسطائي بانتشار التفكير الصحيح الدقيق في أرجاء المجتمع الثقافي اليوناني طيلة العصر القديم بعد أرسطو وهذا ما أدى أيضا إلى تربعه على عرش المعارف خاصة في العصور الوسطى ، بل تم تدريسه إجباريا من طرف المدارس المسيحية في هذه الفترة .

    2. نقد أنصار الأطروحة :

    أ - موقف المناصرين : إن الأطروحة السابقة لها مناصرين ، ؛ فلو بحثنا عنهم في العصور القديمة نجدهم كثر أمثال الرواقيون الذين أبدعوا و أضافوا في المنطق الأرسطي مباحث (مثل نظرية القياس الشرطي ) وغيرهم مثل فرفوريوس الذي شرح الكليات الخمس بشجرته المعروفة. أما لو فتشنا عنهم في العصور الوسطى : نلقى الكثير منهم سواء من أتباع أرسطو في الشرق الإسلامي على يد فلاسفة و مناطقة كبار الذين تأثروا بهذا العلم جراء اتصالهم واحتكاكهم بالحضارة اليونانية ، أبرزهم وبجدارة المعلم الثاني أبو نصر الفارابي الذي اعتبره رئيس العلوم لنفاذ حكمه فيها أو بقوله عنه : « فصناعة المنطق تعطي بالجملة القوانين التي شأنها أن تقوم العقل وتسدد الإنسان نحو طريق الصواب ونحو الحق ...» ، أما الشيخ الرئيس ابن سينا فكان يصفه بخادم العلوم وهو يقول عنه «المنطق هو الصناعة النظرية التي تعرفنا من أي الصور والمواد يكون الحد الصحيح الذي يسمى بالحقيقة حدا، والقياس الصحيح الذي يسمى برهانا» وبلغت قيمة المنطق ذروتها حتى مع العلماء الأصوليين بل و اعتبروه فرض كفاية على المسلمين وهذا على درب أبو حامد الغزالي الذي قال « إن من لا يحيط بالمنطق فلا ثقة بعلومه أصلا » وظل يحظى بهذه القيمة حتى مع الغرب المسيحي فهاهو القديس توماس الإكويني الذي كان يعتبره « الفن الذي يقودنا بنظام وسهولة وبدون خطأ في عمليات العقل الاستدلالية» .

    ب – نقد أنصار الأطروحة :

    حقيقة إن المنطق بإمكانه أن يقوم الفكر ويوجهه توجيها صحيحا ولكنه ليس أساس كل معرفة إنسانية بل حسب البعض قام بتعطيل الفكر العلمي لقرون ( خاصة في العصور الوسطى الغربية ) طويلة ، حيث لم يظهر العلم إلا بعدما تخلص من هيمنة المنطق الصوري . و هذا من دو شك يأخذنا للبحث عن جملة الانتقادات التي وجهت لمناصري الأطروحة لأنها تنطوي على عدة نقائص أهمها :

    - هو منطق شكلي يدرس التفكير دون البحث عن طبيعة الموضوعات التي ينصب عليها بحسب الواقع
    - إن قواعده ثابتة لا تقبل التطور مهما كانت المضامين
    - إنه منطق عقيم لا يصل إلى نتائج جديدة وفي هذا يقول الفيلسوف ديكارت « أما عن المنطق فإن أقيسته ومعظم صوره الأخرى إنما تستخدم بالأحرى لكي تشرح للآخرين الأشياء التي يعلمونها إنها كفن Lulle نتكلم من دون حكم لأولئك الذين يجهلونها » و منه فالقياس عنده لا يسمح لنا بالاكتشاف ، أما بوانكاريه فإنه يشارك فإنه يشارك أيضا في هذه الوجهة من النظر يقول « لا يمكن أن يعلمنا القياس شيئا جوهريا جديدا ...» ، أما جوبلو فمع اعترافه بقيمة القياس ، فإنه حاول أن يحدد إلى حد ما مجال تطبيقه فهو حسبه يصلح طريقا للعرض ومراقبة عمليات الاستدلال الرياضي .وقد أطلق الفقهاء المسلمين من قبلهم هذه الاعتراضات فهاهو "ابن صلاح الشهروردي" يقول:"فأبي بكر وفلان و فلان وصلوا لإلى غاية من اليقين ولم يكن أحد منهم يعرف المنطق" وفي قوله أيضا:" إن المنطق مدخل الفلسفة ومدخل الشر" وهناك أيضا شيخ الإسلام ابن تميمة الذي عارض المنطق الأرسطي بأنه عقيم دون جدوى فهو منطق خاص بالتربية اليونانية،فالقواعد الخاصة بالفكر الإنساني كامنة في هوى الإنساني دون أن يؤسس لهذه القواعد لأنها موجودة، ولقد أعطى ابن تميمة منطقا جديدا وهو المنطق الإسلامي البديل للمنطق الأرسطي.

    - إنه منطق ضيق جزئي ، لا يعبر إلا عن بعض العلاقات المنطقية ، ولا يتجاوز في أبلغ صورة علاقة التعدي.

    - إنه منطق لغوي يقوم على الألفاظ وما فيها من التباس ، وغموض ، وتعدد المعاني فيؤدي إلى عدم اتفاق ، بل والخطأ في النتائج أحيانا . وهذا ما يؤكده ثابت الفندي :« ما دام المنطق يتعامل بالألفاظ لا الرموز فإنه يبقى مثار جدل حول المفاهيم و التصورات المستعملة »


    إن هذه الانتقادات هي التي تدفعنا إلى البحث عن حجج و أدلة جديدة لتفنيد وابطال هذه الأطروحة و هي :
    - إن المنطق الأرسطي يهتم بصورة الفكر دون مادته ( الواقع ) . أي أن الفكر قد ينطبق مع نفسه من الناحية الصورية المجردة و لكنه لا ينطبق مع الواقع ، فالمنطق يتصف بالثبات و السكون قائم على مبدأ الهوية ( الذاتية ) أ هو أ و عدم التناقض أ لا يمكن أن يكون أ و لا أ في نفس الوقت بينما الواقع يتصف بالتجدد و التغيير .

    لهذا فالمنطق الصوري يصلح للبحث عن الحقيقة و اكتشافها ظهر للرد على السفسطائيين و جل مغالطتهم العقلية لهذا كان الغرض منه اقحام الخصم لا إكتشاف الحقيقة الموضوعية ، فهو فلسفة للنحو من حيث أنه يعني بلغة البرهنة والتفنيد لكسب قضية لا يهتم بمضمونها بقدر ما يهتم بصورتها حتى وإن كانت كاذبة .

    - و هذا أيضا ما يجعل المنطق لا يصلح لاكتشاف الحقيقة الموضوعية لأنه لا يتناسب وطبيعة الدراسات العلمية الجديدة ؛ فمعيار المعرفة عند جون ستيوارت مل هو التجربة وليس مطابقة الفكر لنفسه ، فهو غير كاف في توجيه العلوم الطبيعية ، وعلى هذا الأساس تأسس المنطق الاستقرائي الذي غير من البحث المنطقي إلى ميدان التجريب الحسي . بالإضافة إلى ظهور المنطق الرمزي ( الرياضي ) الذي عوض اللغة العادية بالرموز الرياضية بالثبات في اعتمادها كلغة دقيقة مختصرة ، يبني بها أنساقه المنطقية المختلفة ، وهذا يجعل المنطق في هذه الحالة دون غيرها أداة يتم بناؤها تبعا لتقدم الثقافة وحركة العلوم و هذا هو المعنى الذي ينطلق منه جون ديوي في تأسيسه للمنطق الأداتي أ الذي يؤمن بأنه كلما تغيرت الظروف ، يتحتم كذلك أن تتغير الصور المنطقية . كما أن المنطق أصبحح متعددا للقيم متجاوزا ثانئية ( الصدق والكذب ) و هذا يفسر لنا وجود أكثر من احتمال قد تجمع بين الاثنين ( الصدق و الكذب ) ، كتعبير عن حركة الأشياء وليس سكونهاوهذا ما عبر عنه المنطق الجدلي الذي يقوم على النظر إلى العالم الطبيعي على أنه محكوم بمبدأ التناقض و التغاير ، الذي يعبر عن الحركة والنشاط و إظهار صيرورة الحياة التي ينتقل فيها الفكر من الشيء غلى غيره طلبا للمعرفة مما يعني أن الفكر يعتمد على هوية الأشياء ، وعلى تناقضها ن غير أن التناقض أهم لأنه مجال للصراع و الحيوية والاستمرار وهذا ما عبر عنه الفيلسوف هيجل في جدليته المشهورة ( الأطروحة ، نقيض الأطروحة ، التركيب .... إلى أطروحة أخرى فهكذا .

    - وإلى جانب كل هذا يعترض التفكير الإنساني وهو محتم من الأخطاء بالتحصن بقواعد المنطق مجموعة من الحتميات أهمها تأثير الحتمية النفسية والاجتماعية التي تعطي للإنسان المفكر منحى أخر قد يغير مجرى حياته لأنه نفس الفرد الذي يجب أن يرتبط بمعايير مجتمعه ، وحقائق عصره ، وأحكامه العلمية ، ومن الصعب أن يتجرد منها أو يرفضها و إلا عد شاذا ومتمردا عن الجماعة وهذا ما وقع ل " سقراط " و " غاليلي " وما تعرضا له . كما لا يمكننا أن ننسى دور الفكر الفلسفي في التأثير على الأحكام المنطقية لأن المنطق برغم تطور دراساته ، إلا أنه لا يزال شديد الارتباط بالفلسفة ، واتجاهاتها ، ومذاهبها . ومن هنا يصير المنطق وآلياته المختلفة وسيلة للتعبير عن فلسفة دون أخرى ، أو لنصرة مذهب ضد أخر وكل يدافع عن منطق يناسبه ، ويعده هو الصواب . وكل هذا يؤدي إلى الأخطاء و شيوع المغالطات ، على حساب الإطار المنطقي الصحيح .

    حل الإشكالية :

    إذن نستنتج أن الأطروحة القائلة بضمان المنطق الصوري لصحة وسلامة التفكير الإنساني غير صحيحة ، يمكننا إبطالها ورفضها وعدم قابلية الأخذ بها ، و هذا بالنظر إلى تاريخ العلم وتطور المنطق الذي بقي حبيس منهجه التقليدي القديم على غرار باقي العلوم الأخرى التي تطورت وأحرزت مرتبة مرموقة كما هو حال الرياضيات والفيزياء والكيمياء و غيرها من العلوم الدقيقة .و لذلك لا يمكن الأخد برأي مناصري الأطروحة وهي مدحوضة بحجج قوية.
    assia
    assia
    عضو جديد
    عضو جديد


    عدَد مشآرڪآتے• : 4
    نْـقٌـآطُـيَـے• : 4
    تقييےـم الأَعْضآء لكـَ • : 1
    تخصُصِے الدرآسے• : ادب وفلسفة
    مدًينتِيـے• : سيدي بلعباس
    عآـمْے بلدِيْے • : الجزائر

    حصري رد: مقالات فلسفية 3 ثانوي

    مُساهمة من طرف assia 2010-10-19, 23:14

    سلام زهرة سبحان الله التحميل 325 _فاصلة_
    نور الإسلام
    نور الإسلام
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑
    ๑ღ๑ الادارة ๑ღ๑


    عدَد مشآرڪآتے• : 809
    نْـقٌـآطُـيَـے• : 1359
    تقييےـم الأَعْضآء لكـَ • : 23
    تخصُصِے الدرآسے• : جامعية
    مْــزًاآجٍـے• : رائق
    مدًينتِيـے• : سيدي بلعاس
    عآـمْے بلدِيْے • : الجزائر
    sms : لا اله إلا الله
    سبحانك إني كنت
    من الظالمين فاغفر لي
    مقالات فلسفية 3 ثانوي Hhhop10
    وسام العطاء

    حصري رد: مقالات فلسفية 3 ثانوي

    مُساهمة من طرف نور الإسلام 2010-10-20, 17:41

    :2mlpo44:
    أسعدني تواجدك
    التحميل
    مقالات فلسفية 3 ثانوي Ezr3ps10

      الوقت/التاريخ الآن هو 2024-05-08, 18:05